محمود طرشونة اسم اقترن بالقصّة التونسية من خلال حكاية عشق وكأنها فطرية رسخت فيه نهما أدبيا دفعته للتشبع بمختلف الأشكال الأدبية جعلته يتجاوز منذ بداياته دورالمنفعل ليكون الفاعل تحصل سنة 1980 على دكتوراه الدولة في الأدب المقارن من جامعة السربون وتقلّد عدة مناصب في مجاله. لم تكن هذه المناصب إلا مراحل في سيرة هذا الأديب الذي يستمدّ مكانته الحقيقية من انتاجاته الأدبية التي تعددت سوى في مجال القصة أو المؤلفات النقدية أو الدراسات و الأطروحات منها أطروحة «الهامشيون في المقامات العربية وقصص الشطار الإسبانية» والتي كانت محور دعوته من طرف «صالون الأدب بسوسة» للتعريف بنسخة قرر طرشونة تعريبها بعد ثلاثين سنة منذ أن خطها باللغة الفرنسية حول هذه الأطروحة و مواضيع أخرى خصّ هذا الأديب «الشروق» بحوار هذه تفاصيله بعد أن تساءل عن اسم الجريدة قبل التصريح : لماذا انتظرت ثلاثين سنة لتعريب هذه الأطروحة ؟ لم تكن الفرصة سانحة هي مسألة تفرّغ لا غير بحكم التزاماتي العديدة التي لم تمكني من عملية التعريب فإني أشرف على قرابة 20 دكتوراه دولة إضافة إلى مشاغل أخرى تتعلق بالدراسات والنقد وغيرها. لماذا لم تكتب هذه الأطروحة من الأول باللغة العربية خاصة أن مؤلفاتك بهذه اللغة؟ مكرها أخاك لا بطل فالظروف حتمت ذلك فلم يكن هناك قانون ينظم الشهائد العلمية. على غير عادتك خصصت في لقائك اليوم مدة زمنية طويلة نوعا ما للتحدث عن «نضالك النقابي» إن صحت العبارة فهل هو من باب الإعلام أم حتمه هذا اللقاء؟ لا أعتبره نضالا كل ما قلته أني ساهمت في تأسيس نقابة التعليم العالي وساهمت في فصل الإتحاد العام التونسي للشغل عن الحزب الإشتراكي الدستوري التونسي وتحملت تبعات ذلك وفي الحقيقة ما ذكرته يندرج في نطاق التأطير لاختيار موضوع الهامشيين في نهاية الستينات و في بداية السبعينات حيث جعلت إطارا دوليا يتعلق خاصة بثورة ماي 68 المجهضة في فرنسا والثورة الثقافية في الصين ونكسة 67 وفي تونس فشل تجربة التعاضد وقمع اليساريين أردت أن أبين الظروف التي اخترت فيها هذا الموضوع فالمقام هو الذي فرض هذا النوع من الكلام وفي الكثير من الندوات التي شاركت فيها في تونس ما فتئت أذكر بأني مستقلّ عن جميع الأحزاب بما في ذلك الحزب الحاكم وإلى الآن لم يتغير موقفي فلا أميل إلى أي حزب ولا أميل إلى أن يرشحني أي حزب إعتقادا راسخا مني أن انتماء المثقف إلى أي حزب يحد من حريته ومن حرية تفكيره بامتثاله إلى توجهات ذلك الحزب الذي ينتمي إليه وبالتالي لا يستطيع أن يعبر عن موقفه الشخصي وقد عبرت عن مواقفي في مختلف اللقاءات التي حضرتها وأمام مختلف المسؤولين لأني لا أخشى شيئا من موقف كهذا ،ومن جملة ما أتذكر مقال وهو في الحقيقة مداخلة في ندوة قدمتها في العراق بعنوان «سلطة المثقف ومثقف السلطة» نشرته في ما بعد في كتابي «إشكالية المنهج» فقد كنت دوما أرى أن للمثقف الحرسلطة وتتمثل هذه السلطة في الوعي بقضايا المجتمع والمساهمة بفكره في حلّها ولم أحد عن هذا التوجّه إلى الآن بينما مثقف السلطة مقيد لا يستطيع أن يعبر عن أفكاره بكل حرية إضافة إلى أنه لا يخلو من شيء من الإنتهازية التي تحدّ من إبداعه هل تعتبر أن الشعر سيطر على القصة في تونس حتى أن أغلب التظاهرات الأدبية رغم قلتها هي شعرية ؟ القصائد الشعرية تبقى مستساغة في مثل هذه الأمسيات الشعرية ولكن القصة والرواية لا يمكن تقديمهما في أمسية قصصية أو روائية ولكن في المقابل تقدم دراسات عن الروايات والقصص فالجنس الأدبي هو الذي فرض هذا التمييز بين الشعر والسرد ولا يعني ذلك أن الشعر مقبول أكثر من السرد بل بالعكس فالآن كما قال جابر عصفور نحن في زمن الرواية حتى القصة القصيرة بدأت تتراجع شيئا ما في تونس وفي الوطن العربي بأكمله لفائدة الرواية فلو قمت بعملية احصاء لوجدت عدد الروايات والمجموعات القصصية معا أكبر بكثير من المجموعات الشعرية أو الحديث عنها على الأقل والندوات التي تعقد في شأنها. كيف تقيّم الواقع الروائي في تونس؟ لقد قدمت عملا في هذا الشأن في مؤتمر الرواية العربية في القاهرة و نشرته في مجلة الحياة الثقافية بتونس وإضافة إلى تصنيف الروايات الصادرة في العشرية الأخيرة في تونس حيث نشرت كشفا في خصوصها والرواية التونسية عرفت في هذه العشرية ازدهارا كبيرا من حيث الكمّ على الأقل الذي أفرز الكيف ولهذا يمكن أن نفرز من هذا الكم الهائل جملة كبيرة من النصوص التي نعتز بها لذلك في كل مرة أشارك في ندوة خارج تونس في المغرب أو في المشرق أركّز على تلك النصوص التونسية فيكتشفها إخواننا هناك لأنهم يظنون أنه لا توجد نصوص في مستوى التي ينتجونها فلو يتواصل إنتاج الرواية على هذا النسق ربما نحقق نقلة تاريخية هامة جدا ،وبالنسبة للقصة القصيرة أقلّ وأقصد في هذه السنوات العشر الأخيرة فنشر القصص القصيرة قد تراجع لفائدة الرواية وأنا متفائل بمستقبل الرواية في تونس لأني أعرفها من الداخل حيث قرأت جل الروايات التونسية مما جعلني أعتز بالعديد من العناوين. إلى جانب التزاماتك فأنت نائب رئيس جمعية قديمة في تأسيسها وجديدة في التأشيرة وهي «جمعية الأدب المقارن»فماذا يمكن أن نعرف عنها ؟ صحيح لقد أسست هذه الجمعية مدة عشر سنوات تقريبا ولكن لم يمكنوننا من التأشيرة إلا بعد شهرين من الثورة رغم أنه لم يكن هناك أي موجب لتعطيلها بحكم أنها علمية ربما مسالة أشخاص لا أدري ،فقد ضبطنا برنامجا طموحا ابتداء من السنة الثقافية والجامعية ببرمجة بعض الندوات وسنبدأ بضبط كشف لمختلف الدراسات التي اختارت منهج الأدب المقارن في تونس وجمعيات من هذا النوع موجودة في العديد من الدول العربية وأقدمها مدينة عنابة بالجزائر التي أسست جمعية ولم تتبن الأدب المقارن الذي كان أول رواد هذا الأدب فلسطينيون ثم في الشام ثم تبناه المصريون بعد الفلسطينيين وقدموا أعمالا جليلة في هذا المجال تلتها سوريا ولبنان والعراق ولكن في تونس مع الأسف نحن متخلفون عن الركب لأسباب موضوعية تتعلق خاصة بالتدريس الجامعي وتتعلق بوجوب معرفة الكثير من اللغات والثقافات وهذا من شأنه أن لا يشجع الطلبة على اختيارهذا المجال ولكن سنحاول تحسيسهم بأهمية الأدب المقارن في العالم في ظل تراكم الإنتاجات والدراسات العالمية في هذا الجانب مما يجعلنا نخجل عند اظهار نتائج الكشف عن أعمالنا في هذا المجال مقارنة بهذه الدول. تعددت المسابقات الأدبية في تونس وتعددت معها الإنتقادات خاصة في مجال التصريح بالنتائج مما جعل بعضها مشبوهة إذ تواجدت في شهر مارس في لجنة التحكيم لمسابقة «الكريديف»جائزة زبيدة بشير وتوّجت شاعرتين باسناد جائزة بالتناصف بين الشاعرة الشابة فاطمة بلال و الشاعرة نجاة العدواني مما أثار حفيظة هذه الأخيرة اعتبارا لعدم توازن الخبرة على حد تقديرها فهل من توضيح حول ما حصل ؟ أعتبر أن الأمر طبيعي في أن تتقاسم شاعرتان من جيلين مختلفين نفس الجائزة فهذا ليس من باب الشذوذ فأنا أتعامل مع نصوص وليس مع أشخاص. ما المانع في أن تفوز شاعرة شابة؟ فالنص هو الذي يقرّر إضافة إلى أنني كنت ضمن لجنة فلست أنا المقرّر الوحيد ولا ألوم أحدا على ردود فعله فلم أتأثر بتلك الملاحظات ولكن تأثرت بحملات في سنوات سابقة من مؤلفين تونسيين من خلال ترأسي للجنة تحكيم جائزة كومار لعدة سنوات وتسببت لي في مشاكل كبيرة جدا مع العديد من المؤلفين التونسيين لأن كل كاتب مع الأسف يظن نفسه القمّة وكلّ من سواه ليست له قيمة رغم أنه لا يقرأ له أي لا يقرؤون لبعضهم البعض وبالنسبة لي هذا لا يقلقني كثيرا بحكم ثقتي في المقاييس التي أعتمدها إضافة إلى اعتمادي على أعضاء اللجنة فأنا لا أقرّر وحدي فالمشكل عادة يبرز في حصول كاتب مبتدئ والكاتب المتمرّس الذي له العديد من الآثار الأدبية يعتبر نفسه قد ظلم فمن حقه أن يظن هذا ولكن ليس من حقه أن يتحامل على رئيس اللجنة ويشك في موضوعيته وحياده.