في رحلة تفوق مدتها ال 15 ساعة، يهاجر ظهر اليوم الإثنين ما يقارب الألف بحار مرفوقين بعائلاتهم وأبنائهم وربات بيوتهم من جزيرة قرقنة إلى إيطاليا.. «المهاجرون» طالبوا رئيس الحكومة ماريو مونتي تمكينهم من العيش على التراب الإيطالي مع تأكيدهم على اعتزازهم بانتمائهم لتونس.. الرحلة تنطلق ظهر اليوم الاثنين على متن ال150 قاربا مجهزة بكل المستلزمات، وقد استعد كل البحارة لهذه الهجرة غير الشرعية ولم يبق أمامهم خلال هذه الساعات القليلة إلا التأكد من حالة الطقس المتقلبة في هذه الفترة، وقد اتخذ أهالي القراطن من جزيرة قرقنة كل الاحتياطات اللازمة باعتبار أن هذه الرحلة الجماعية التي تضم أطفالا صغارا ونسوة وفتيات لا تخلو من المخاطر بحرا وبرا على التراب الإيطالي.
المهاجرون أمدونا برسالة تم توجيهها ليلة أول أمس السبت إلى رئيس الحكومة الإيطالي فسروا فيها كل أسباب الرحلة التي كنا قد تناولنا البعض منها في عدد سابق، وإذ ننفرد الآن بنشرها كاملة، فإن الأمل مازال يحدونا للتدخل بحلول جدية ومقنعة تبعث بالأمل في المتضررين من « الكيس « الذين وإلى حدود طهر يوم أمس الأحد عبروا لنا عن تجاهل السلط لمشاغلهم التي اضطرتهم إلى الهجرة. الرسالة جاءت كالآتي:
«إلى السيد: رئيس الحكومة الإيطالية عن طريق السيد سفير الدولة الإيطالية بتونس
تحية طيبة،وبعد،
نتوجه لسيادتكم اليوم بهذه الرسالة وكلنا أسى وحزن على مصيرنا ومستقبلنا، نراسلكم اليوم اضطرارا لا إختيارا...
السيد رئيس الحكومة الإيطالية،
نحن بحارة ميناء الصيد البحري بالقرطن قرقنة فقدنا مورد رزقنا الوحيد الذي توارثناه عن أجدادنا ( الصيد البحري بالطريقة التقليدية) وذلك بسبب ظاهرة الصيد العشوائي (الكيس) الذي تسبب في قتل الأسماك بجميع انواعها وجرف قاع البحر مما أدى إلى تصحره وافتقاده إلى شتى أنواع النباتات البحرية ومبيض الأسماك والرخويات (الاخطبوط والحبار). وقد بدأنا نعاني من هذه الظاهرة منذ سنة 1996 وكنا وفي كل مرة نطالب الحكومة والمسؤولين بمختلف الطرق السلمية للقضاء عليها وتطبيق القانون على المخالفين إلا أننا وفي النهاية لم نحصل سوى على وعود واهية لم تمنع أو حتى تقلل من خطر هذه الظاهرة التي استفحلت أكثر من ذي قبل وأدت بذلك إلى التراجع الرهيب لمردودية سواحلنا.
السيد رئيس الحكومة الإيطالية،
لقد خضنا كل التحركات السلمية الممكنة لدفع حكوماتنا المتعاقبة لتحمل مسؤوليتها في حماية مورد رزقنا وحماية سواحلنا البحرية من الإنجراف الرهيب الذي يحدثه الصيد بالكيس (الذي يصل إلى ما يقل عن ارتفاع المترين) والالتزام بتعهداتها في حماية بيئتنا وأماكن تكاثر ومبيض جل أنواع الأسماك المتواجدة في البحر الأبيض المتوسط. وأمام تجاهل حكومتنا لشرعية مطالبنا وتنكرها لوعودها بوقف نزيف الصيد بالكيس، فأننا نطلب من سيادتكم تمكيننا من اللجوء إلى الدولة الإيطالية كمواطنين تونسيين نمتهن الصيد البحري )مهنتنا التي خبرناها لسنوات والتي تمرسنا فيها وأثبتنا شهائد إدارة الفلاحة والصيد البحري التونسية).
السيد رئيس الحكومة الإيطالية،
نعتز بانتمائنا لوطننا تونس، ولكن أمام تجاهل الحكومة التونسية لحقنا في الحياة فإننا عقدنا العزم على الهجرة الجماعية على متن قواربنا إلى دولتكم، ونطلب منكم تمكيننا من العيش على التراب الإيطالي وممارسة الصيد البحري في مياهكم كمواطنين تونسيين لا ايطاليين إلى حين قيام الحكومة الحالية أو من سيليها بحماية سواحلنا البحرية وإيقاف ظاهرة الصيد العشوائي لنعود على متن نفس القوراب التقليدية التي تؤمن لنا لقمة العيش.
السيد رئيس الحكومة الإيطالية،
ندعوكم إلى تفهم معاناتنا وما آلت له أوضاعنا جراء عدم جدية السلطة في حماية مواطنيها وثروتها السمكية ونعلمكم أن موعد هجرتنا سيكون خلال الأسبوع المقبل. ولكم جزيل الشكر من بحارة ميناء الصيد البحري بالقراطن.».
بقي أن نشير إلى أن بحارة القراطن بقرقنة جهزوا كل مستلزمات الرحلة من أغطية وملابس ومواد غذائية ومحروقات مع توفيرهم لأفضل الظروف لممثلي وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية والذين من المنتظر أن يواكب بعضهم هذه الرحلة التي لا تخلو من مخاطر.. فهل تتدخل الجهات المسؤولة بحلول جدية في هذه الساعات القليلة؟.