التصريح الذي أدلى به كاتب الدولة للشؤون الأوروبية والذي ذكر خلاله أن مسؤولين دوليين سامين على غرار وزير الخارجية الروسي ووزير الخارجية الأمريكية، تخطّوا مرحلة القلق تجاه ما يحدث في تونس الى مرحلة الشك في إنجاح المسار الانتقالي، هذا التصريح لم يفاجأ في محتواه فكل المطلعين يعلمون بالأمر، ولكنه فاجأ لأنه صدر عن مسؤول بالحكومة (صحيح أنه لم يُعرف إلا مؤخرا ومن خلال صراحته في الحوار الذي أجرته معه جريدة «الشرق الأوسط») وهو بلا شكّ قال ما قال وبوضوح لضيق في نفسه جرّاء اكتشافه لما لا يجب أن يسمعه عن أوضاع بلاده، وربما أيضا جرّاء رهانه على أن يعمد لإعلان الحقائق التي تهمّ تونس على الملإ بعد أن لاحظ أن حصر تلك الحقائق في المسالك الرسمية حكومية كانت أم حزبية لا يجدي نفعا، إن لعدم وعي بها أو مكابرة أمامها. وفي الحالتين هذا يضاعف القلق خصوصا أن سياسات سوف يتمّ اعتمادها من الدول المعنية انطلاقا من تلك الحقائق، فهي ليست حقائق للعلم بها أو للإعلام حولها، بل هي حقائق يوضع انطلاقا منها تصوّر للسياسات التي يجب أن تتبع مع تونس، ومرتكز لاستراتيجية التعامل معها. لا يمكن شرح أقوال كاتب الدولة خارج هذا الاطار، فلو كانت الأشياء على درجة من البساطة، أو كانت تؤخذ مأخذ الجدّ رسميا لما اضطرّ مسؤول في مثل تلك المكانة أن يعلن عن مواقف مقلقة في وسائل الاعلام وليس في المسالك الرسمية. وتزداد أهمية كلام كاتب الدولة عندما يقول إن الأطراف المشاركة في اجتماع منظمة الأمن والتعاون الأوروبي الذي احتضنته مؤخرا العاصمة الايرلندية تدرك جيدا ما يحدث في تونس، وما تتعرّض له الحكومة من عراقيل من أطراف معيّنة، وهم يعرفون هذه الأطراف جيدا ويعرفون أسماءها. وفي هذا السياق يظنّ المستمع أو القارئ لكلام كاتب الدولة أنه موجّه الى أطراف معيّنة، سياسية أو اجتماعية، لكنه يذهب الى اتهام رابطات حماية الثورة التي قال في شأنها السيد راشد الغنوشي إنها ضمير للثورة، فإذا بكاتب الدولة يقول «لقد تساءلوا ماذا تفعل هذه الرابطات؟ بمعنى أين القانون وأين القضاء؟».
لا شك أن هذه الرابطات أنهت دورها منذ اتهمت باغتيال السيد لطفي نقض، وأعلنت عن وفاتها عندما هاجمت اتحاد الشغل. وحتى عندما دافعت عنها حركة النهضة ثم اتهامها انها مجرد ميليشيا حزبية بل وبسببها تطال النهضة الآن تهمة انها مجرد حركة دينية، تريد أن تحافظ على السلطة بالعنف والترهيب.
هذه هي النتيجة التي حصلت على المستوى الوطني وإذا كانت النهضة تتصوّر أن العمر الافتراضي لهذه الرابطات مازال قائما وأنها يمكن ان تكون حاجة ووسيلة في محطات قادمة، فإنها مازالت سوف تتحمل عبء هذه الرابطات بالمعنى السلبي للتحمل، وطنيا وخارجيا هذه المرة. الحديث عن هذه الرابطات أي في سياق قلق وشكّ دول حليفة وشريكة لتونس ذات وزن عالمي في المرحلة الانتقالية بأسرها والتي يتخللها كل ما من شأنه ان ينفّر (مواجهات، عنف، اعتداء على جمعيات وأحزاب، بطء في العمل التأسيسي والحكومي، إقصاء، وغيرها) وتخطئ الحكومة والاحزاب المكوّنة لها ان هي اعتقدت انه يمكن لها اتهام الأطراف الأخرى بهذا المناخ المرفوض، فتحمّلها المسؤولية عن ذلك كله، وتجد هي تفهما وفرصا لدى المعنيين بالأمر، ذلك غير ممكن لعدة اسباب ومنها انه لا يمكن ان يتدثّر الواحد بثياب الضحية وهو في المعارضة وأن يعمد لذلك السلوك وهو في السلطة ايضا، هذا كثير.
وثاني الاسباب ان الذي يدير المرحلة الانتقالية هو المسؤول الأول عنها وهو المطالب بنتيجة أما الفشل في ذلك فإنه قد يجد مبررات أخلاقية عامة لا تعني شيئا أمام ضرورة تحقيق ما هو ملموس، فالسياسة ليست حائط مبكى، والعلاقات الدولية لا تعترف بالشفقة والحنان وصبر الأطراف الفاعلة له ايضا حدوده.