ملفات الفساد، استقلالية القضاء وأحداث السفارة الأمريكية كانت أهم مواضيع حوارنا مع السيد نور الدين البحيري وزير العدل خلال زيارته مؤخرا إلى ولاية سوسة والذي أكّد أن عدد ملفات الفساد المحالة الى القضاء كبير جدا. صرّح محمد عبو بأن الحكومة لم تتعامل بالشكل المطلوب مع ملفات الفساد كيف تردون على ذلك؟
كل ما أقوله أن هذه الحكومة في الكثير من وزاراتها إن لم أقل كلها تعاملت بشكل كبير مع ملفات الفساد والدليل العدد المهول لهذه الملفات التي أحيلت إلى القضاء في مختلف القضايا داخل وخارج تونس فلو لم نكن قد قاومنا الفساد لأبقينا المستبدين في الحكم، فأنا متهم من طرف السيد أحمد الرحموني بأني قلبت الوزارة رأسا على عقب وليس لي الحق في ذلك في وقت لا أحد يمكن أن يقدح في كفاءة ومصداقية ونظافة يد الذين تمّ تعيينهم ومحمد عبو نفسه كان في الوزارة لماذا لم يفعل ذلك من منعه من الإصلاح ومقاومة الفساد .
صرّح في العديد من المرات أن الحكومة لم تمكنه من الصلاحيات الخاصة بمقاومة الفساد؟
مَنْ مِنَ الحكومة منعه، نتمنى أن يخبرنا بذلك ويذكر الأسماء، فهو مَن يقول ذلك في حين أن هناك أناسا آخرين يقولون أشياء أخرى حول أسباب استقالته.
الأكيد إذا أنك تعلم السبب الحقيقي لهذه الاستقالة بحكم أنكما في نفس الحكومة؟
(يبتسم) من حق السيد محمد عبو أن يستقيل ومن حق أي وزير أن يفعل ذلك ولكن عندما يستقيل يجب أن يحتفظ بأسباب الاستقالة لنفسه ولا يتهم غيره لأن البلاد تتميز بحراك كبير فيما يخص مقاومة الفساد وشهدت تغييرا لم يحدث طوال فترات تاريخها والآن هي بأيدي رجال أكفاء ونزهاء وشرفاء مؤمنين بالثورة وضحوا من أجلها ومستعدون للدفاع عنها وهذه الحكومة مجعولة لإعادة الحقوق التي انتهكها العهد البائد وردّ الاعتبار للمظلومين.
كيف تابعتم الأحداث الأخيرة فيما يخص السفارة الأمريكية؟
وجب احترام مقدسات كل الناس سواء من المسلمين أو من غيرهم ومن شروط التعايش بين الناس احترام الواحد حقوق الآخر فما حصل من اعتداء على شخص الرسول صلى الله عليه وسلم مُدَان بكل الشروط والمعايير ونحن نرفض ذلك باعتبارنا مسلمين وفي نفس الوقت نرفض كل احتجاج في إطار غير سلمي والاعتداء على الغير تحت أي ستار حتى تحت ستار الدفاع عن حرمة ديننا فذلك مرفوض تماما لأن هذا يعتبر عنفا فديننا يفرض علينا تكريم ضيوفنا وتبجيلهم وعدم تهديد حياتهم بأي وجه من الوجوه والاعتداء على السفارة الأمريكية مرفوض شرعا وقانونا وهو غريب على مبادئنا وعلى قيمنا وما يلاحظ هو نوع من الخلط الغريب فالغاية ليست بسبب ما حصل للرسول الأعظم بل ربما كانت الغاية القيام بأعمال تهدد أمن البلاد ووحدتها وتخرّب ما أنجزته هذه الثورة المباركة وتعطي صورة غير حقيقية عن الأوضاع في تونس وللتذكير فإن العديد منذ الأيام الأولى من الثورة حاولوا تخريب البلاد وبث الفوضى ومس القطاع السياحي وحاولوا تعطيل دخول الاستثمارات إلى تونس وتدمير العلاقات بين بلادنا وبلدان أخرى سواء القريبة او البعيدة وفشلوا في ذلك، وهي إحدى المحاولات لتهديد الأوضاع الأمنية في البلاد، والحكومة عازمة على التصدي بكل حزم لكل محاولات العنف والذين يعتدون على غيرهم وينتهزون الفرص لتهديد حياة الناس واقتصاد البلاد سينالون جزاءهم بكل قوة ومسؤولية وما يرتكبونه يعتبر جريمة في حق الشعب وفي حق مستقبل بلادنا وفي حق الثورة وحتى في حق أنفسهم ومن يتعمد ارتكاب الجرائم لا يلوم إلا نفسه.
إلى أي حدّ الجهود سائرة نحو استقلالية القضاء خاصة في ظل عدم المصادقة على الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي؟
نحن نولي مرفق العدالة كل الأهمية ونقدّر كامل التقدير دوره في المجتمع وإذا تعزّزت ثقة الناس في هذا المرفق فذلك يعزّز ثقتهم في كل المرافق الأخرى وفي مؤسسات الدولة فالمواطن الذي يفقد ثقته في القضاء فإنه حتميا يفقد ثقته في رئيس الدولة أو في الوزير أو الوالي وغيرهم من المسؤولين ولن نسمح بأي صور من الصور أن يتعطل هذا المرفق، كنا نتمنى أن تتم الحركة القضائية لهذه السنة عن طريق الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي الذي كان من المفروض أن يصدر فيها المجلس الوطني التأسيسي قانونا ولكن للأسف الشديد لم يقع ذلك بسبب تجاذبات سياسية بين مكونات هذا المجلس وبسبب عدم وضوح خطورة الموضوع وقد نبهت شخصيا داخل هذا المجلس إلى مدى هذه الخطورة وهو موضوع أخطر من المصادقة عن الاتفاقيات الدولية وعن قوانين قروض وغيرها من المواضيع، إضافة إلى أن لدينا قضاة تخرجوا حديثا ومن المفروض مباشرة أعمالهم مما جعلنا لا نستطيع أن ننتظر إعادة اجتماع المجلس التأسيسي للمصادقة على هذه الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي وانتظار ما ستفضيه هذه الجلسة وإجراءات تنفيذ قرارها مما قد يهدد الحياة المهنية للقضاة الجدد ويسبب الفوضى في البلاد علاوة على وجود عدد من القضاة الذين تعرضوا للظلم في العهد البائد بمختلف مظاهره، والأكثر من ذلك هناك عدد آخر من القضاة موجودون في مواقع لا يستحقونها تحصلوا عليها لاعتبارات حزبية وفئوية وأحيانا شخصية وعائلية وجهوية وهم موضع شكوى من الكل بسبب تجاوزاتهم في حين أن القضاة الشرفاء والنزهاء في حالة إقصاء فماذا نفعل إزاء هذه الوضعية بين ما تقتضيه مصلحة البلاد ومصلحة القضاة ورد اعتبار المظلومين منهم أو تعطيل هذا المرفق بتعلة أن المجلس لم يصادق بعد على الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي فاخترنا القيام بواجبنا في انتظار تلك المصادقة فأول دور لوزير العدل هو ضمان حسن استمرار المرفق العام ولو فشل في ذلك عليه بالاستقالة ونفس الشيء بالنسبة لبقية الوزارات لذلك قمنا بدعوة المجلس الأعلى للقضاء إلى الانعقاد ولا نقول إحياء هذا المجلس لأنه لم يقع حله مثلما لم يقع حل مجلس قضاء المحكمة الإدارية ولا مجلس القضاء المالي في دائرة المحاسبات ولأن حلّ هذه المجالس يحيلنا إلى الفوضى والانهيار الشامل ولقد اجتمع المجلس الأعلى للقضاء بعد الثورة قرابة الثلاث مرات منها اجتماع لتنظيم الحركة القضائية 2011 2012 ومن خلاله تم رفع المظلمة التي كانت مسلطة على عدد كبير من أعضاء المكتب التنفيذي لجمعية القضاة وبقرار من المجلس الأعلى للقضاء جاء السيد أحمد الرحموني من المهدية إلى تونس وتم قبوله عن طريق مذكرة من طرف وزير العدل الأسبق السيد لزهر القروي الشابي والنص القانوني يقر بأن الهيئة المؤقتة للقضاء العدلي هي التي تحل محل المجلس الأعلى للقضاء ولكن في غياب هذه الهيئة يتم الإبقاء على المجلس الأعلى للقضاء وهو بدوره هيئة مكتملة الشروط، ومن خلال معاينتي ومعاشرتي للسادة القضاة بحكم أني كنت محاميا والآن وزير العدل عبروا عن سعادتهم وارتياحهم للحركة الأخيرة للقضاة ويعتبرون أن هذه الحركة هي حركة ثورية لأنها لأول مرة في تونس تقع ترقية أكثر من ثمانمائة قاض بدون اعتبارات سياسية أو إيديولوجية بل حسب شروط موضوعية ولكم أن تتأكدوا من ذلك، ولأول مرة في تونس يتحمل قضاة المسؤولية بعد أن بلغهم اليأس في العهد السابق لأنهم لم يكونوا منسجمين معه فوقع تجميدهم والآن نجدهم في مسؤوليات قضائية في مختلف الخطط التي لم يكونوا يحلمون بها.