جلابيب ونقابات سوداء... بعضهم يمشي بتؤدة على استحياء وآخرون يرمقون من لا يماثلهم شكلا بتحد واتهام... هي مظاهر لم نكن نعرفها قبل الثورة... يسميهم البعض ب «السلفيين» وآخرون بالمتطرفين.. لكن اين كانوا؟ وكيف برزوا؟ ولماذا يلجأ الشباب التونسي الى السلفية؟ «الشروق» فتحت ملفّ الحريات والسلفية وحاولت معرفة أسباب لجوء الشباب لأفكار يصفها البعض بالدخيلة على المجتمع وعلى الفكر الاسلامي الزيتوني... وحاولت نقل موقف الشارع التونسي والمختصين في علم النفس وعلم الاجتماع والشؤون الدينية. بداية الجولة كانت في الشارع التونسي لمعرفة ردّة فعل التونسيين ومواقفهم من بروز السلفيين والذين ينتمون الى جيل الشباب في معظمهم. اعتبر بسام (تلميذ) وجود هذه الظاهرة في تونس عادية وأنه لا يخشى من ظهور موجة تعصب وأفكار «سلفية» فكل يعيش حسب أفكاره ومواقفه وهذا ضمن الحريات... وكل شيء «عادي» و«نورمال».. تخوّف واستغراب «أنا ضد السلفية في تونس... واعتبر بروز ووجود شباب سلفي في تونس من شأنه ان يهدد الحريات وأن يحرم من يخالفهم الرأي من ممارسة حياة طبيعية... استغرب من بروز شباب سلفي ومتطرف... أين كانوا؟ ومن أين برزوا؟ لم نكن نراهم او نعرفهم سابقا... أنا أخشاهم وأخشى تحركاتهم» هكذا عبّرت شيماء (طالبة) عن موقفها من بروز السلفيين وشباب سلفي بلحيهم في تونس. وأضافت: «النقاب ظاهرة غريبة في تونس». وفسّرت شيماء لجوء الشباب الى السلفية بوجود فراغ سابقا هو فراغ فكري وسياسي اشبعه الشباب باللجوء الى أفكار روّجت اليها بعض الأطراف والفضائيات. بدوره أكد السيد علي الفطناسي (إطار متقاعد) عن استغرابه من بروز السلفيين وشباب سلفي... وقال: «حسبنا الله ونعم الوكيل». وقال: «هذه الظاهرة دخيلة ولم تكن يوما ضمن عاداتنا وتقاليدنا... هذه الأفكار قادمة من طالبان والعراق وأفغانستان وما تبعهم». واعتبر أن هذه الأفكار والأشكال الجديدة التي تتبنّاها مجموعة من الشباب مثيرة للخوف وتهدد بخطر الارهاب. وأضاف بأن هناك استغلالا للفقر والجهل والتهميش من أجل زرع هذه الافكار في فئة معيّنة... كما أشار الى حادثة منع بعض الشباب السلفي في احدى الحافلات لسيدة من التوجه الى عملها و«هرسلتها». وقال السيد علي الفطناسي إن بروز وانتشار السلفية يهدّدان الاقتصاد التونسي والسياحة معتبرا ان كل التونسيين مسلمون ولا داعي للمزايدة بإسلام البعض. القانون فيصل اعتبر فاروق (متخرج) أن بإمكان التطرف والسلفية ان تهدد الاقتصاد... واعتبر بروز الشباب السلفي ضمن تداعيات الثورة ووجود انفلات في جميع الميادين. وقال ان الشباب السلفي لا يخيف إذا تمت مواجهته بالحجة... فمظاهراتهم هي جزء من ردود الفعل على سنوات من الكبت والحرمان من التعبير على المواقف والانتماءات الفكرية والايديولوجية والسياسية. وأضاف أن القانون هو الفيصل لإقامة جدار يفصل بين العنف وممارسة الحريات. من جهته اعتبر أيمن (طالب) أن بروز السلفية والشباب السلفي في تونس ظاهرة لا تخيف طالما لم تتحول الأفكار الى عنف وقمع للآخر. واعتبر أن الشباب كان «مسجونا» و«مكبوتا» وقد تمّ فرض نمط حياة عليه وأن التمظهر والأشكال البارزة في الشارع للشباب السلفي في الحلقات والاعتصامات والكليات هو نتيجة «انفجار».. وأضاف بأن هذه المغالاة و«التشنّج» هي مسألة ظرفية وسيتم تجاوزها من خلال ضمان الحريات.. وأنه بإمكان مقارعة الأفكار المتطرّفة بالحجة وبنشر الاسلام الوسطي والأفكار المعتدلة. بدوره دعا السيد محمد الهادي العلوي الى تفهم أسباب لجوء الشباب الى التطرّف ومواجهتهم بالحجج معتبرا أن القانون هو الفيصل لمحاربة العنف. تهديد للحريات تحدّثنا الى السيدة فاطمة (ربّة منزل) التي قالت إنها تخشى وتخاف بروز السلفيين وتستغرب من اتجاه فئة من الشباب نحو التطرّف وقالت إن اللّباس الأسود والقمصان دخيلة على المجتمع التونسي وإنها تحمل فكرا ظلاميا مستدلّة بجمالية «السفساري» وألوان الملية. وقالت ابنتها التي كانت ترافقها إنها لا تنسى موقفا لصاحب سيارة تاكسي أنزلها من السيارة نظرا الى أنها لا ترتدي الحجاب، مستغربة من موقفه رغم أنه شاب.. ولم تملك الفتاة إلا أن سألته عن أسباب تحديقه المستمر فيها و«عقده النفسية» كما وصفتها، ناصحة إياه بقبول «المنقّبات» والمحجّبات وأصحاب القمصان فقط في سيارته. وتقول جيهان (عاملة) إن أفكار الشباب السلفيين تحمل كثيرا من المغالطات ومفهوما خاصا للاسلام وإنهم يحاولون فرض نمطهم في التفكير والحياة وهو ما يهدّد حريات البقية. وقالت «الاسلام ليس كما يروّج إليه البعض.. الاسلام دين اعتدال.. لقد عكروا المناخ وأفزعوا السياح وحطّموا الاقتصاد والحركة بالأسواق التقليدية وغيرها..». وأضافت أن ديننا هو دين «نظافة» واعتدال واستنارة. ألوان الحياة على صفحات ال«فايس بوك» عبّر عدد من المواطنين عن استغرابهم من بروز الألوان السوداء. ودعت صفحات أخرى الى العودة الى اللباس التونسي من جبّة وبلغة وسفساري وغيرها من الملابس. الآراء متضاربة على الصفحات الاجتماعية فبعضها يجرّم السلفية ويستغرب من وجود شباب متطرّف.. وبعضها الآخر تصنّف هذه الظاهرة ضمن الحريات.