وإذا كان رجال السياسة في الواقع قد أبدوا الكثير من التحفظ والاحترام لموقف اتحاد الشغل، فإن أنصارهم في الموقع الاجتماعي قد كشفوا عن عنف لفظي تجاه المكتب التنفيذي للمنظمة الشغيلة وذلك بسبب الانفلات السائد في الصفحات الاجتماعية واعتقاد الكثيرين أنهم بمنأى عن المساءلة. قرأنا في صفحة مناضلة نقابية من نقابة التعليم الثانوي تعليقا حزينا جدا على إلغاء لكنها ختمت تعليقها بعبارة مؤثرة جاء فيها: «رجاء، كفوا عن مهاجمة الاتحاد، رجاء توقفوا عن العبارات الجارحة تجاه المكتب التنفيذي، يكفي الاتحاد ما يواجهه من أنصار النهضة، فلا تزيدوا عليه». لاحظنا كذلك انضباط أغلب النقابيين الناشطين في الموقع الاجتماعي لموقف قيادة الاتحاد وتبنيهم لإرادة الاتحاد في تجنيب البلاد كارثة اقتصادية في ظل الوضع الهش الذي تمر به على كل المستويات.
لا يعتبر النقابيون في الصفحات التونسية إلغاء الإضراب تراجعا ولا تنازلا ولا أي شكل من أشكال الخسارة أمام الحكومة أو النهضة، وكتب نقابي من العاصمة: «التهديد بالإضراب حقق هدفا وطنيا كبيرا وهو إجبار الحكومة على وضع خارطة طريق واضحة للانتخابات. واعتبر نقابيون من اليسار أن «التراجع عن الإضراب العام من أخطاء البيروقراطية النقابية» التي استسلمت للنهضة دون شروط.
وفي صفحات اليسار أيضا، لا يخفي الكثير من الناشطين غضبهم من إلغاء الإضراب، كتب ناشط من حزب العمال: «لم يكن هناك أي مبرر لإلغاء الإضراب، كان يمكن تأجيله للحفاظ على الضغط على النهضة والحكومة وإبقاء السلاح مشهورا حتى تتحقق المطالب وتتبين الطريق، لكنهم سلموا سلاحهم للنهضة بلا ثمن». وتتداول صفحات اليسار عموما نصوصا وتعاليق عن علاقة رابطات حماية الثورة بالنهضة وتتهم الحكومة بالتستر عليها، مع المطالبة بحلها بالقضاء أو بالضغط على الحكومة، عبر اتحاد الشغل والمنظمات غير الحكومية.
أما في صفحات أنصار النهضة، فلم نعثر للأسف على دعوة تذكر للتهدئة واحترام المنظمة الشغيلة التي طالما ارتبطت بنضالات الشعب التونسي من أجل الكرامة والحقوق العامة، بل استمر الهجوم على قيادة الاتحاد بالأسماء والمسؤوليات، واعتبر كثيرون من المقربين من النهضة أن الاتحاد قد «انهزم في محاولة لي ذراع الحكومة»، أو كما تم تداوله في صفحة نهضاوية شهيرة «الاتحاد عاد إلى حجمه الطبيعي، مجرد منظمة نقابية ليس لها الحق في ممارسة السياسة»، حتى أن الكثير من ناشطي النهضة يعبرون عن سعادتهم ويحتفلون بما يسمونه «تراجع الاتحاد وهزيمته».
وفي صفحات ناشطين معروفين باعتدال ما يكتبونه عادة وجدنا الكثير من التعاليق التي تقول إن «الاتحاد جنى عليه اليسار الذي ورطه في معركة ضد الشعب التونسي».
والغريب أن اتحاد الشغل لا يرضي أحدا من ناشطي الموقع الاجتماعي، حيث نلاحظ حالة خيبة لدى النقابيين رغم انضباطهم لموقف القيادة، وحالة غضب في أوساط ناشطي اليسار والمعارضة كما لو أن الاتحاد تخلى عنهم في المعركة التي دخلوها لأجله ضد النهضة والحكومة ورأى أنصار بعض تيارات اليسار فرصة لإسقاط الحكومة. كما ذهب أغلب صفحات أنصار النهضة إلى مزيد الضغط على الاتحاد وأنصاره واتهامه بأنه كان وسيلة في يد اليسار المتطرف وسخر المنظمة لحروب المعارضة التي تريد «إدخال البلاد في حيط».
لقد نجت البلاد من أزمة اجتماعية وأمنية كبيرة، لكن التونسيين في الموقع الاجتماعي لا يتحدثون عن ذلك للأسف، ويفضلون العراك وتبادل الشتائم والتهم المغرضة من الجانبين، مفوتين فرصة أخرى للتصالح وتقريب وجهات النظر من أجل مصلحة البلاد.