كان الشيخ المرحوم فرج بوزيد الذي عاش بين (1913 1950م) كفيفا يتمتع بصوت جهوري يأخذ الألباب ورجلا عفيفا لا يتكلّم إلا بخير، ولا يلتفت الى ما لا يعنيه وذو بشاشة حنون منقاد لقضاء حوائج الفقراء وقد أجمع أهل المدينة على جلالة قدره ففرج بن صالح بوزيد المولود سنة 1913 ببلدة بوحجر من ولاية المنستير يظل على الدوام شخصية دينية شامخة تميزت بالصبر والفضل والاستقامة وتصدت للتدريس في أماكن متعددة واستفاد منها خلق كثير سواء في بنزرت أو في قرى الساحل ولو عدنا بالذاكرة قليلا لرأينا كيف كان هذا الشيخ صبيا مرحا في أيام الطفولة حيث نشأ وسط عائلة اشتهر أفرادها بالاستقامة والجد والتقوى والورع محفوفا برعاية فائقة من عائلته وبدت عليه علامات الفطنة والذكاء منذ صغره وما إن اشتدّ عوده حتى التحق ب«كتّاب البلدة». فرج بوزيد أصيب بعد بضع سنوات من التحاقه بالكتاب بمرض أفقده نور أحد عينيه وكاد يذهب بالعين الأخرى. ولما كان عمره 18 سنة وتحصل على شهادة «الأهلية» انتقل الى العاصة وتمضي الأيام وينكب فرج بوزيد على الدراسة بجامع الزيتونة ويتصدر حلقات الطلبة فيه ودرس في هذا الجامع أمهات الكتب في علوم الحديث والتفسير والتوثيق والأصول والنحو والمنطق كما استكمل معارفه في علمي المعقول والمنقول واشتهر بين الطلاب بجمال صوته وبالفطنة والمروءة وهو حاضر الجواب في أمهات المسائل ولا يلين جانبه لغير الشرع فتهافت «أعيان تونس» لدعوته لحفلات الختان ولسرد المولدية في المناسبات السارة ومن أساتذته في هذه المحطة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وعبد العزيز جعيط وحمادي بالأمين والعربي الماجري وسواهم.. وفي نهايات السنة الدراسية (1938 1940) كان الطالب فرج بوزيد في زمرة الناجحين في شهادة التحصيل في العلوم بامتياز فأقامت بلدة بوحجر الساحلية الأفراح بنجاح ابنها الطالب الكفيف الذي قهر الظلام وبوّأ أسرته مجدا تليدا في دفتر الأيام وفي خضم هذا النجاح اندفع فرج بوزيد من جديد الى الانكباب على الدراسة بالزيتونة العامرة فتحصل في جوان 1943 على شهادة التحصيل في القراءات ثم نجح بتفوق في شهادة العالمية في القراءات ويحصل على احدى الجوائز الكبرى من لدن الشيخ محمد الطاهر بن عاشور شيخ الجامع الأعظم وفروعه وبعد نجاحه تمّ تعيينه ضمن «مدرسي الفرع الزيتوني ببنزرت» وكان محل ترحاب من أهالي المدينة وفرج بوزيد العالم الديني الكفيف الذي أكرمته مدينة بنزرت سرعان ما أصبح مرجعا من مراجعها الدينية وأسوة بأساتذة أجلاء منهم: المختار الدلالي وحسن قارة بيبان والطاهر الخماسي وسليمان دالي وتشير أحاديث الناس الى تقاه وزهده والى الأدوار التي أداها في خضم الحياة وفي مواصلة الحوار معها. ولم تمهل الموت فرج بوزيد كثيرا فتوفي يوم 15 أفريل 1950 تاركا وراءه إرثا من الطلبة الأوفياء الذين حافظوا على هذا الود الموصول. المراجع: «كتاب بنزرت تحكي» للكاتب رشيد الذوادي