عاد الحديث عن توسيع الائتلاف الحاكم بقوة وبدا أنّ «الترويكا» عازمة على المضي في هذا النّحو لكن القراءات اختلفت وتعدّدت بشأن ضرورة هذا التوسيع وتداعياته على المشهد السياسي في المرحلة القادمة. الحديث عن «تعديل وزاري وشيك» بدأ منذ شهر جويلية الماضي حيث أكّدت حركة «النهضة» على هامش مؤتمرها التاسع أنّ النية تتجه نحو توسيع الائتلاف الحاكم وصرّح قيادات الحركة مرارا بأنّ الاتصالات جارية مع عدّة أطراف لتوسيع الائتلاف.وكشف رئيس الحكومة حمادي الجبالي أنه سيقوم بتعديل وزاري قريبا سيشمل وزارة المالية وربما عدة وزارات أخرى وقال «بالتأكيد التحوير سيشمل وزارة المالية وربما وزارات أخرى سيشملها التقييم لكن نحن أمام واقع مناقشة الميزانية»، في إشارة إلى أن التعديل قد يكون بعد مناقشة الميزانية أي الشهر المقبل.
مشاورات... في انتظار النتائج
وصرّح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي أمس الأول بأن الحركة تجري اتصالات ومشاورات مع عدد من الأحزاب بهدف توسيع تحالفها، موضحا أنّ من بين هذه الاحزاب حركة وفاء والحزب الجمهوري.وقال الغنوشي إن التوجه إلى توسيع الائتلاف الحاكم موجود منذ البداية وإنّ حركة النهضة التي تقود الائتلاف «توجهت نحو كل القوى السياسية المؤمنة بالثورة وأهدافها» وإنّ «الحوار مفتوح مع الجميع ونأمل ان تكون نتائجه قريبة».لكن الحزب الجمهوري نفى وجود أي اتصالات مع حركة «النهضة» في هذا الباب وقال إنه غير معني بتوسيع الائتلاف الحاكم.
وأفادت مصادر مقربة من حركة النهضة أن «الحزب الجمهوري اشترط مقابل دخول الائتلاف الحاكم أن تتنازل النهضة عن عدد من الوزارات السيادية وعلى رأسها وزارتا الداخلية والخارجية».وقال النائب في المجلس التأسيسي عن حركة وفاء أزاد بادي إنه ليست هناك مشاورات رسمية حول التحاق حركته بالائتلاف الحاكم.
وبين الناطق الرسمي لحركة وفاء سليم بوخذير أن «هناك دعوات متواترة من قبل حركة النهضة إلى حركته في الآونة الأخيرة» مشيرا إلى لقاء «جمع مؤخرًا بين رئيس حركة وفاء عبد الرؤوف العيادي والشيخ راشد الغنوشي حيث تسلم رئيس حركة النهضة ورقة تتضمن برنامج عمل سياسي مستقبليًا واضحًا لحركة وفاء ونأمل أن يتم الاتفاق عليه».وأوضح بوخذير أنّ حركة وفاء «لن توافق على الانضمام إلى الائتلاف الحاكم في تونس ما لم يقدم لنا مخططًا سياسيًا وبرنامج عمل في الفترة المقبلة، وأن يكون في توافق مع مبدإ حركة وفاء وهو المحاسبة والتطهير من الفساد أولاً».
ومن جانبه أكد الناطق الرسمي لحركة المسار الاجتماعي سمير الطيب أنه وقع الاتصال بالمسار والجمهوري ليكونا معنيين بالتحوير الوزاري القادم.وعلّق الطيب «نحن نرفض الدخول في الحكومة الحالية ونعتبر أننا غير معنيين بالتحوير الوزاري القادم» مضيفا «لا نرى مصلحة في الانضمام الى الائتلاف الحاكم في الوقت الحالي ونطالب بتحييد وزارات السيادة والعمل على حل الملفات العاجلة». أية ضرورة؟
وقال رئيس كتلة التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي المولدي الرياحي إن «هذا الموضوع مطروح منذ مدة طويلة› مبينا أن التكتل دعا إلى حكومة وحدة وطنية منذ البداية لكن الأمر توقف على ثلاثة أحزاب.وذكر أن هناك تنسيقية للائتلاف الثلاثي تنظر في أعلى مستوى في المواضيع المفتوحة أمامها وأمام الائتلاف، وتواصل التشاور في المسائل الوطنية الكبرى مشيرا إلى أنه تم الاتصال بعدد من الأطراف في المعارضة، وأن المشاورات متواصلة معها، راجيا أن «تكلل هذه الجهود بتوسيع الائتلاف الحاكم، الأمر الذي سيقلص من حدة التوتر ويساهم في تحديد الاختيارات المهمة للمرحلة التأسيسية الحالية».وكان حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (أحد أحزاب الترويكا الحاكمة) لوّح الأسبوع الماضي بالانسحاب من «الترويكا» واشترط وقتها «إجراء تعديل وزاري لإعطاء نفس جديد للعمل الحكومي» كشرط للبقاء في الائتلاف، إضافة إلى «ضبط برنامج عمل حكومي ينسجم مع أهداف الثورة ويقوم على الواقعية ويكون قابلا للإنجاز في هذه المرحلة التي تسبق الانتخابات القادمة».
وحسب خبراء فإن حركة النهضة «تسعى من خلال هذا التعديل إلى عزل حزب حركة نداء تونس بعد أن تطورت الاتصالات بينه وبين حزبي المسار بقيادة أحمد إبراهيم والحزب الجمهوري الذي يتزعّمه أحمد نجيب الشابي» أبرز الشخصيات المعارضة حيث تسعى «النهضة» إلى استقطاب أكبر رموز المعارضة لإضعاف «نداء تونس» وعزله سياسيا.
مجرّد مناورة؟
المحلل السياسي سالم لبيض تساءل عمّا إذا كان ما تعلنه «النهضة» والترويكا من استعداد لإجراء تحوير وزاري عبر توسيع دائرة الائتلاف الحكومي يعبّر عن رغبة صادقة ام هو مجرد مناورة لربح مزيد من الوقت؟
وأوضح لبيض انّ «التصريحات التي تصدر عن قيادة «النهضة» من حين إلى آخر حول تشريك أطراف معارضة والحوار معها تُكذَّب في كل مرة من هذه الأطراف وآخرها حركة وفاء والحزب الجمهوري، لكن لا بد من الاعتراف أيضا بأن حركة «النهضة» والترويكا وهي تمارس السلطة تجد من العزيز عليها في إطار المحاصصة في الحكومة وفي إطار محافظة كل طرف على حصته التنازل لدخول أطراف جديدة وهذا بدوره إن لم نقل إنه مهدّد لتواصل التحالف التقليدي فإنه غير مشجع على التعاون في داخله وربما السؤال الذي يُطرح هو أي الأحزاب أكثر استعدادا للتضحية بنصيبه من أجل دخول أطراف أخرى؟»وأضاف لبيض أنّ «ما يقوّي فكرة المناورة هو طول الفترة التي بدأ الحديث فيها عن تحوير وزاري، فإذا كانت هذه المسألة على قدر كبير من الجدية لحسمتها الترويكا منذ مدة طويلة، لكن لا بدّ من الاعتراف أيضا بأن مطالبة بعض قوى المعارضة بتغيير الوزارات السيادية فيه نوع من التعجيز للترويكا التي لا أعتقد انها ستقبل هذا المطلب بسهولة».
المعركة الحقيقية
واعتبر المحلل السياسي انّ «الصراع الحقيقي لا يدور حول الوزارات وإنما حول كيفية إضعاف كل طرف للآخر، الترويكا الحاكمة بقيادة «النهضة» والترويكا المعارضة بقيادة «نداء تونس» وهذا الإضعاف يهدف إلى التقليل من فرص الارتقاء في الانتخابات المقبلة خاصة انّ المحدّد في القطبين هما «النهضة» من جهة و«نداء تونس» من الجهة المقابلة وليس التكتل والمؤتمر والمسار والجمهوري».
وأكّد لبيض انه «عندما تمتلك الأحزاب الأخرى في كلا القطبين قرارها المستقل والنهائي حينها يمكن الحديث عن أن المفاوضات قد يكون لها نوع من الجديّة أمّا وهي متخندقة من هنا وهناك ومصيرها مرتبط بالطرف القوي فإن صعوبات كبيرة تحفّ بالحوار من أجل تغيير الحكومة، إذا توفر جانب الصدق واستقلال القرار عند الطرفين».
ولم يستبعد سالم لبيض «تدخّل أطراف أجنبية على الخط للحفاظ على هذه القطبية التي ستُستخدم انتخابيا وقد تدفع الأطراف الأجنبية إلى تحالف في الحكم بين الخصمين اللدودين على الساحة السياسية اليوم».