بعد الندوة الدولية الاولى التي نظمها «كرسي بن علي لحوار الحضارات والاديان» العام الماضي فيإطار مهرجان الصحراء الدولي حول: الصحراء صلة تقارب بين الشعوب والثقافات اختارت الهيئة العلمية لكرسي بن علي برئاسة الدكتور محمد حسين فنطر موضوع: الصحراء والانسان للدوة الدولية الثانية التي نظمتها في مدينة دوز من 27 الى 29 ديسمبر هذه الندوة افتتحها الدكتور الهادي مهني وزير الداخلية والتنمية المحلية بكلمة عدّد فيها إيجابيات الصحراء وقدرة الانسان على تكييف حياته حسب المناخ وتقلباته وذكّر بسعي الدولة لمساعدة سكان الصحراء والعمل على تطوير حياتهم وضرب على ذلك مثلا مشروع تنمية رجيم معتوق الذي يندرج ضمن سياسة الرئيس بن علي في الاهتمام بالانسان. أما الدكتور محمد حسين فنطر فجاء في كلمته المنهجية لهذه الندوة: نحن تجاه فضاء فسيح يعجّ بروائع طبيعية وكنوز ثقافية: النبات والحيوان وتقنيات الزراعة وأزياء وزينة وألوان وشعائر يتعانق فيها الدين بالسحر. ففي صحرائها غزا الانسان العجلة والعربة والحصان ثم وعى قيمة الجمل الذي يمتاز بقناعة فائقة وقدرة على حل إشكالية الماء وقطع مسافات شاسعة تمتد بين المراكز الصحراوية. وأضاف: فملتقى الصحراء والانسان: «معرفة لكسب المهارات وحسن التصرف يدعو المشاركين للانكباب على البادية ليروا كيف تمكنت الحياة من فرض وجودها ورفع التحديات الهيكلية والتغلب على العقبات الظرفية». إن للصحراء مميزات عديدة بعضها طبيعي وبعضها اجتماعي اقتصادي ولها موارد لابد من الاستفادة منها دون تهريتها. فكيف نكسب خيراتها دون أن نغفل عن المضار الناجمة عنها كزحف الرمال؟ فهل يمكن توسيع المساحات القابلة للزراعة؟ تلك أسئلة يطرحها الذين يسعون لتنزيل تلك الفلوات في دائرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية وجعلها مصدر إبداع ورخاء. مداخلات على مدى ثلاثة أيام قدم عدد من الباحثين مداخلات حول جوانب مختلفة من عالم الصحراء هذه المداخلات هي: الصحراء ومستقبل الانسان العربي: عبد الملك منصور المصعبي (اليمن). المخطوطات ذاكرة الحياة الاجتماعية والثقافية في الصحراء: عبد الحفيظ منصور (تونس). أثر البيئة الصحراوية في العلاقات المصرية بجيرانها في شمال افريقيا: فرج ابراهيم هندوكة (مصر). التواصل الحضاري بين الصحراء الكبرى وشمال السودان خلال العصر الحجري القديم: يوسف مختار الامين (السودان). دور قوافل الصحراء في نشر الاسلام والحضارة الاسلامية في السودان الاوسط في القرن التاسع عشر: ماهر عطية شعبان (مصر). دور قبائل الغولاني في نشر الاسلام وحضارته في الصحراء الكبرى في القرن التاسع عشر: عبد الله عبد الرزاق ابراهيم (مصر). نظم التجارة الصحراوية بين المغرب الاقصى والسودان في الفترة من القرن الثامن الى القرن العاشر الهجري: كرم كمال الدين (مصر). الاشكال الآدمية التخطيطية بين الصحراء الكبرى والجزيرة العربية في العصور القديمة: عفراء علي الخطيب (سوريا). أثر الانسان على البادية في الاردن خلال العصور القديمة: زيدان كنعاني (الاردن). السياحة الصحراوية كرابطة بين الحضارات وكضمان للتنمية المستديمة: رضا بوكراع (تونس). الصحراء في كتب الرحلة: أحمد الطويلي (تونس). وتضمن برنامج الندوة العلمية الدولية مشاركات من فرنسا مثل الباحث جان لوك لوكلاك: التعايش مع التحوّلات المناخية في صحراء فزّان وأدموند برنيس من فرنسا، أيضا رمزية الجمل والحصان والحمار عند طوارق جنوب الصحراء والباحثة الايطالية ماريا فرانكو مارتينو: الروح الانسانية وأساطير الصحراء والشاعرة الرسامة الفرنسية كاترين ستول سيمون: الصحراء ملاذ الآخرين. قضايا هذه المداخلات اهتمت بمجموعة من القضايا والاشكاليات فالدكتور عبد الله عبد الرزاق ابراهيم من مصر اهتم بدور القوافل الصحراوية في نشر الاسلام في الصحراء الكبرى في القرن التاسع عشر إذ لعبت القبائل التي تتنقل من مكان الى آخر دورا حيويا ليس في حركة التجارة فقط بل في نشر الاسلام وثقافته من خلال التعايش الاجتماعي وتعرّض لجهاد الشيخ عثمان بن فودي في شمال نيجيريا وقيامه بالتنقل من مكان لآخر في مدن الصحراء وأثره في قيام أكبر دولة اسلامية في هذه المنطقة وكانت دولته نموذجا لحركات كثيرة امتدت شمالا وجنوبا وكان لها دورها في تأسيس مسالك في ماسينا وفي السينغال وموريتانيا. أما الدكتور ماهر عطية شعبان من مصر ففي مداخلته: دور القوافل الصحراوية في نشر الاسلام والحضارة الاسلامية في السودان الاوسط في القرن التاسع عشر ذكر أن الجغرافيين المسلمين قد أطلقوا على المنطقة الممتدة من البحر الاحمر شرقا الى المحيط الاطلسي غربا والواقعة بين الصحراء الكبرى شمالا وصحراء كلهاري جنوبا ويعرف الجزء الاوسط من هذه المنطقة باسم السودان الاوسط حتى الضفة الغربية للنيل الابيض ومن فزّان شمالا حتى الغابات الاستوائية جنوبا وتضم هذه المنطقة اليوم الدول التالية النيجر نيجيريا الكامرون افريقيا الوسطى التشاد غرب السودان. وهذه المنطقة جديرة كما يقول بدراسات أكبر واهتم في بحثه ب: 1 أهم الطرق التجارية والتبشيرية بين شمال القارة ووسطها مثل: طريق توات تمبكتو وجاوسكتو ودارفور وطريق القيروان وتوات وغدامس وكانوارا نجيمي وطريق فاس وطريق تاهرت. 2 دور القبائل المتناثرة في الواحات في نشر الاسلام. 3 قوافل التجارة والرحالة والدعاة والمهاجرين ودورهم في نشر الاسلام. 4 دور هذه القوافل في توثيق الصلات بين المغرب والسودان الاوسط. أما الدكتور أحمد الطويلي من تونس فوقف في مداخلته على أهم ما كتبه الرحالة العرب عن الصحراء وطبيعتها وأهلها وحيواناتها وعاداتها وخصوصياتها السوسيولوجية وضمن مداخلته بعض النصوص التي صوّرت الاخطار التي مر بها الرحالة ووصفوا فيها ظروف الحياة القاسية في التنقل في الفيافي واعتبرت الشاعرة الفرنسية كاترين ستول سيمون أن الصحراء هي ملجأ وملاذ للآخرين تعني أساسا الاوروبيين وتعاملت مع بعض النصوص الغربية الفرنسية أساسا المكتوبة عن الصحراء استنتجت من خلالها أن الصحراء هي امتحان للمخيال الغربي إذ أن الحرارة التي تقتحم الاسنان من الداخل تجعل أحاسيسه وعواطفه حارة وبالتالي فإن البحث هنا ليس بحثا عن الصحراء لكنه بحث عن الانسان في صفائه الخالص وفي انتمائه للارض. الدكتور عبد الحفيظ منصور معروف بولعه بدراسة وتحقيق المخطوطات وهو من المختصين في هذا المجال. قدم مداخلة أبرز فيها أن هناك حوالي مليوني مخطوط اهتمت بالصحراء مكتوبة باللغة العربية واللهجات المحلية لكنها مهملة في العالم العربي في الوقت الذي يهتم فيه الاوروبيون بها اهتماما كبيرا. كتاب هذه بعض مداخلات هذه الندوة التي كانت رحلة في سوسيولوجيا الصحراء وأساطيرها ورمزيتها وأكدت مداخلات الندوة جدية الباحثين وسعة إلمامهم وعلمت «الشروق» أن الهيئة العلمية «لكرسي بن علي لحوار الثقافات والاديان» سيصدر فعاليات هذه الندوة العلمية قريبا في كتاب.