مضت الآن أكثر من عشرين عاما على ملتقى الشعر التونسي الاول في الحمامات الذي أفرز ثلاثة اتجاهات أساسية في الشعر التونسي. الاتجاه الواقعي والمنحى الصوفي والريح الابداعية الجديدة وخلال أكثر من عشرين عاما جرت مياه كثيرة في نهر الشعر التونسي وتغيرت ملامح المشهد كليا إذ انسحبت أسماء وبرزت أسماء أخرى. ومن النقاط الاساسية في تغيّر هذا المشهد هي نهاية الاتجاهات الشعرية إذ انتهت مدرسة القيروان واندثر المنحى الواقعي الذي مثّله ثلاثة شعراء أساسا: الطاهر الهمامي ومحمد معالي وسميرة الكسراوي وقد تكون نهاية هذا الاتجاه مرتبطة بالتحوّلات الكبرى التي عرفها العالم بعد تفكّك الاتحاد السوفياتي وولادة النظام العالمي الجديد، أما مجموعة الريح الابداعية الجديدة فقد اندثروا كمجموعة ولكن حافظوا على وجودهم كأصوات. هذا عن الاتجاهات ولكن ماذا عن الاسماء؟ حين نقوم بقراءة للمنجز الشعري للشعراء التونسيين الذين أفرزهم ملتقى الحمامات مثل منصف المزغني وأولاد أحمد ومحمد الغزّي ومنصف الوهايبي وعلي اللواتي وآدم فتحي وعبد الله مالك القاسمي ومحمد العوني وعزوز الجملي ومحمد أحمد القابسي وعبد الرؤوف بوفتح وسوف عبيد والطاهر الهمامي ومحمد أحمد القابسي نلاحظ أن هؤلاء تراجعوا في العشر سنوات بشكل لافت للنظر سواء في مستوى كم الاصدارات الشعرية أو في طبيعة النص فمحمد العوني الذي كان منشطا أساسيا في المشهد الشعري طيلة الثمانينات في ابن خلدون وابن رشيق واتحاد الكتّاب لم يصدر مجموعة واحدة بعد مملكة القرنفل ولكن في المقابل وجّه اهتمامه الاساسي للمسرح كتابة ونقدا ومؤخرا إدارة أيضا وهو ليس الوحيد في هذا الاتجاه إذ مضت عشر سنوات على صدور المجموعة الشعرية: زهرة الغبار لآدم فتحي ولكن آدم لم ينقطع عن الكتابة الشعرية للاغنية خاصة وإنتاج البرامج الثقافية أما منصف المزغني فلم يصدر كتابا شعريا من 1991 «حبّات» حتى 2003 «محبّات» لكن المجموعتين لم تكونا في رأي الكثيرين في مستوى التوهّج الشعري للمزغني في عناقيد الفرح الخاوي وحنظلة العلي وقوس الرياح... ولم يصدر عزوز الجملي بعد مجموعته الاولى أواسط الثمانينات وكذلك عبد الرؤوف بوفتح الذي لم يصدر شيئا بعد «أعشاب الليل» منذ أكثر من عشر سنوات ونفس الملاحظة تنطبق على سوف عبيد إذ أن مجموعته الاخيرة «جناح خارج السرب» كانت قبل عشر سنوات وانتظر عبد الله مالك القاسمي حوالي عشر سنوات ليصدر مجموعة شعرية جديدة هي «حالات الرجل الغائم» بعد «هذه الجثة لي» وكذلك محمد أحمد القابسي... أما محمد الغزي ومنصف الوهايبي فلم يخرجا من عالمهما الشعري الذي عرفناهما به في بداية السبعينات. ونفس الملاحظة بالنسبة لطاهر الهمامي في حين «اندثر» محمد معالي وغابت سميرة الكسراوي التي عادت مؤخرا على أعمدة «الشروق». * جيل جديد أمام غياب هؤلاء برز جيل جديد اختلفت المصطلحات حوله: شباب تسعينيون الموجة الجديدة وهذا الجيل على الرغم من اختلاف تجاربه وتعدّد أسمائه بشكل لافت للنظر فإنه جيل موجوع كما قال الطيب شلبي أو يتيم كما قال آخرون ولكن مشكلة هذه النصوص التي تكتب الآن هي الاهمال النقدي إذ أن تجارب الثمانينات كان وراءها نقّاد أكتفي أن أذكر أحمد حاذق العرف ونور الدين الفلاح وحسونة المصباحي الذي وإن لم يكن ناقدا فإنه «نظّر» لمدرسة القيروان والسؤال الملح الآن الى أين يسير الشعر التونسي؟ وهذا السؤال يفترض أن يكون منطلقا لندوة عن الشعر التونسي الآن... هل يتبناها «بيت الشعر» مثلا؟!