في دخل دواخل الأرياف في الجهات الداخلية عندما كنا صغارا نطلب العلم في المدارس البعيدة من مطلع الفجر الى غروب الشمس كانت أمهاتنا تخيط مما بلي من خرق القماش مخالي الدواب ومحافظنا المدرسية نضع فيها لوحة الكرطون وما خفت أوراقه من الكتب والكراسات القليلة ومقلمات هي حقق «الشامية» بها فتات الطباشير وأعواد نتعلم بها العد جمعا وطرحا وقسمة من واحد الى عشرين ومعها ما كتب ا& لنا من الخبز التقليدي «البايت» غذاء نجمع له الحطب ونسخنه ونسخن به أبداننا النحيفة الجامدة من صقيع صباحات الشتاء القارس. وكان زادنا من الفرحة والسعادة خيط وخذروف وكُجّات، وكنا أسعد من خلق ا& بما نملك ولم نكن ندري أتعس الخلق جميعا.
كنا حفاة عراة نتحدى القرّ والحرّ ولم نكن ندري أن الروماتيزم يبني أعشاشه في مفاصلنا، وكانت مساربنا حرثا وأوحالا وحجرا وحصات وغدرانا ومستنقعات تلتهم أرجلنا الصغيرة حيثما وضعناها بانتباه كما لو كنا قططا ومع ذلك يأخذ الانزلاق فننزلق ونلبس من الطين والأوحال جبتنا اليومية، ولم نكن نعرف ولا ندري ولا نعي أننا المعذبون في الارض من الناشئة وها نحن اليوم كبار لا نطلب «تعويضا» عن «سنوات الجمر» فذاك زمان لعب بنا وهذا زمان بنا وبه يلعبون نرى فيه ما قرأناه من قصص الذئب والحصان والثعلب والغراب والدجاجة التي تبيض ذهبا وعلي بابا والأربعين سارقا بغالهم وسمسمهم وجحا يبيع جحشه ولعبنا معه.
كفانا ما تعلمناه تعويضا على سنوات جمر الفحم الحجري في أفران الفقر والفاقة والخصاصة والدناسة فنحن أغنياء بمعارفنا للعجوز التي «حرصت فندمت» ونعرف الدجاجة المذبوحة ومن ذبحها ونعرف الثعلب وجبنة الغراب والغراب ونعرف لمن باع جحا جحشه ولمن باع عصاه ونعرف علي بابا والاربعين سارقا واحدا واحدا ونعرف الذئب ونعرف الحصان ولو لم نكن نعرف هذا وذاك لكنا مع الترويكا والمايا وصدقنا كذبة نهاية كتابة الدستور في 23 أكتوبر من سنة 2012 وكذبة نهاية العالم في 21 ديسمبر من نفس السنة وكذبة نهاية الدكتاتورية في 14 جانفي 2011 وكل الأكاذيب المؤرخة بما في ذلك كذبة أفريل وكذبة «قطوس ميّو».