جاءني غابطا بالفرح حاملا 250 صفحة تحت ابطه ووضعها امامي على المكتب طالبا مني الاطلاع عليها... كان جادا الى حدّ ارغمني على الاسراع بفعل ما طلب مني.. ذلك هو الشاب هيكل سلامة الذي قدم منذ مدة قصيرة رسالة التخرج كأول بحث في تونس يعنى بضرورة تحويل الجمعيات الى شركات رياضية... وهو موضوع بالأهمية بمكان خاصة امام ما تعانيه الاندية اليوم من ظروف تعيسة وايضا امام ادعاء كل رؤساء النوادي بأنهم «يدفعون من جيوبهم»... فبداخل هذا البحث اكثر من نقطة ارتكاز لمشاكل الجمعيات الرياضية والمطلوب اولا واخيرا ضرورة الوقوف عندها... حتى لا تبقى حبرا على ورق.يؤكد الشاب هيكل ان ما تعانيه الاندية من مشاكل وصعوبات فرض عليه التطرّق الى هذا الموضوع الحساس بطريقة عملية وعلمية في بحث ينقسم الى ثلاثة محاور: 1 مشاكل وصعوبات الاندية 2 تحويل الجمعيات الى شركات 3 الحلّ العملي وكيفية فعل ذلك قانونيا البداية كانت ببسط شامل لمشاكل الاندية والثغرات الموجودة بها سواء من الناحية المادية او التنظيمية... فهناك مثلا عقود للاعبين والمدربين ولا توجد عقود لأعضاء الهيئة المديرة المتكوّنة من متطوعين يصعب تحميلهم اية مسؤولية في ظل العمل الموجود خاصة انهم «متطوّعون»... مصاريف الجمعيات تتزايد بشكل مهول مع اطلالة كل يوم ونسبة كبيرة من هذه المصاريف تبلغ حوالي 70% تخصص لكرة القدم (!!!). موارد غير قارة... وهي مرتبطة «عضويا» بحجم الفريق وخاصة نتائجه. النظام داخل الجمعيات يحتاج الى مراجعة جذرية.. اذ ليس هناك اي نظام محاسباتي وهناك فقط كراس يشمل المصاريف والمداخيل يقدم مع نهاية كل موسم على انه «دليل قاطع» ويسمى «التقرير المالي». ميزانيات الجمعيات ليست مضبوطة بطرق علمية واغلبها تسيّر بطرق بعلية في غياب النظام المحاسباتي. إدارة الهيئة: عادة ما تكون بسيطة في شكلها وباطنها في غياب الهيكلة الكبرى.أي حلول؟عدة نقاط وقع التطرق لها في هذا البحث لكننا اتينا على جانب منها نراه جديرا بالملاحظة... اما الحلول لكل هذه النقاط فقد لخصها الشاب هيكل سلامة وتعرض لها في المحور الثاني للبحث عندما اشار الى: التجارب الاجنبية (فرنسا، انقلترا، المغرب، اليابان، ايطاليا...) فاليابان مثلا اسست اول رابطة محترفة لكرة القدم سنة 1993 لكنها في وقت قياسي قصير استطاعت التواجد وتنظيم كأس العالم 2002 بل بلغت الدور ربع النهائي وهذا يفيد بالعمل والاحتراف الكلي (في وقت مازلنا هنا نمضغ كلمة لم نجدها في أي قاموس علمي او عالمي وتتعلق بالبطولة «غير الهاوية»... فلا هي هاوية ولا هي محترفة.. في ايطاليا وانقلترا هناك جمعيات بدورها شركات رياضية خفية الاسم مدرجة بالبورصة اي ان كل محب لهذا النادي او ذاك يمكن له الدخول في رأس مال هذه الجمعية الشركة والوقوف على الارباح في نهاية كل عام. في فرنسا «قالت لهم اسكتو»... فمنذ اعوام وقع تحديد حد اعلى لمصاريف اي جمعية... وإذا تجاوزت هذا الحد ارغموها على ان تكون شركة خفية الاسم وهي شركة رياضية تعتني بالجانب المحترف للجمعية... وهذه الشركة من خصائصها ان يكون لها مجلس إدارة كامل الاوصاف ومتفرغ كليا لهذه المهمة... اما عن مرابيح هذه الشركات فتوزع على كل الشركاء. وبما ان صاحب البحث خبير محاسب فقد كشف في «رسالته» الدور الكبير لهذه المسؤولية خاصة ان الخبير يمكن ان تستعين به الجمعيات في الجانب القانوني الجبائي ويمكن ان يكون ايضا «مراقب حسابات كما يستطيع ان يساعد الجمعيات على التنظيم الإداري والهيكلة وعلى ضبط الميزانية بطرق علمية... وبالتالي تحسين وضبط المصاريف والموارد.مجرّد ملاحظةفي تونس ليس لنا اي فصل قانوني يقضي بتحويل الجمعية الرياضية الى شركة خفية الاسم.. ولفعل ذلك لابدّ ان يسمح القانون او الجامعة ويمكن مثلا فرض هذه الطريقة على بعض الجمعيات التي تتصرف في ميزانيات معيّنة كما لابدّ من توفير موارد قارة عبر المقاهي والنزل الخاصة بالجمعية والتي لا يكون لها عادة علاقة بالنتائج والظروف الآنية لأي جمعية.كيف يتم ذلك؟ذلك هو عنوان المحور الثالث في بحث الشاب هيكل سلامة حيث تطرق الى الكيفية العملية القانونية المحاسبتية لتحويل جمعية رياضية الى شركة عبر «القانون الاساسي»... وبغض النظر عن اهمية هذا البحث الذي جاء في 250 صفحة (بالفرنسية) وهو مذكرة للحصول على شهادة الخبرة في المحاسبة... وبغض الطرف على الملاحظة التي نالها هذا الشاب في خاتمة بحثه وهي «مشرّف جدا» فهناك نقاط مثيرة داخل هذا البحث تدعونا جميعا للوقوف عندها ودراستها خاصة ان ميزانيات بعض الجمعيات تفوق ميزانيات بعض النزل... لكن الفرق واضح بين الضوابط القانونية لهذا او لذاك.على جناح الألممع اطلالة كل جلسة عامة يتبجح بعض رؤساء الاندية بأنهم يدفعون من جيوبهم وأنهم «عاملين مزيّة» على شباب تونس... لكنهم يرتعدون وتسقط عنهم ورقة التوت كلما بلغهم ان «النظام المحاسباتي» قادم في اي لحظة..