دخلت الحملة الدولية على سوريا مرحلة تأليب «الشقّ الفلسطيني» على النظام وإحداث بلبلة صلب المنظومة المقاومة وذلك عقب «انشقاق» حلفاء دمشق المتمثلين في الدوحةوأنقرة وتكوينهما لخطّ هجوم أول على نظام الأسد. عندما تتحدث قطر وتركيا بلسان واحد وبمقاربة واحدة وبمشروع واحد, فلابد من الإنصات مليا والنظر بكل تروّ إلى المشهد «الجيو استراتيجي» في المنطقة العربية وإلى ما تحمله هذه التصريحات من دلالات وتأثيرات والأهم من ذلك إلى المسكوت عنه في خطابهما. فالسياسة الخارجية للدولتين شهدت تقاربا معتبرا خلال السنوات الأخيرة مع دمشق إلى درجة جعلت الكثيرين يشكون في حقيقة استمرار الأولى في الالتزام بالسياسة الكبرى لمجلس التعاون الخليجي والثانية في تبني مقاربات «الأطلسي» . كما أن البلدين اختارا منذ بدء الأحداث في سوريا الانخراط في الواقع السوري والتأثير فيه سواء بالشحن الإعلامي أو التصعيد في التصريحات السياسية أو احتضان مؤتمرات المعارضة السورية وإيجاد موطئ قدم لها في دول الطوق لدمشق مما يعطيهما – أي أنقرةوالدوحة - صفة مشارك وفاعل أكثر من صفة مراقب أو متابع من بعيد , لا سيما وأن الطرفين اتخذا موقفهما من الحراك السوري وذلك بالوقوف مع «الشارع السوري» المنتفض والذهاب بعيدا في شعاراته والتي حبرت الكثير منها باللغة الأنقليزية. الجديد في المشترك السياسي حيال سوريا, تمثل في اللعب على ورقة تعتبر احدى أهم أوراق دمشق الاستراتيجية, ألا وهي القضية الفلسطينية بشكل عام وحصار غزة بشكل خاص . فلا يظنن أحد , أن ارتباط حديث أمير قطر عن الشارع السوري الذي لن يتراجع عن مطالبه بالتزام الدوحة بدعم قطاع غزة حتى وإن أغضب – هذا الدعم- إسرائيل , واقتران تشديد الرئيس التركي عبد الله غول على فقدان الثقة بالرئيس بشار الأسد بحزمة عقوبات «شبه شكلية» على إسرائيل وبالإصرار على رفع الحصار على غزة .. ضرب من «الصدفة» السياسية إنما هو في حقيقة الأمر سعي من الطرفين إلى إفراغ سوريا من دورها الإقليمي وتحييد دمشق عن فلسطين وذلك بالإشارة إلى الفلسطينيين بأن قضية فلسطين سواء في الأممالمتحدة أو الحصار عن غزة هي من صلب اهتمام دول لا تقل عروبة عن سوريا ولا تقل إسلاما عن الشام . وبهذا ترمي هاتان الدولتان إلى «حماس» و«الجهاد» خاصة وباقي الفصائل الفلسطينية في سوريا, ب«حبل نجاة» – او هكذا هي تتصور – للخروج من الحاضنة الدمشقية وتسجيل أول اختراق حقيقي في السور السوري بعد أن فشلت كافة أشكال الاختراقات في تسجيل انشقاق حقيقي في المنظومة السورية . اللعبة الدولية حيال دمشق تصب حاليا في إبراز انشقاق الأصدقاء عن سوريا , بدات فصولها مع أنقرةوالدوحة ويراد لها التغلغل أكثر صلب التحالف «السوري الإيراني اللبناني الفلسطيني» حتى تنعكس هذه الحالة من التشرذم صلب الداخل ومن ثمة تصويرها على أنها ثمرة من ثمار الحراك الشعبي . ولكن , هل سيسقط الفلسطينيون في هذا الفخ ؟ لا نظن , فبعيدا عن قبول أنقرة بنشر الدرع الصاروخي الأطلسي لديها بعد ساعات من توبيخ تل أبيب وبعيدا أيضا عن العين العمياء للواقع البحريني للخليج وأهله وأتباعه , فالفلسطينيون راهنوا منذ بداية ثورتهم على العواصم ذات المشاريع الإقليمية العربية والإسلامية الحقة وذات المقاربات المبدئية ولم يراهنوا يوما عن وكلاء الاستعمار وممثلي التكتلات العسكرية الغربية وعن سفراء التبعية والرجعية في المنطقة العربية ويعرفون جيدا التفريق بين العَرب والعُرب والأعراب ...