يستأنف الشّاعر نظم طوره فيقول: «حيث التقينا وقد أسرى الصّهيل بنا بين الزّمانين لا ضوء ولا سدف ............................................ «
«الصّهيل»، «بنت لغة» تخترق الآذان وتستقرّ في أذهان لا تقوى على حملها فتتشتّت
«قطعان ذكرى» وتحيى «دمن بني عامر ودمن توضح فالمقراة ودمن برقة والزّهراء وتهامة وسلاّمة وعاتكة وثقيف ودمن رقّادة». فهيّا اكرع ملء شدقيك على نخب دهر هزمه الصليعي وقد أناخت أحرف «زمانين» لا «زمنين»، ولا فرق بين «البنتين» بين الرّسمين إلاّ في ألف حركة مدّ الميم قائمة قصبة سكّر تسمّرت وثبّتها «شاعر الطّور» زمانا وسطا، طعم عسل علق بألسنة عشّاق طاب لهمو الهوى فلا دهر ولا رقيب.
وإنّما «صهيل» «أدهم» و«أبجر» أو «غبراء» لا تركض خببا بل «مستفعلن / فاعلن» بسيط خليل تفعيلتاه تلثمان الأرض لثما، تسابقان الرّيح إلى «عموريّة» نصرة لمعتصم .
هو «الصّهيل» إذن ينفرج بمدّ «كسرة الهاء» سّكة حديد تربط «شاعر الطّور» بطوره الغابر فتعدو عليها قاطرات العشق مرحا ويُكشف باسم الحبّ كلّ مستور. إذ يزول بزوال حركة الزّمن أماما وخلفا أيّ فاصل أو منطق أو قانون . فلا اللّغة عادت هي اللّغة ولا اللّيل هو الليل . وما من حاضر أو أمس أو غد. ذاب الشّاعر وجدا فذابت فيه الأزمان والأكوان . تكلف لكلفه وتشغف لشغفه .
قد مات جمال الصليعي شوقا. تاق وضاق بانتظار البعث ضرعا فما كان منه إلاّ أن أقام إسراءه نشرا .منح الجميع أجنحة شوق وأدخل كلّ ذات جناح شوق مدخلا. فهذا «اللّيل يتعطّر» و«هذا الصّدف يتبسّم» وهذا «العقد يتنظّم» وذاك حرف الشّين يتفشّى نغما في القصيدة بين «عشق / أشواق / شوق/ تباشر / شغفي / أشرق / بشارتهم ...» حرف الشّين كما « الرّوح ، كما الرّبوع ، كما الأروقة، كما السّجف كما الاسراء، كما الأرجاء، كما الصّهيل وكما السّكينة...» الجميع «بنات لغة» تستحيل وهي تنزل تربة التّلقّي « قطعان ذكرى»، إذ المقام مقام انصات وإذ السّماع «شعر كونيّ» يُلقى.
والاصفهاني والصّليعي تمنّى الأحبّة فجاؤوه زمرا زمرا. جاؤوه على غير توقّع فهو من دهشته يكرّر غير مصدّق الفعل وفاعله. أمّا الفعل فهو «جاء» وأمّا الفاعل فهمو «الأحبّة» وما من أحبّة في «معلّقة الطّور» هذه غير «فاء» فاح تقلّب تفّاح قصيد أو «شين» انشطر ثمّ انتشر «شنشنة» سلاسل ابل الوليد ، أو «الجيم» من وسط اللّسان اِلتفّ بحركة مدّ الجوف على «الهمزة» في أقصى الحلق يحقّق فعل» جاء « جهرا يعانق جهرا. انّه الشّعر الان وهنا فلا هجران بعد اليوم .لا ذهاب ولا رحيل ....( يتبع )