تكاد الطبقة السياسية في تونس تُجمع على أنّ البلاد صارت في حاجة ملحة إلى حوار وطني شامل وصادق بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية من أجل تجاوز حالة التوتر والانقسام والاستقطاب الحاد و«الأزمة» التي تعيشها تونس في مختلف المجالات. عدّة أطراف سياسية تحركت وأطلقت مبادرات للإنقاذ وتجاوز حالة الاحتقان التي طبعت الساحة السياسية خصوصا في الأشهر الاخيرة، والتي وصلت حدّ الانزلاق إلى مربع العنف والاعتداءات الجسدية والتشويش على الاجتماعات الحزبية والاتهامات المتبادلة بين الخصوم السياسيين إمّا بالعجز عن إدارة شؤون البلاد وتضييق الحريات والتعامل مع ملفات الفساد بانتقائية، أو بتعطيل عمل الحكومة والتحريض عليها وعدم تقديم البديل.
مبادرات إنقاذ
هذا المستوى من التعامل السياسي بين الفرقاء دفع البعض إلى إطلاق مبادرات للتهدئة والحوار الوطني، وكانت مبادرة الوزير السابق والخبير الاقتصادي منصور معلّى واحدة من المبادرات التي شدت الاهتمام خلال الأيام الاخيرة.
وقال معلّى في تفسيره للمبادرة ودوافع إطلاقها إنّ «الوضع الذي عشناه منذ 14 جانفي 2011 غير مرضي، ولا بدّ من التغيير عبر تكوين حكومة وحدة وطنية لا من التكنوقراط وحدهم بل تجمع بين بعض الفنيين والسياسيين تُصرف الشأن اليومي العام للبلاد إضافة إلى هيئة سياسية أو ديوان سياسي يجمع مختلف الاطراف السياسية والاجتماعية ويجري اتفاق بين كل هذه الاطراف على «هدنة» لمدة 3 سنوات لوقف التيار الذي نعيشه اليوم».
وأوضح معلّى أن المطلوب أن يلتقي المسؤولون في الحكومة ومختلف الأحزاب السياسية للاتفاق حول السلم الاجتماعي والسياسي، معتبرا أن هذا الاتفاق مبدأ أساسي لا يمكن أن نتقدّم من دونه.
وأشار معلّى إلى أنّ إجراء انتخابات تشريعية وربما رئاسية وبلدية او حتى جهوية سيرهق البلاد لأن كل عملية انتخابية ترافقها حملات وتجاذبات سياسية بين المتنافسين، لذلك كانت دعوته إلى هدنة انتخابية بثلاث سنوات يتم خلالها تمديد عمل المجلس التأسيسي لإعداد الدستور في وقت مريح والقيام بالعمل التشريعي موضحا أن «ذلك يعطينا ضمانات داخلية وخارجية».
من جانبه أطلق رئيس حزب المجد عبد الوهاب الهاني «مبادرة 18 أكتوبر للوحدة الوطنية» في مسعى إلى تخفيف حدة الاحتقان وإعادة فرقاء السياسة إلى مربع الوفاق خاصة أنّ هؤلاء التقوا في فترة ما حول هيئة 18 أكتوبر التي تم بعثها عام 2005 وكانت عنوانا للنضال ومقاومة الاستبداد على اختلاف التوجهات السياسية والفكرية لمكونات تلك الهيئة.
وتحدّث الهاني عن مبادرة الوفاق الوطني والوئام المدني التي أعدّها حزبه بهدف إنقاذ مسيرة الانتقال الديمقراطي وبناء شرعيّة توافقية. واستعرض الهاني أهمّ نقاط مبادرة الانتقال الديمقراطي والوئام المدني والتي تتمثّل في تقييم جدّي وتعديل عمل الحكومة ليس بحلّها بل بإجراء تحوير وزاري وتحديد الآجال الانتخابية وتكوين خارطة طريق واضحة للعدالة الانتقالية.
وأوضح الهاني أنّ «طبول الحرب تدقّ وإن من الواجب مواجهة هذه الطّبول» بما عبّر عنه بدعوات السّلام وقال إنّ الوحدة الوطنيّة ومكاسب الثورة تهدّدهما الانقسامات، لذلك اقترح الحزب خارطة طريق لما تبقّى من المرحلة الانتقالية.
وأكّد عبد الوهاب الهاني أنّ المسؤول عن هذه الانقسامات هم الصداميّون داخل النخبة السياسيّة سواء كانوا من الترويكا أو المعارضة.
الوحدة الوطنية حاجة ملحة
وزير المالية المستقيل حسين الديماسي أكّد من جانبه أنّ حكومة الوحدة الوطنية باتت حاجة ملحة ومتأكدة وأن تمديد مدة عمل المجلس التأسيسي أيضا مطلوب. وأشار الديماسي إلى أنّ درجة الحوار والتخاطب والتعاطي مع مشاكل البلاد وصلت إلى حدّ الإلقاء بنا في طريق مسدود، لذلك لا بد من وقف هذا النزيف وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم السياسيين والتكنوقراط لأن البلاد في حاجة إليهما معا.
ونبه الديماسي إلى ضرورة تفادي التسرع في وضع الأسس التي ستحكم الاجيال القادمة، في إشارة إلى الدستور لأن التسرع سيكون مكلفا وخطيرا علينا وعلى الأجيال القادمة، كما أشار إلى أن المجلس التأسيسي له أيضا مهام تشريعية إلى جانب مهمة كتابة الدستور وخاصة وضع قانون انتخابي وقانون للأحزاب وقانون للبلديات وبالتالي لا بد من إعطاء المجلس الوقت الكافي للقيام بمهامه.
وأكّد الوزير المستقيل أنّ التحديات والأخطار التي نواجهها لن يقدر أي حزب على مواجهتها مهما كانت قوته كما أن حكومة مؤقتة لمدة زمنية محدودو وتكون محاصرة بموعد قريب للانتخابات لن تقدر على معالجة هذه المشاكل بطريقة موضوعية وسليمة.
واعتبر الناشط الحقوق والسياسي العياشي الهمامي أن الساحة السياسية في تونس وصلت إلى حالة من التعقيد والتوتر تستدعي أن يجلس الجميع إلى طاولة الحوار موضحا ان ما تواجهه الحكومة اليوم ليس تسيير الشأن اليومي للبلاد فحسب، بل هناك مشاكل تولد مشاكل واحتقان يولد احتقانا وهذا يتطلب حكومة من رجال دولة لا رجال سياسيين، مضيفا «للأسف لدينا اليوم حكومة فيها رجال سياسة لا رجال دولة ولدينا معارضة تترصّد اخطاء الحكومة لضربها وبالتالي فإن الساحة السياسية خالية من رجال الدولة من الجانبين».
ورأى الهمامي أن التوتر الموجود اليوم بين الاطراف السياسية لا يسمح بإجراء حوار وطني يسمع فيه كل طرف الآخر وأنّ تونس أضاعت الفرصة لتكوين حكومة وحدة وطنية والتوافق حول صياغة الدستور وكل ما حققته خلال العام الأول من الثورة أنها نجحت في إنجاز انتخابات.
وتابع الهمامي قوله إن «الوضع الاقتصادي والاجتماعي يتدهور شيئا فشيئا ولا يزال الوضع كذلك إلى اليوم ونحن اليوم أمام تحدّ كبير يتعلق بكتابة الدستور لكن للأسف لا أحد من الحكومة أو من المعارضة يقول لنا متى سيتم إعداد الدستور».
وتساءل الهمامي «أين الهيئات الكبرى مثل الهيئة المشرفة على مسار العدالة الانتقالية والهيئة التي ستشرف على الانتخابات وهيئة الإعلام وهيئة القضاء؟ ليست هناك أي هيئة جاهزة اليوم للعمل، فضلا عن حالة الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي والسلوك السياسي والخطاب السياسي المتدني والمعاملة بين مختلف الأطراف السياسية بطريقة لا تليق بالمشاكل والقضايا التي تشغلنا».
وأكّد الناشط الحقوقي أنّ «كل ذلك يُعدّ صفعة لنا جميعا وهذا يتطلب منا جميعا ان نتداعى إلى الحوار وتحديد الخطوط الكبرى للمرحلة القادمة ووضع آجال ومهام لا بطريقة عدائية بين الاطراف السياسية بل بطريقة تنافسية، وأن نبتعد عن المعارك الوهمية مثل النقاش حول معركة الشرعية بعد 23 أكتوبر القادم».
تحدّ سياسي
وتحدّث الوزير المكلف بالملف الاقتصادي رضا السعيدي عن أن التحدي المطروح اليوم سياسي بامتياز حيث ان هناك تنازعا سياسيا كبيرا حول المواقع السياسية والاستحقاقات المستقبلية، وكل طرف يحاول إضعاف الطرف الآخر ويرصد زلاته ويسعى إلى إثبات أنه غير قادر على إدارة المرحلة وغير واع بمتطلباتها». ورفض السعيدي فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط قائلا إن تكنوقراط بدون خلفية سياسية لا يمكنهم تسيير شؤون البلد لأن المسألة ليست فنية تقنية بحتة بل تتطلب رجال سياسة لإدارتها ومعالجتها.
وأقر السعيدي بضعف الحكومة في تعاطيها مع الملف الاقتصادي والاجتماعي لكنه أكد ان هناك حرصا في الحكومة على الحوار والوفاق والبحث عن المشتركات. وأكّد الوزير أنّ «صوت العقل والحكمة وتقديم المصلحة الوطنية يقتضي منا أن نجلس إلى طاولة الحوار» مشيرا إلى وجود مبادرات لا بد من أخذها في الاعتبار وترك الخلافات السياسية جانبا.