بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الدكتور فؤاد الفخفاخ ل «الشروق» - الصراع الايديولوجي مدخل إلى الإقصاء وغلق أبواب الحوار
نشر في الشروق يوم 04 - 02 - 2013

«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الدكتور فؤاد الفخفاخ أستاذ مساعد بالتعليم العالي، يدرس بالمعهد العالي للغات حي الخضراء والحاصل على شهادة الكفاءة في البحث والتبريز في اللغة والآداب العربية والدكتوراه حول شعر الهزل في العصر العباسي إلى أواخر القرن الرابع الهجري، والذي له عديد الأبحاث الأدبية والحضارية.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح واعلية العلاني وجمال بن طاهر وجمال الدين دراويل وكمال عمران وجمعة شيخة والدكتور ابو لبابة حسين ومحمد حسين فنطر ومحمود طرشونة ومحمد كمال الدين قحة وجلول عزونة وسامي بن عامر الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www.alchourouk.com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.

انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و»تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي:
news_khaled@ yahoo.fr

أدبيا وفكريا وحضاريا كيف يمكن قراءة حدث الثورات العربية؟

يجدر بنا أن نحدد مصطلح الثورة حتى يكون في وسعنا أن نقدم قراءة موضوعية للمستجدات الطارئة على البلاد العربية فالثورة انما هي تغيير جذري يأتي على كل مؤسسات المجتمع فيعيد توجيه مسلك الاختيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية إعادة جديدة، وعادة ما يكون هذا التغيير وليد تصور ما قبلي ينقض ماهو كائن ويتشوف إلى ما يجب أن يكون «فالمفهوم البديل للثورة إنما هو انتفاضة قوة مضغوطة محتقنة على قوة ضاغطة مهيمنة نقيضة وتفجيرها وإلغاؤها في سبيل فرض ما تعتبره بديلا جديدا متحررا أمثل إن انتفاضة لا تعطي البديل لما تنتفض عليه لا تصنف مع الثورات بل تندرج في باب الثورات الفوضوية العابثة».

وبناء على هذا الضبط المفهومي لمصطلح الثورة ضبطا مستوفيا الحدود انطلاقا من أبرز خاصية مميزة لها وهي الخاصية التي تكون ضرورية وكافية لتحديد معنى الثورة لأنها تتنزل بمنزلة الصفة الجامعة المانعة في كل ثورة مهما اختلف لونها ومهما كانت المجالات التي تعيّنت فيها وهذه الصفة الجامعة المانعة تتمثل في مقومين أساسيين للثورة وهما النقض فالبديل ولأن الثورات الطارئة على البلاد العربية لا يتوفر فيها البديل فقد فقدت مقوما من مقومات الثورة وبالتالي انتفت منها الخاصية الضرورية والكافية لتحديدها ومن هذا المنطلق يمكن أن نقرأ ما حدث في البلاد العربية على أنه انتفاضة شعبية عفوية تعبيرا عن احتجاج ضد فساد أخلاقي أو فوضى سياسية أو خلل اقتصادي أو أزمة اجتماعية وهي انتفاضة ذكتها التحولات الحضارية التي تجسدت في الثورة المعلوماتية وتطور الوسائط التكنولوجية من ناحية واستثمرتها القوى الإمبريالية والصهيونية خدمة لمصالحها الاقتصادية باعادة توجيه مسالكها نحو حالة من الفوضى الدائمة من شأنها أن تصرف أولي الأمر في البلاد العربية عن الانشغال بالقضية الفلسطينية من ناحية أخرى بحيث غدت تلك الثورات كلمة حق أريد بها باطل وإلا كيف يمكن أن نفهم الدعم الفرنسي والأمريكي اللا مشروط للحركات الأصولية المتمردة على النظام السوري في مقابل تصديها لها تصديا عسكريا حاسما في مالي»؟

هل تحتاج إلى ثورة أدبية فكرية؟

مما لا مراء فيه أن التحولات الحضارية الطارئة على أي مجتمع تقترن في الأعم الأغلب بحركات تجديدية في مستوى الفكر والأدب يتنزل في إطار إشكالية أوسع مفادها : إلى أي مدى في وسع الأديب أو المفكر أن يكون ملتزما؟
فالإلتزام لا يعني مجرد اتخاذ موقف من قضية ما والدفاع عنه إلا إذا كان ذلك الموقف صادرا عن الرؤية النقيض لا عن الإيديولوجية المسيطرة وهذا من شأنه كذلك أن يثير التساؤل «حول أدبية القول السياسي أو سياسة القول الأدبي ومن هنا ظهور ما يسمى بالإلتزام ظهورا واضحا في القول الأدبي النقيض المنحرف باتجاه الرؤية الواحدة». فالإلتزام بهذا المعنى يقيد اختيارا واعيا يصدر على الأديب أو المثقف العضوي يكون مطابقا للقناعات العميقة المعبرة عن مصالح الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها والتي لها إسهام مباشر في الانتفاضات مع تحمل مسؤولية ذلك الاختيار ومن هذا المنطلق يمثل الإلتزام المبدأ الذي يصل الفردي بالجماعي إن يترجم الانسان اختياره الذي أقدم عليه إلى فعل وبذلك يكون الإلتزام قائما على الملاءمة بين قناعة نظرية ذاتية وبين فعل عملي واقعي وهي ملاءمة تصدر عن فهم ما قبلي لقضايا المجتمع ومن ثم ندرك المبررات التي حدت بكل من «ماركس وانقلز (Marx et engels) إلى إيلاء أهمية قصوى لدور المعرفة في عمليتي الابداع الفني والإدراك الجمالي إذ «عندما يبلغ الأديب الملتزم هذه الغاية أي النفاذ إلى جوهر الأحداث والتأثير فيما يكتسي أدبه طابعا تقدميا ثوريا» فالبعد المعرفي الذي يقترن به الإلتزام أساسه الوعي العميق بالضرورات الاجتماعية والسياسية «لأن الدعوة إلى تعميق الاحساس بالواقع لا يمكن أن تكون بغير وعي واقتناع». يبدو أن مفهوم الالتزام من الناحية النظرية والفلسفية يظل ملتبسا لأن كل انخراط ضمن وضعية فيزيائية أو اجتماعية إنما هو دال على وجهة نظر حول العالم فهو تأكيد للحرية وحدّ لها في آن معا «فأن التزم القيام بهذه الخدمة معناه أن في مقدوري ألا أفعل ذلك وفي آن معا أقرر أن أستبعد هذه الامكانية» وبهذا المعنى يكون للالتزام بعد إلزامي يتنافى والحرية وهذا التداخل الدلالي بين الإلتزام والإلزام له ما يفسره في الفلسفة الوجودية فالالتزام رديف المسؤولية والمسؤولية في حدّ ذاتها تصدر عن الحرية لذلك فإن الانسان بوصفه فردا حينما يبدع صورة خاصة للإنسان يتخيّرها لنفسه يكون «مسؤولا أمام نفسه وتجاه الآخرين».

فما الإلتزام إلا أداة بوظفها الفنان على نحو مخصوص لتغيير الانسان والمجتمعات نحو الأفضل.

لماذا قلت الكتابات الأدبية حول الثورة؟

اقترنت الثورة بخضم من الكتابات يعوزها الاحصاء تعبرّ عن انفعال أولي عفوي تغمره حماسة عاطفية تصطبغ بأصباغ الحكم الذي يبدو وكأنه حقيقة بيد أن الرؤيا التي لا تتحقق في الواقع تجعل منها مجرد أضغاث أحلام تستحيل إلى كوابيس مفزعة بمجرد أن يفطن صاحبها إلى أن الأحلام الوردية الناصعة التي تبشر بالمدينة الفاضلة قد تبخرت وعدت «كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا» ومن ثم يستفيق صاحب الرؤيا على أن الحلم استحال إلى خيط دخان حينما يقف على الهوة الواسعة بين آمال الحلم وأمانيه وبين ما يجرى في الواقع وعلى هذا النحو تتولد خيبة الأمل الكامنة لا في تلاشي أهداف الحلم فحسب وانما في ظهور الفساد مرتديا أثوابا أخرى ويتجمل بمساحيق أخرى سمتها الأساسية النوعية استثمار جهل الناس بالمبادئ الانسانية والتعاليم الدينية وبناء على ذلك ضرب الناس صفحا عن الانشغال بالسياسي والاجتماعي أي بالواقع الراهن إلى الانشغال بالديني الطقوسي المفارق أي بالماضوي فحل الماضي محل الحاضر ووقف الجميع يبكون على الأطلال ومن ثم قلّت الكتابات الأدبية حول الثورة ومشتقاتها.

أي موقع للجامعي والأكاديمي حول الثورة؟

كان موقع الجامعي والأكاديمي ولا يزال مهمشا فلم أر وسيلة إعلامية واحدة تولي أهمية له وتعي في الآن نفسه خطورة دوره في المجتمع .
فالقنوات السمعية والبصرية ليس لها إلا الحديث في الساسة وعن السياسة فغدا الكل محلّلا سياسيا حتى اختلط الحابل بالنابل وفضلا عن ذلك فإن السمة النوعية المهيمنة على تلك الحصص الاعلامية إنما تصطبغ بأصباغ السباب والهجاء والشتيمة وهتك الأعراض إذ لا يستند أصحابها إلى مراجع حضارية وضوابط أخلاقية مما أفضى إلى تضاعف عدد القضايا العدلية الناجمة عن مثل هذا الحراك وهو أمر من شأنه أن ينأى الجامعي بنفسه عنه مما تتولد عن هذه الظاهرة هاجس الخوف من المشاركة في مثل تلك الحصص والحلقات.

وفي تصوري يبدو إلى تفعيل دور الجامعي والأكاديمي مناط بعهدة وزارة الثقافة التي لا يقتصر دورها على إقامة المهرجانات والمعارض وانما يتجاوز ذلك إلى تصحيح المسار الثقافي والفكري وإلى استقطاب الجامعي أو الأكاديمي أو الباحث حتى يكون في وسعه أن تصدر عنه نماذج معرفية أو حضارية أو مجتمعية من شأنها أن تحدّ من الخطاب السياسي وتفسح المجال للرصانة العلمية والمعرفة الموضوعية وهذا لا يكون إلا إذا سلمنا بأن الثقافة انما هي «مجموع المعلومات والمعارف والممارسات والقيم الخاصة بشعب ما والتي يعيش بمتضاها والتي تميّزه عن غيره من الشعوب لأنها تعبير صادق عن شخصيته وملامح هذه الشخصية وطريقتها الخاصة في الحياة».

هل الثورة عمل سياسي يهم السلطة المباشرة والأحزاب فقط؟

كنا قد تحدثنا عن مفهوم الثورة فهذا السؤال يبدو موصولا بالأول فكل فعل يتوفر فيه مقوما النقض والبديل فهو ثورة ومن هذا المنطلق نخلص الثورة من اختزالها في أحزاب سياسية وقد تتخذ الثورة أشكالا مختلفة فقد تكون ثورة تكنولوجية أو كوبرنيكية أو أدبية فكل فعل يقترن بالتحديد ويرتبط بالتغيير الجذري في مستويي البنية التحتية والفوقية انما هو ثورة فالثورة لا تعبر عن الحراك السياسي فحسب وانما كذلك عن الحركة الاجتماعية الجديدة فهي تناهض القديم وتبشر بالجديد وتتوق إلى الأفضل فقد تكون معركة سياسة ذات شكل أدبي وقد تكون معركة فكرية ذات شكل سياسي فلا بدّ في كل ثورة أن نركز على العلاقة المشتركة بين الفعل الوظيفي للأحزاب السياسية الكامن أساسا في الانتصار إلى قضايا العدل والحق والحرية والمساواة وبين الفعل الجماهيري للفئات المهمشة المتمثل بالخصوص في العصيان المدني والمسيرات الشعبية والمظاهرات الحاشدة.

كيف تقرؤون الصحوة اللافتة للتيارات السلفية في البلاد العربية؟

لعل السمة النوعية التي وسمت الثورات في البلاد العربية اصطباغها بأصباغ اسلاموية تصدر تارة عن خطاب نوشالجي يُرجع فيه فضل تقدم حضارة الغرب الى الاسلام في عظمته الأولى، وعن خطاب تبريري مفاده أن كلّ مسألة تجد اجابتها في القرآن والسنة وفيما قاله السلف الصالح. ويبدو أن التعبير عن محتوى هذين الخطابين تجاوز المستوى اللساني القائم على التأليف بين متواليات من الألفاظ والعلامات اللغوية على نحو ما ليتجسّد في أشكال رمزية تتخذ من الصورة والوجه والمظهر واللباس أدوات اشارية تعرب عن المحتوى الدلالي ذاته. فانبرى من كل حدب وصوب، من المساجد والمدارس، ومن الأسواق والشوارع «ملاوات» ملتحون بأقمصة أفغانية وانبرى أيضا نساء منقبات على نحو تختفي فيه صورة الوجه لأن المحجب أو الذي لا يُرى الا من وراء حجاب هو اللاوجه أو صورة من طراز اللاوجه».

فكأنما الأمر استراد للمجتمع الاسلامي الاول بالعودة الى الماضي من طريق السياسي الذي اتخذ لبوسا دينيا أو كأن الحداثة بمظاهرها المعقّدة وتحولاتها المتسارعة هي التي تفرز أشكال الرفض الخاصةبها وهي أشكال تنزع الى اقامة ترسيمه قديمة ثابتة ورثها الخلف عن السلف ولكنها تؤول الى أن يتبوأ الخلف مكان السلف الصالح نفسه بحيث يكون بديلا عنه ومن ثم يكون السلفيون المعاصرون مثال أمة المؤمنين الاولى في زمن النبي والخلفاء الراشدين. فمن صميم المراوحة بين الفعل الذي يحاكي والفعل النائق الىأن يكون موضوعا للمحاكاة برزت الموجة العنيفة الداعية الى صناعة قداسة الأجساد والأفعال والأقوال والاشخاص.

ماذا عن الاستقطاب الاسلامي العلماني؟

هذا الاستقطاب انما هو تعبير عن صراع بين رؤيتين متناقضتين تختزل تصورا معينا لنظام الحكم وللمشروع المجتمعي فالأول يبني نظام الحكم على أن الشريعة مصدر له ويصوغ المشروع المجتمعي على أساس ما صدر عن السلف الصالح من سلوكيات ومواقف بينما يذهب الفريق الثاني الى فصل الدين عن الدولة ويؤسس للمشروع المجتمعي على أساس الأخذ بأسباب الحداثة.

ولعلّ الاشكال يكمن في أن كل طرف يسعى الى اقصاء الآخر فالأول بدعوى امتلاكه للحقيقة المطلقة بينما قد يفتقر الثاني الى آليات الخطاب الديني التي من الممكن أن تدحض حجة الخصم من الداخل مما يؤول الى الاقصاء وغلق باب الحوار والاختلاف بيد أن اقصاء الغير من الحياة السياسية أو من حقه في الوجود المجتمعي لا يكون الا بوجود مظهر من مظاهر انتهاك المبادئ الاخلاقية والضوابط القانونية أو بتوفر أي شكل من أشكال الاعتداء على الحرية إن بتضييقها وإن بدحض حق الطرف المعارض في الوجود. ولو عاد كلا الطرفين الى تراثنا الديني والحضاري لوجدا ما يسوّغ حق الاختلاف بما من شأنه أن يحقق التعايش السلمي بينهما ففي القرآن نص صريح يؤكد على ضرورة الدعوة الى الدين بالمجادلة والحجاج العقلي: «أدع الى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن».
وفي السنة النبوية تعريف للمسلم بأنه «من سلم الناس من يده ولسانه». ومما ورد عن الامام مالك «كلكم رادّ وكلكم مردود عليه الا صاحب هذا الخبر ے». وفي السياق نفسه يندرج قول أحد المعتزلة «رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأي خصمي خاطئ يحتمل الصواب».
وفضلا عن ذلك فإن خير الدين التونسي قد أفرغ طرفي المعادلة في سبيكة واحدة بدعوته الى الأخذ بأسباب المدنية الغربية والتقدم الحضاري أخذا يتلاءم مع الشريعة الاسلامية ومقاصدها.

هل نتجه في تونس الى واقع وبيئة جديدة؟

ما الجديد؟ هناك تعريف بالسلب، فالجديد ضد القديم فكل قديم هو محدّث أي جديد في زمانه بالنظر الى ما كان قبله. فمسألة الجديد أوسع مما يتصور وأعمق على مسألة نسبية متغيرة ترتبط بالمستجدات الطارئة على المجتمع وبنظام الحكم وبتنامي الأصولية الدينية وباختلاف المقامات وبتشابك المصالح الحزبية وتعارضها، وبتدخل القوى الاجنبية المانحة والفاعلة في بعض الأحزاب.
فينبغي أن نستحضر كل هذه المعطيات للتنبؤ بامكانية الاتجاه في تونس نحو واقع جديد، وان كان لا وجود لجديد خالص، فالجديد والقديم وجهان لعملة واحدة. ولقد ذهب افلاطون الى أن الفرق الوحيد بين الرجل الشريف والمجرم هو أن الاول يحلم بما يفعله المجرم حقيقة في حين يفعل المجرم ما يحلم به.

«فالالانساني ليس ما هو خارج عنا أو غريب وانما هو أنا الآخر». ومن ثم لا يمكن ان نسير نحو التجديد من دون أن يترك القديم بصماته في الجديد لا سيما اذا تحول الحلم لدى الرجل الشريف الى حقيقة وواقع عيني.

هناك من يشكك في امكانية الوصول بتطلعات الثورة الى مراميها العميقة في الحرية والكرامة والعدالة؟

من المعلوم أن الشك فاعلية ذهنية تفضي الى تحقيق هدف معين فكل شك ينتهي الى الحقيقة انما هو شك منهجي يستند الىمعطيات ترتقي به الى حالة اليقين التام وتقطع مع حالة الشك الظرفية. فالذين يشككون في امكانية الوصول بتطلعات الثورة الى مراميها العميقة في الحرية والكرامة والعدالة لهم من المبرّرات ما يسوّغ شكهم.
فمنها الهوة العميقة بين زمن الثورة في لحظتها الاولى والواقع الراهن في مرارتها القصوى.

ومنها كذلك انتقاء الأمن العام والأمن النفسي مما يحدّ في نظر ابن خلدون أساس العمران.فضلا عن غياب الحس الوطني الذي يجعل مصلحة الوطن والشعب فوق كل اعتبار في مقابل هيمنة المصالح الحزبية الضيقة وتفشي ظواهر دينية شاذة لا تمت بصلة الى الحضارات المتعاقبة على أرض الوطن ولا الى الروح العام للمسلم التونسي منذ أمد بعيد.
هناك جدل واسع حول حرية الإبداع.. كيف تقاربون علاقة الإبداع بالمقدس؟

هذا السؤال تكمن إشكاليته في تحديد المصطلحات فما المقدس؟ لما كانت دائرة المقدس تشمل النص القرآني باعتباره نصّا مفارقا نزل به الوحي السماوي وما ورد عن الرسول ے من أقوال وأفعال ثبتت نسبتها إليه، فإنه من الممكن للإبداع الفني أن يتناول جميع المواضيع من دون استثناء باعتبار أن الابداع فوق القانون لا سيما وزن العمل الفني ليس مجرّد انعكاس للواقع ولا محاكاة له وإنما يتميز بخاصيتين أساسيّتين في تصور «كاريل كازبك» وهما خاصيتان غير قابلتين للانفصال، فهو يعبّر عن الواقع لكنه يبني واقعا لا وجود له قبل العمل أو بموازاته بل وجوده كامن في هذا العمل بالذات وفيه وحده».. وعلى هذا النحو تتجاوز هذه النظرة واقعية الانعكاس المغلقة التي قد تثير حفيظة الأصوليين الدينيين لتمنح الأثر الفني استقلاليته بمقتضى قيامه على الابتداع والخلق والانشاء، على أن فكرة استقلال العمل الفني تتنافى في منظور جمالية التلقي مع الأثر الذي يحدثه ومع وظيفته في المجتمع ذلك أن العمل الفني في مثل هذا التصور «لا ينتظم في تاريخ نسقي إلا إذا نسبت سلسلة الأعمال المتوالية لا الى الذات المنتجة وحدها وإنما الى الذات المستهلكة»، ومن هذا المنطلق ينبغي على المبدع ألا يضع في عمله الفني حرية المتلقي موضوعا للانتهاك وألا يلغي الوظيفة الاجتماعية للفن إلغاء مطلقا.
واقع الاستقطاب وبروز الأفكار المتجددة هل يهدّدان وحدة المجتمع التونسي؟

برزت في الآونة الأخيرة هواجس تعبّر عن تشاؤم مطلق بمستقبل تونس وبأن المصير يكتنفه الغموض وبأن الوضع سيؤول في نهاية المطاف الى حرب أهلية طاحنة. هذه النظرة التشاؤمية ليس لها ما يبرّرها أو هي تضرب صفحا عن معطيات سوسيولوجية وأنتربولوجية وتقرّ بها كل التحولات السياسية، فما يجمع الشعب التونسي بمختلف فئاته وشرائحه أكثر مما يفرّق بينهما.
ويبدو أن المسألة مرتهنة بالاستقرار السياسي وبتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على اختلال التوازن بين الجهات والفئات والأفراد وعلى كل مظاهر التهميش، فكل ذلك كفيل بمدّ جسور التواصل بين مختلف الرؤى والأفكار والمواقف أيّا كانت منطلقاتها وخلفياتها النظرية والفكرية.
ما تعليقكم على ظاهرة التعدّي على الزوايا وأضرحة الأولياء الصالحين ومنع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف؟

لعل الشق الأول من السؤال يحيل على ظاهرة بالغة الخطورة تتنافى جوهريا مع تعاليم الدين الاسلامي الحنيف بالاعتداء على الزوايا وأضرحة الأولياء الصالحين يبدو أنه صادر عن جماعة تلبس لبوسا دينيا وتستند الى خلفية نظرية فكرية تعود الى أدبيات «ابن تيمية» والوهابية فمثل هذه الأدبيات تحرّم القول بالوسيلة، بل تذهب الى تكفير كل من يعتقد بها باعتبارها في نظرهم شركا باللّه، والحال أن الكثير من الأحاديث النبوية التي أخرجها البخاري ومسلم وابن داود والنسائي تؤكد على طلب الوسيلة والدرجة الرفيعة لرسول اللّه ے يدل على ذلك قوله «من طلب إليّ الوسيلة فقد حلّت له شفاعتي»، بيد أن الانحراف بالوسيلة من الرسول ے الى الأولياء الصالحين يندرج ضمن سعي الفكر الوصولي الى التوسيع من دائرة المقدس باعتبار أن النص القرآني في تصورهم لا يفسر في إطار تساوقه مع الواقع وإنما في إطار جملة الأقوال التي جاءت عن السلف أي الجيل الأول من الصحابة الذين سمعوا عن الرسول ے إذ لا مجال للخوض في النص القرآني إلا من خلال تلك الأقوال، وعلى هذا النحو تحول الاهتمام من النص المحوري الى النصوص التي جاءت عن هذا النص لأن «التمسّك بالسلف كان عاتيا لا طاقة للأفراد بتجاوزه»، وقد أفضى ذلك في مستوى المخيال الشعبي الاسلامي الى الاعتقاد بكرامة الأولياء الصالحين وبأحقيتهم في الوسيلة من دون سائر ا لناس. ولئن كان هذا الانحراف يبطّن ضربا من ضروب الشرك الخفي إلا أن معالجة هذه الظاهرة لا يمكن أن تكون على هذا النحو الذي يتوسل العنف وانتهاك حرمة الميت وهي حرمة موضوع إجماع بين كل الديانات السماوية.

أما الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، فإنه من الناحية التاريخية لم يظهر إلا في أواخر الدولة الأموية وبداية الخلافة العباسية ولذلك فهو في تصور الفكر الأصولي بدعة مادام هذا الاحتفال لم يقترن بالزمن الأول زمن الوحي والسلف الصالح باعتبار أن «كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، بيد أن الرسول ے يميّز بين البدعة السيّئة والبدعة الحسنة وذلك بقوله «من سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها الى يوم القيامة ومن سنّ سنّة سيّئة فعليه إثمها وإثم من عمل بها الى يوم القيامة».

فمنع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إنما هو ضرب من ضروب الإقرار بلا تاريخية النص الديني وبعدم تساوقه مع الواقع وهو الى ذلك يضرب صفحا عن مبحث أسباب النزول ومبحث الناسخ والمنسوخ في النص الديني عامة.

فهو موقف يدحض الإقرار بمقاصد الشريعة السمحة ويغلق غلقا نهائيا باب الاجتهاد والنظر العقلي الذي طالما دعا إليه القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة في سياقات مختلفة.

كتبتم سابقا عن الأصولية، واليوم لنا بروز لافت للاصولية الدينية وربما ما كنتم تتحدثون عنه بخصوص حرق الزوايا يندرج في هذا السياق، كيف تنظرون الى هذه الأصولية الناشئة؟

تجدر إلي أن الأصولية ظاهرة كونية لا تختص بها حضارة معينة ولا ديانة دون أخرى. فمنذ المراحل الأولى للديانة المسيحية نشبت عدة خلافات بين أنصار هذه الديانة حول علامة الصليب أيكون بإصبع واحد أم بإصبعين، وحول ما إذا كان الله واحدا ذا مظاهر متعددة أو هو ثلاثة من طبيعة واحدة. وقد رتب عن الخلاف في هذه المسائل النظرية العقدية، ظهور عدة فرق كالييلاجياتية واليعقوبية والنسطورية.

وحسبنا قولة «دوسبوقوسكي» التي تختزل الأصولية العقدية في الفكر المسيحي «لو ثبت لي أن المسيح ليس هو الحق لفضلت المسيح على الحق».

أما العلاقة بين السلطة الدينية والسلطة المدنية في تاريخ الكنيسة، فقد كانت تسير في اتجاهين متكاملين: يتمثل الأول في توظيف السلطة السياسية للسلطة الدينية دعما لوجودها وإستمرارها ومن ذلك إصدار الإمبراطور «تيوديسيون» عدة قوانين في تأييد الأرثدوكسية بل «تدخل حتى في جزئيات النظام الكنيسي فأمر سنة 390م بمنع النساء اللاتي يتجرأن على قص شعرهن من دخول الكنائس».

أما الثاني فيتصل رأسا بتوظيف السلطة الدينية للسلطة السياسية لبسط نفوذها وضمان انتشارها فقد استعانت الكنيسة بداية من القرن الرابع ميلادي بالسلطة الحاكمة لفرض معتقدها ولاضطهاد المخالفين، لا من الوثنيين فحسب وإنما كذلك في مراحل لاحقة من اليهود والمسلمين.

أما في الحضارة العربية الإسلامية فيمكن أن نرجع ظروف النشأة إلى عاملين اثنين، يتصل الأول بالفتنة الكبرى وما رتب عنها بعد ذلك من اضطهاد الأمويين للخوارج وللشيعة بالخصوص التي ظلت تحلم بالانقضاض على السلطة لأمد طويل فانتظمت في فرق سرية كان من ابرز أعلامها في القرن الأول للهجرة أبو منصور الخناق الذي «طور المبدأ الخارجي مبدأ الجهاد الخفي ليرتقي به إلى مستوى تقديس القتل والجريمة».
بينما يتعلق العامل الثاني بالتعبير عن احتجاج ضد فساد أخلاقي أو فوضي سياسية أو خلل اقتصادي أو أزمة اجتماعية، وهو ما ذهب إله ادم ماتز في كتابه «الحضارة الإسلامية في القرن الرابع هجري» وتبعه في ذلك الكثير من المفكرين العرب كأحمد أمين في كتابه «ضحى الإسلام» ويوسف خليف في كتابه «الشعر في الكوفة».

فكان نتيجة لذلك ظهور فرق المتطوعة للتنكير على الفساد ببغداد ويفسر الطبري سبب ظهورها « أن فساق الحربية والشطار الذين كانوا ببغداد أذوا الناس أذى شديدا واظهروا الفسق وقطع الطريق وأخذ الغلمان والنساء من الطرق، ولا سلطان يمنعهم (.....) فلما رأى الناس ذلك وما قد أظهروا من الفساد في الأرض والظلم والبغي وقطع الطريق(.......). قام صلحاء كل ربض وكل درب فمشى بعضهم إلى بعض».
وقد كان للمتطوعة التي هي حركة دينية سياسية زعيمان وهو خالد الدرويش يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر وحسبه ذلك، أما الثاني فهو سهل ابن سلامة الأنصاري فبرنامجه العمل بكتاب الله وسنته ومقاتلة من خالفه كائنا من كان سلطانا أو غيره.

بينما يعسر في العصر الحديث أن نضبط بصفة علمية عوامل ثابتة ومحددة لنشأة هذه الظاهرة وذلك لتعاقب ظهور الحركات المعبرة عنها وفق أطوار زمنية مختلفة إذ نجد في مصر جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928 تليها جماعة التكفير والهجرة فالجهاد الإسلامي في السبعينيات.كما نجد في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن حزب التحرير الإسلامي سنة 1952 ويتزعمه «نبهاني» والجماعات الإسلامية في باكستان والهند وبنغلادش والتي يعتبر أبو الأعلى المودودي منظرها الأول فضلا عن المجاهدين الأفغان في الثمانينات.

ولعل لهذا العسر صعوبة أخرى تتمثل في انتشار هذه الظاهرة في مناطق جغرافية متمايزة حيث أنظمتها السياسية وتوجهاتها الاقتصادية بحيث يستعصي علينا الوقوف على وحدة العامل المشترك والدليل على ذلك أن «أوليفيه روا» يميز في كتابه تجربة الإسلام السياسي بين «ثلاثة أقطاب جغرافية وثقافية للاسلاموية: الشرق الأوسط العربي السني وشبه القارة الهندية السنية والنطاق الشيعي الإيراني»، على أنه في وسعنا أن نرجع استفحال الظاهرة إلى دعم الغرب اللا مشروط لها درءا للزحف الشيوعي وحدا من عدوى انتشار الثورة الإيرانية. ولمن انهيار الإتحاد السوفياتي وما عقبه من متغيرات عالمية استتبعت البحث عن عدو جديد فأصبح صديق الامس خصما اتخذ تعلة ضرب بها الغرب عصفورين بحجارة واحدة.بحيث غدت مقاومة الإرهاب كلمة حق أريد بها باطل.

كيف يؤصل امثال هؤلاء الأصوليين لمناهجهم من الناحية الشرعية؟

من العسير على الباحث إذا أراد الإحاطة بالخطاب الديني الأصولي المعاصر ليستكنه جوهره أن لا يتعرف إلى أسسه ومنطلقاته النظرية التي يصدر عنها. ولعل الطريقة الكلاسيكية في فهم النص التأسيسي هي من أهم الرواسب التي لا تزال عالقة في مثل تلك الأسس والمطلقات بصورة احادية الجانب أو متعالية عن حقيقتها. هذه الطريقة تتميز بجملة من الخصائص التي تدخل الخطاب في دائرة الثابت لا المتحول.فهي تنظر إلى النص التأسيسي باعتباره نصا مفارقا لا يفسر في إطار تساوقه مع الواقع الذي يسوغه مبحث أسباب النزول وإنما في إطار جملة الأقوال التي جاءت عن السلف أي الجيل الأول من الصحابة الذين سمعوا عن الرسول.

على هذا النحو تحول الاهتمام من النص المحوري إلى النصوص التي جاءت تفسيرا له، كما تحول الاهتمام بمدى صحة متن الخبر إلى البحث في شروط الإسناد بقطع النظر عن «الصدق المنطقي ولا حتى مطابقة مضمون الخبر للواقع بل كان ما يهمهم هو صحته أعني مدى ثبوت نسبته إلى من صدر عنه».

ومن المنطلق كانت أقوال الصحابة على ما بينها من اختلاف تفيد الصحة والقطع لأنهم منزهون عن الكذب مع أن « مسألة موثوقية الصحابة إنما هي قضية قياسية افتراضية وضعها الوجدان الاسلامي لاحقا».

وهكذا رتب عن ذلك جملة من النتائج الحاسمة تتلخص في الارتفاع بالنسبة إلى مرتبة القران – وهو ما يأباه الرسول نفسه- فضلا عن الارتقاء بأقوال الصحابة إلى مرتبة الستة. وفي إطار هذه السلطة المرجعية تتنزل قراءة الأصولية الدينية المعاصرة للنص الديني بل إنها في بعض الأحيان تضاعف من سطوتها وتضيق من مجالها.فلئن كان « الأمر» عند المالكية يفيد الوجوب ابتداء وهو عند المعتزلة يفيد الندب والوجوب والإباحة عند الغزالي فإنه عند الأصوليين المعاصرين لا يتحمل إلا تأويلا واحدا ومهما واحدا وأن الخطاب الشرعي في القران عموميا ومن ذلك ما ورد في بعض الوثائق «نحن نؤمن بعمومية الخطاب الشرعي ولا نري اختصاص النص بظروف نزوله وأسبابه».

على أن الشريعة الإسلامية تصدر عن قاعدتين أساسيتين: يمنع المرء من ممارسة حقوقه عندما يسبب ذلك ضررا فاحشا بغيره، كما يمنع أيضا عندما يتسبب في إلحاق الأذى بنفسه.وهذا ما يقوم دليلا على أن الشريعة الإسلامية رغم أن نظام العقوبات فيها مبني على مبدأ القصاص الذي يجسد العدل إلا أن روح التشريع يعطي الأولية أساسا لحفظ الإنسان.

لكن الأصوليين المعاصرين يقدمون القاعدة القانونية الشرعية على أنها شيء جامد ليس عرضة للتقديم أو التأخير مع أنه خاضع للاستعمال وهادف إلى مقاصد سامية، لذلك يرون « أن الأوضاع السائدة بقيمها ومفاهيمها لا تحدد أوجه الفهم في النصوص القطعية كالتعدد في الزواج والحدود ومنع الربا «، كما أنهم يرفضون الاجتهاد رفضا قطعيا حتى في النصوص الظنية مادام قد أجمع عليها السلف الصالح. فالعملية التشريعية في فقههم قائمة على الانتقاء، انتقاء أحوال الصحابة وأقوال السلف مما لا يتعارض مع فهمهم للنص الديني فالرصيد الفقهي محدود عندهم في الكم. فمنهج التشريع عندهم لا ينفك عن التقيد بحرفية النصوص دون إعمال للعقل أو نظر في مواطن الإختلاف أو بحث في مقاصد الشريعة مما جعلنا نقف على فجوة عميقة بين زادهم من الفقه وحاجتهم في تمكينه. ومن مظاهر هذه الفجوة التمايز المراتبي بين عامة معزولة عن تكلف التفكير في الدين ونخبة تحتكر أسراره وتتكلم باسمه. فالمنظومة الفقهية لديهم مؤسسة على الشمول واليقين لا على التفريع والاحتمال.

وإذا كان تكوين الفقهاء التقليدين لا يسمح أن يتصوروا الأمور على غير ما صوروها فكيف نفس قراءة هؤلاء للنص الديني قراءة تاريخية متجانسة مع ما قدمه أولئك الفقهاء بالرغم من الفاصل الزمني الذي يفصل بين عصرنا وعصرهم وما استتبع ذلك من تطور هائل في المعرفة الإنسانية.بل إننا لا نجافي الواقع حينما نقر بتقدم بعض الأعلام من السلف على هؤلاء إن في قراءتهم العقلانية للنص التأسيسي، وغن في مواكبة نصوصهم للواقع، ومن ذلك الغزالي في اتخاذه الشك طريقا إلى اليقين، وابن رشد في قوله بالسببية، والشاطبي في دعوته إلى ضرورة بناء الأصول على المقاصد. إلا أن نظرة الأصوليين الجدد إلى الأحكام الفقهية تمثلا ساذجا لا واعيا، فالغائب يصير حاضرا والمفارق يغدو محاثيا والمقدس أو ما أضيفت عليه قداسة يصبح مبررا للمواقف والأفعال.

وهكذا فإن العملية التشريعية في استنباط الأحكام الفقهية عندهم إنما هي قائمة على بنية المحاكاة وخاضعة لمبدأ التمثل وسائرة في مسلك أحادي الجانب غايتها في ذلك إخضاع الواقع للمثال، ومن ثمة انعكس هذا القصور المنهجي في قراءتهم للنص الديني على طبيعة فهمهم للحياة الاقتصادية والاجتماعية كما انعكس مباشرة في تصورهم للسياسة.

لكن للاصولية الدينية مظاهر سياسية؟

ثمة عدة آليات للتوليف بين الديني والسياسي تتوزع بين المستويين النظري والإجرائي، ومنها على وجه الخصوص ما ذكره ألبير نصري نادر» في كتابه –مدخل إلى الفرق الإسلامية – « إن النزاع السياسي يحتاج( في الأغلب الأعم) إلى فكرية دينية «، ومنها أيضا مبدأ التقنية وهي أن يظهر المرء عكس ما يضمر وهو ضرب من النفاق يقوم على ازدواجية الأفعال والأقوال ومنها إقصاء المخالفين بالتهميش والاحتواء، ومنها كذلك اعتماد الجهاد الخفي سلاحا يسلط على نفس المخالفين حتى وغن اشتركوا معهم في العقيدة.

ومن هذا المنطلق يمكن أن نذهب إلى الإقرار بأن ما يعتري المجتمعات العربية المعاصرة من ضروب الخلط بين الديني والسياسي له إمتداد في تاريخ الحضارة الإسلامية يتجلى بالخصوص في بعض الفرق الفكرية السياسية التي أتخذت من الدين طلاء تخفي بها حقيقتها، ولهذا، فإن جل هذه الفرق يتنزل الدين في تصورها دينين:» دين ظاهري قلبوه إلى ايدولوجيا تتسع إلى الأساطير والأوهام لأن هدفه الأساسي هو التعبئة، ودين باطني وجوهره التوق إلى السلطة والانقضاض على الحكم».

لكن ذلك قد يؤدي الى اختلاط السياسي بالديني والى التشريع للاستيلاء على السلطة؟

يمكن أن نميز بين وسيلتين من وسائل الاستيلاء على السلطة، أحاط بهما «أوليفيه روا» فإما أن يتم بالتوسع اللا متناهي (للفرقة) بوصفها مجتمعا مضادا يؤدي في أخر الأمر إلى استقطاب أغلبية الأهالي والإحاطة التدريجية بالمجتمع المتردي إلى الجاهلية فيعود هذا الأخير إلى الإسلام دون اضطرار إلى العنف وإما بواسطة انقلاب يهدف إلى قتل الفرعون على أمل أن يؤدي ذلك إلى تحفيز الجماهير بما يؤدي إلى إنتفاضة فورية.»
ومهما أختلفت الوسائل فإن هذه الفرق والأحزاب تصدر عن أساس نظري واحد في تصورهم للسلطة السياسية إذ يذهب الأصوليون قديما وحديثا إلى الإقرار بأن الأمة الإسلامية لابد من غمام تناط بعهدته مسؤولية السهر على شؤون المسلمين وقضاء مصالحهم والبت في خلافاتهم، فالخلافة هي الجهاز السياسي الذي يمارس الخليفة السلطة ممارسة تستمد مشروعيتها من تطبيق أحكام الشريعة وإلزام الناس بأوامر الله ونواهيه بل إن الخلافة في الضمير الجمعي الإسلامي قد أضيفت عليها هالة القداسة حتى أن المسلمين السلفيين بعد سقوط الخلافة العباسية إثر هجمة المغول والتتار إصطنعوا لأنفسهم خليفة زعموا أنه يعود إلى سلالة بني العباس واستقبله الظاهر بيبرس في مصر وخلع عليه بردة الخلافة على أن الخلافة في الأصل إنما هي خلافة النبوة ويستدل « الإسلاميون» على شرعيتها وضرورتها من النصوص التي يقتطعونها من سياقها النصي ويقطعونها من إطارها التاريخي ومن الظروف الخاصة بها والأسباب الكامنة وراءها:
ومن ذلك ما ورد في القران « وإذا ابتلي إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن: قال إني جاعلك للناس إماما « وقوله أيضا « يا دواد إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل اوعن».

وعلى هذا الأساس فإن الخلافة هي عن الله للرسل لكن الإمامة عند السنة لا تكون إلا للرسل، خلافا للشيعة ومن هذه الزاوية تكون الخلافة نيابة عن النبوءة.

فالمسلمون في تصورهم نقلا عن النسفي في عقائده «لابد له من إمام أي خليفة يقوم بتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم سد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقاتهم وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق وإقامة الجمع والأعدان وقطع المنازعات الواقعة بين العباد، وقبول الشهادات القائمة على الحقوق وتزويج الصغار الذين لا أولياء لهم، ونحو ذلك من الأمور التي لا يتولاها أحاد الامة» فبتحليلنا للوظائف العائدة بالنظر إلى مشمولات الخليفة نلاحظ أن كل السلطات تتجمع في شخصية فهو ينفذ الأحكام، ويقضي بين الناس بمعني انه يجمع بين السلطتين التنفيذية والقضائية بينما السلطة التشريعية لا حاجة له بها ما دام عمله يقتصر على تطبيق شريعة بأوامرها ونواهيها،ومع ذلك فإن الإسلاميين قد منحوه نصيبا من السلطة التشريعية حجتهم في ذلك ما ورد في القرأن « وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم».
في هذا السياق، تكثف الحديث عن الخلافة كمنهج للحكم، وهناك احزاب سياسية تطالب بتطبيق هذا المنهج، هل ذلك ممكن؟

الخلافة من حيث هي منهج في الحكم إنما هي نظام سياسي كلياني باعتبار أن جميع السلط تتجمع في يد الخليفة وهو استبدادي نظرا لأن ممارسة السلطة واتخاذ القرار السياسي يصدران عن شخص واحد، وهي ثيوقراطي لأن هذه القرارات تستمد مشروعيتها من الله. الا ان الخليفة يختاره المسلمون ويجب إن ينعقد عليه إجماعهم فلا يجوز أن يفرض على المسلمين خليفة دون رضاهم كما لا يجوز أن تكون الخلافة إرثا في عائلة مالكة دون سواها من عائلات المسلمين.

ومن شروط الخليفة أن يكون مسلما باعتبار أن مهمته الأصلية رعاية الدين الإسلامي واحرص على إقامة أحكامه ونشر تعاليمه، وأن يكون ذكرا لهم لأنهم يرون أن المرأة لا تصلح لرئاسة الدولة حجتهم في ذلك ما روي عن الرسول «لا يفلح قوم ولوا أمرهم إلى امرأة» كما يشترط أن يكون مكلفا بمعنى أن يكون بالغا عاقلا قادرا إضافة إلى ضرورة أن يكون عدلا متحليا بالفضائل مقيما للفرائض متخليا عن المعاصي والرذائل ولعل هذه الشروط التي أنعقد إجماع المسلمين في ضرورة توفرها في شخص الخليفة، إنما غايتها التأكيد على خطورة منصب الخلافة وعلى أن المقصد الشرعي من ورائها إقامة تعاليم الدين وتطبيق أحكام الشريعة بدليل ما ورد عن ابي بكر عند وفاة الرسول «ألا أن محمد قد مات ولابد من هذا الدين من يقوم به»(25) وفوق كل ذلك، للخلافة دور حيوي ومباشر في الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية بتكريس وحدانية السلطة دليلهم في ذلك ما ورد عن الرسول «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الأخير منهما»(26) فغدا كانت هذه المقاصد الشرعية من وراء فرضية الخلافة فإننا عند استقرائنا لتاريخ الحضارة العربية الإسلامية قلما نستخلص ما من شأنه أن يفيد تحقق هذه الغايات مجتمعة، وحتى إن سلمنا –جدلا- بوجوب إقامة الخلافة –شرعا- فإن إقامتها على الشكل الشرعي المطلوب بقي هدفا مثاليا لم يتحقق إلا نسبيا في خلافتي أبي بكر وعمر ومع ذلك يصر أنصار الخلافة من جماعة الاتجاه الإسلامي على وجوب إقامتها من جديد إقتداء بالسلف الصالح من جهة ولأن مصالح الناس «لا تتم إلا بإمام يرجعون إليه فيما يختلفون فيه فهم مع اختلاف الأهواء وتشتت الآراء قلما ينقاد بعضهم لبعض فيقضي ذلك إلى التنازع والنوائب وربما إلى إهلاكهم جميعا».

فإن الخليفة في مثل هذا التصور هو الجنة الواقعية، المانعة من وقوع الاختلاف بين المسلمين «ذلك أن عدم إقامة خليفة يؤدي إلى تعطيل الدين والخروج عن الإسلام وتفرق المسلمين كما هو حادث الآن(28) ولكن حسبنا أن نعيد قراءة الاسلام قراءة تاريخية لنجزم بان الخلافة على عكس التصور لم تكن قادرة لتمنع الخلاف والاختلاف، بل كانت في كثير من الاحيان مصدرا للاختلاف ولتفرق كلمة المسلمين، انطلاقا من مقتل عمر بن الخطاب مرورا بالفتنة الكبرى انتهاء الى سقوط غرناطة.

ولعل الوقوف الرصين عند هذه المحطات الكبرى من تاريخ الحضارة العربية الاسلامية من شانه ان يؤول بالباحث الى تاكيد هذه الحقيقة لا الى نفيها.وهي حقيقة تنسل من الاهتزازات التي طرات على سلطة الخلافة وجعلتها في الواقع الموجود على غير صورتها في الواقع المنشود. على ان نظام الحكم في الخلافة الاسلامية انما هو نظام كلياني ثيوقراطي ما دامت السلطات تتجمع في شخص واحد وتستمد مشروعيتها من مشروع واحد.
وعلى هذا الاساس تتعارض الانظمة الكليانية بحكم طبيعتها مع الانظمة الديموقراطية.

ولكن السلفيين من دعاة الخلافة وانصارها لا يستنكفون من الادعاء بان نظام الخلافة الاسلامية يتاسس امر الحكم فيه على الشورى التي هي رديفة الديموقراطية عندهم فالله جعل المسلمين امة واحدة والزمهم ان يكونوا من انفسهم دولة واحدة قد جعل امر الحكم شورى بينهم حجتهم في ذلك ما ورد في القران «وامرهم شورى بينهم» والشورى في نظرهم هي الديموقراطية ولكن بمفهوم مخصوص.
ففي عصرنا نتحدث كثيرا عن الديمقراطية ولكن تتحدث عنها كقوة قابلة ومستهلكة فقط حتى ان اكثر الأفكار استبدادا واكثر الاراء تعصبا لا تتحرج في الدعوة الى الديموقراطية ولم تكن هذه الدعوة في واقع الامر سوى مجرد ادعاء باطل يهدف الى استقطاب الراي العام وتوظيفه توظيفا ايديولوجيا مغشوشا وهكذا اصطبحت بعض الأنظمة تتبنى الديمقراطية وتشن حملات هوجاء تحت ستارها ضد كل الاتجاهات الفكرية التي ترضي ميولاتها.

إن الكتابة الموضوعية تقتضي تحديدا للديمقراطية كما تقتضي ضرورة التخلي عن الراية الإسقاطية في التعامل مع القضايا الفكرية والأوضاع الاجتماعية والسياسية المتميزة.غير أن البعض كثيرا ما يتورط في حبائل هذه الراية التي توقع صاحبها في الكثير من الأخطاء المنهجية من ذلك هذه المزالق التصنيفية التي تسعى إلى إدماج بعض المصطلحات السياسية المختلفة والمتناقضة في نفس الشبكة الدلالية وفتتجاوز الديمقراطية مع الشورى، وتتعايش الأنظمة الكليانية القائمة على الاستبداد والإرادة الفردية مع الأنظمة الليبرالية عن الحرية والإرادة الشعبية.وتلك هي المزالق التصنيفية التي تورط فيها أصحاب هذا الموقف، وهي مزالق ذات صبغة منهجية تجعل نتائج الاستدلال متناقضة مع مقدماته وبمثل ها التصور القائم على الخلط المفهومي زج أصحاب الخلافة أنفسهم في مضايق منهجية يعسر الخروج منها فتورطوا في التلفيق تارة من حيث أنهم أرادوا التوفيق، كما أنهم تورطوا تارة أخرى في النظرة الضيقة القائمة على الانتقاء وقراءة الإسلام قراءة لا تاريخية.
وهكذا فان التصور النظري لمسالة السلطة السياسية مرده إلى عدم انتباه الأصولين لموقف الرسول ذاته منها حينما «ترك أمر اختيار الحاكم إلى المسلمين حسبما تقتضيه مصالحهم وما يتناسب مع متطلبات الزمان والمكان والظروف المتغيرة « وذلك لان الدين في عباداته وعقائده وأخلاقه يتسم بالقداسة والثبات في حين ان ظاهرة بشرية زمنية متغيرة غير ثابتة.

من هو الدكتور فؤاد الفخفاخ؟
أستاذ مساعد بالتعليم العالي، يدرس بالمعهد العالي للغات حي الخضراء.
حاصل على شهادة الكفاءة في البحث والتبريز في اللغة والآداب العربية والدكتوراه حول شعر الهزل في العصر العباسي إلى أواخر القرن الرابع الهجري.
أشغال البحوث:
دلالة الوطنية في شعر الشابي
الوظيفة في الشعر: بشار بن برد نموذجا
إعجاز القرأن للباقلاني: بنيته ودلالة الإعجاز اللغوي فيه
المجاز في مفتاح العلوم للسكاكي
خصائص الخطاب الرومنطيقي
نحو منهج تاريخي في قراءة النص الديني
خصائص التفكير العلمي بين تراث العرب وتراث الغرب
الحداثة في عصر ازدهار الحضارة العربية الإسلامية
- المنشورات العلمية:
الوظيفة في الشعر أبو تمام نموذجا
شعر الفقر: أغراضه ومعانيه أبو الشمقمق نموذجا
من خصائص الفن من نماذج في شعر الهزل.

المثقف والمجتمع المدني
الحوار بين الحضارات والأديان
الحب والمرأة في شعر الشابي
الشابي بين الرومنطقية والواقع.
الندوات الفكرية:
المنهج الأصولي في قراءة النص الديني، ضمن ندوة النص الديني والتأويل المعهد العالي للحضارة الإسلامية.مارس 1996.
الحداثة في الخطاب الشعري المعاصر، المركز الثقافي الجامعي 2003.
التسامح بين الأديان والتضامن، وزارة الشؤون الدينية 2002.
ثقافة التكامل، ضمن ندوة التكافل في الإسلام.وزارة الشؤون الدينية 2003.
شعرية الهزل بالاشتراك مع كلية الآداب سوسة 2003.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.