ترجع هذه الخصائص الى جانبين، أولا الى شخصية الإمام مالك ثم الى عناصر هذا المذهب. ذكرنا في أعداد سابقة ما تحلى به الإمام مالك من صفات وأخلاق من تقوى وورع وعبادة ولكن أهم هذه الصفات عدم التعصب وفرض آرائه على غيره وخاصة فرض مذهبه على جميع المسلمين.
روي أن الخليفة العباسي هارون الرشيد استشاره أن يعلّق الموطأ في الكعبة، ويحمل الناس على اتباعه، فلم يقرّه مالك على ذلك وذكر أن لكل من الصحابة اجتهاده ودليله الذي صحّ عنده فليس من وجه لإلزام الناس بما يراه مالك دون ما ثبت لهم وصحّ عند أئمتهم.
فمالك يرى ضرورة الاجتهاد حسب التطوّر وحسب الظروف الاجتماعية للناس وذلك بالاعتماد على القرآن والسنّة، واشتهر بأنه أعلم الناس بهما وقد حظي بتقدير سائر أئمة السنة وعرفانهم له خاصة ممن نهلوا العلم على يديه مثل الإمام الشافعي والإمام ابن حنبل فالشافعي كان ينوّه بكتاب مالك ويقول عن الموطإ «ما في الأرض كتاب من العلم أكثر صوابا من موطإ مالكه» ويقول: إذا جاء الأثر فمالك النجم» ويقول: «مالك ابن أنس معلّمي منذ تعلّمنا العلم، وإذا ذكر العلماء فمالك النجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك وعنه اخذت العلم». وكان يقول: «أنا غلام من غلمان مالك» ويقول: «جعلت مالكا حجة فيما بيني وبين الله».
أما الإمام ابن حنبل فيشهد أن «مالك سيد من سادات أهل العلم وهو إمام في الحديث والفقه» ويقول: «من مثل مالك متبع لآثار من مضى مع عقل وأدب».و «مالك حافظ متثبت من أثبت الناس في الحديث» و«حديث مالك حجة بين الله وبين الناس».
ومن خصائص المالكية التسامح وحب الحياة والدعوة الى الأخلاق العالية، وإن العلم أدب قبل ان يكون محتوى وأنه تربية وقيم ومثل عليا، قال ابن وهب: «الذي تعلمنا من أدب مالك أكثر مما تعلّمنا من علمه» ويتمثل حب مالك للحياة في أنه كان يرتدي الثياب الجياد ويتطيب بطيب جيّد وكان يقول: «أما أحب لأحد أنعم الله عليه ولا يرى أثر نعمته عليه وبخاصة أهل العلم». يتبع