أغلب المهن التقليدية التي توارثها الأجيال جيلا بعد جيل عزف عنها الشباب. عزوف ازدادت وتيرته في السنوات الأخيرة ورغم ان بعض الفضاءات والورشات حافظت على استمرارية نشاطها فإن البعض الآخر خير الغلق أو تغيير الوجهة فهل من حلول أخرى للجيل التالي؟ الشروق خرجت للشارع بجهة بنزرت ورصدت انطلاقا من النقل التالي طبيعة رؤى شباب الجهة لمهن السلف وعلى طبيعة الحلول من تكوين وغيره حتى تعود لمثل هذه الحرف الضرورية بريقها حيث اعتبر الشاب حمزة الحمروني تلميذ الباكالوريا أن عوامل عديدة يمكن أن تفسر إلى حد كبير ما أضحى متعارف عليه بعزوف الشباب اليوم على مواصلة امتهان مهن لطالما مثلت موارد رزق وحرف جيلا بعد جيل وهي أولا ظروف العمل المتاحة بعد عملية التكوين والنظرة التي يمكن وصفها بالمغلوطة والدونية لمن يمتهن مثل هذه المهن الهامة والضرورية حتى في حياتنا اليومية وهو الأمر الذي يحدث الفارق أحيانا كبرى بين طبيعة الإقبال على مباشرتها في تونس وفي بلدان المهجر للتونسيين مثلا. ومن هذه الأمور طبيعة التأجير للعامل والحظوظ الأفضل ماديا خاصة ببلدان الضفة الأخرى ان صح الوصف». وغير بعيد عنه لاحظ الشاب وائل البجاوي (21 عاما) تلميذ باكالوريا إعلامية ان من المراجعات الأكيدة لخروج مثل هذه المهن والتكوين فيها من عنق الزجاجة دفع التكوين الهادف منذ أولى سنوات الدراسة على الاقل الثانوية منها وذلك بتنويع مواد إضافية في شكل ورشات محفزة لتعاطي مستقبلي منظم لمثل هذه الحرف» مشيرا أن من العوامل المفسرة لهذا الانصراف من قبل الشباب واقع وافق المهن المشار إليها على عراقتها حيث يكون الحل إزاء تكبيل البنوك للباعث الشاب والشروط التي غالبا مجحفة للانتصاب للحساب الخاص هي البقاء في حال صانع. وهو تقريبا ذات الموقف للشاب سليم بوعلاق الذي توقف عند ما اسماه «عملية استقطاب متواصل لمهن الرياضية شباب اليوم وان ان تشمل التشجيعات بجدية مادية أساسا حتى تفتح لعمليات ما بعد التكوين أفاق وردية ورحبة في نظر الشاب المبتدئ. ..». التونسي وعقلية التوظيف أغلب من حاورناهم من الشباب اوالمتكونين لاحظوا أن التونسي كثير البحث عن عمل مستقر على حد وصفهم أو بالأحرى مسمار في حيط بالنظر إلى نسق الحياة المعيشية وهو من الأمور التي ساهمت في تهميش مثل هذه المهن. فضلا على طبيعة العلاقة بين المنظومة التربوية وسوق الشغل. وفي هذا الصدد لاحظ الشابان «محمد امين الصفاقسي وعلي الدريدي طالبان في المرحلة النهائية بالمدرسة العليا للتجارة بجهة بنزرت ان العوامل التي ساهمت في تهميش والتهديد بانقراض عدد من المهن اليدوية طبيعة النظام الدراسي المعتمد منذ سنوات حيث تم تهميش البعد التكويني مقابل عقلية التونسي الباحث بنسبة كبيرة عن العمل الساهل والتوظيف الإداري في «البيروات» الحكومي وذلك مقابل توصيف مثل هذه المهن التقليدية الأخذة في الاندثار بالمتعبة. وإن من باب الحلول إعادة الاعتبار لفترة التعلم والتكوين ما بعد امتحان الباكالوريا كما ان من باب الحلول تحسيس الأطراف المتداخلة من أولياء ومربين بضرورة دفع التكوين الميداني منذ اولى سنوات الدراسة الابتدائية.
المنظومة التربوية في قفص الاتهام
وفي موقف متقارب من المسالة أفاد تلميذ مرحلة التعليم الإعدادي نجم الدين عمارة ان من المراجعات لا عادة الاعتبار لمثل هذه المهن في تذليل الهوة مابين العملية التكوينية وسوق الشغل ومن ثمة ادخال مراجعات موازية على طبيعة المنظومة المدرسية لاسيما وان العقلية السائدة في التوظيف عند التونسي بمعزل عن قيمة التأجير هي «مسمار في حيط» والوظيفة المستقرة. وفي رؤية مغايرة للمسالة شددت الآنسة « هاجر» موظفة على مسالة الحوافز والحظوظ المهنية لمثل هذه المهن الاخذة في التلاشي معتبرة ان التونسي لا يبحث الا على مورد رزق قار بمعزل عن وجود متاعب من عدمه. وفي اتجاه اخر دعا الشاب محمد امين زحاف الذي يهوى فن الرسم على الجدران إلى ضرورة تفعيل اللامركزية في ما تعلق ببعث مراكز مختصة في الفنون الحديثة. واعتبر الشاب «أيمن الحديدي» عامل يومي انه وهو المتخرج من المدرسة مستوى سادسة ابتدائي حرم التكوين في اطار سائق شاحنات ثقيلة حيث لم تتوفر له الفرصة لأسباب خارج على نطاقة وهو السن الدنيا مشيرا ان المراجعات عليها ان تشمل مثل هذه المسائل الهامة حتى نحافظ على مهن ترسم جانبا من المخيال الشعبي للتونسيين.
وهو تقريبا ذات الموقف للسيد رمزي عامل في تبليط والدهينة الذي اشار إلى تداعيات الثورة التكنولوجية والميكانيكية على حاضر ومستقبل مثل هذه الحرف. وكان الشاب وسيم المزوغي مهندس شدد على ضرورة مراجعات أكيدة لمنظومة التربية والتكوين بصفة شاملة حتى تكون إحدى الحلول المثلى لامتصاص البطالة بحسب الشهائد وذلك بتحديد جدي لطبيعة التكوين ما بعد امتحان الباكالوريا... وفي اتصالنا بعدد من المتكونين ضمن مركز التكوين والتدريب المهني ببنزرت شدد الشابان اختصاص تبريد وتسخين خالد القاسمي ومحسن بن علجية على أهمية تحفيز التكوين الميداني للمتكون بالمركز وعلى ضرورة السعي إلى التحسيس نحو تغيير مثل هذه العقليات الدونية للتكوين في تونس. وفي جانب من المسالة اعتبر الشاب حديث العهد بالتكوين هادي مزهود من منزل بورقيبة اختصاص الكتروميكانيك ان ما دفعه للانقطاع على الدراسة بالمركز هو الغرام وذلك لمدة عام ونصف في الاختصاص المذكور وان من المطالب تمديد فترة التكوين في جانبه التطبيقي لا النظري.. وكان لنا لقاء سابق بعدد من الحدادين بسوق الحدادين بالمدينة العتيقة حيث حدثنا الحاج محمد الفطناسي ومسطاري بن عمر عن المخاطر المهددة لاندثار مثل هذه المهن التي لم تعد تجذب الشباب وانصراف الجيل التالي عن اخذ المشعل ولحال المنافسة من الإلكترونيك وارتفاع أجرة العامل يوما بعد يوم. وفي تفسيره اعتبر الدكتور جابر القفصي باحث في علم الاجتماع ان للثقافة الاجتماعية السائدة دور في تفسير ظاهرة العزوف على اعتبار ان الاهتمام ينصب لدى الشباب في العادة نحو الاعتماد على نظرية الزهر لا العمل.