جميل أن تتمثل الديمقراطية في شوارع تونس وأنديتها..جميل أن ترتع في الأسواق وتدخل البيوت..جميل أن نعيش ربيعا ديمقراطيا حالما ومؤسسا...جميل أيضا أن يع الجميع أن خدمة تونس ولعله النجاح في السياسة يتمثل في التوحد دون التفرق، والاقتراب دون التباعد، والانصهار دون التشتت، حيث لا تزال الوحدة والاجتماع واللقاء عناصر قوة في البناء والنجاح. في هذا الإطار اجتمعت العائلات السياسية والفكرية وانصهر بعضها وتوحد أو تحالف بعضها، ومن هنا رأينا العائلة القومية في مؤتمرها التوحيدي، ومن هنا نتلمس الدستوريين واليساريين في سعيهم للانصهار والتوحد، ومن هنا مر الحزب الجمهوري في توليفة بين الحزب التقدمي وحزب آفاق وغيرها من الأحزاب... ولكن في هذا الإطار أيضا يبدو المشروع الإسلامي يتيما مشتتا، تتقاذفه الأمواج والرياح بين خلاف واختلاف...يقول البعض هو رحمة وتنافس من أجل الأفضل، ويقول آخرون بأنه تشتيت للقوى والجهود وإضاعة لوقت ثمين وحساس! لن نطلق صيحة فزع ولكننا نقترب منها، لن نطلق صيحة فزع ولكن ندق ناقوس الخطر بأيد غير مرتجفة... المشروع الإسلامي في خطر، وجزء من هذا الخطر يتحمله ذووه! حول حق الاختلاف الحديث حول الاختلاف ليس جديدا ولا استثناء فهي سنة الحياة التي تصادم كل من عارضها أو سعى إلى خرابها. وحق الاختلاف ضمانة ضد الاستبداد والإقصاء والتهميش، ومؤشر ثراء للمجتمع في حراكه ومساره..فلا اختلاف حول حق الاختلاف في المطلق، كمبدأ متأصل في النفوس وفي صيرورة الحياة، ولكن...سؤال يطرح نفسه : هل حق الاختلاف يحمل أولوية مطلقة تتعدى الزمان والمكان؟ هل مبدئيته تتناقض مع أولويته؟ هل حق الاختلاف يسبق أو يلحق، يتناقض أو يتساوى مع وحدة الصف؟؟؟ نطرح هذا السؤال العصيب لأنه حمال أوجه إذا لم ننزله حق تنزيله، ونرعى إطاره ومحدداته، ولا نتركه دون شروط وحدود وضوابط. الإطار: المشهد السياسي التونسي. المرحلة : مرحلة ما بعد الثورة. المحطة : فترة انتقال ديمقراطي تؤسس للمرور من الثورة إلى الدولة. السلطة : تشرف عليها نسبيا حركة سياسية ذات مرجعية إسلامية. الحالة : واقع متأزم سياسيا واقتصاديا. المشهد العام : ضغوطات وحراك وتنافس غير بريء أحيانا وأجندات معلنة وخفية. المعضلة : المشروع الإسلامي في زاوية الدفاع عن الوجود والبقاء، عبر سعي البعض لعرقلته وإفشاله، أو الإطاحة بأحد عناوينه الكبيرة. حول وحدة الصف من هذا المنطلق وأمام هذه الصعوبة التي يتعرض لها المشروع الإسلامي ممثلا في الحكم عبر حركة النهضة تبدو مسألة حق الاختلاف ثانوية ومن النوافل، أمام ضرورة وحدة الصف وأولويته المطلقة. من هذا المنطلق أيضا وفي حالة الاستثناء التي يعيشها الوضع، يتطلب الاستثناء استثناء، فلا يُلغَى حق الاختلاف في المطلق، ولكن يركن إلى الراحة والسكون والتواري حينا، فلا صوت فوق صوت المشروع الإسلامي في وحدة صفه ونجاحه في رفاهة المجتمع التونسي مادة وروحا. إن الاختلاف ولا شك عنصر إثراء ورحمة إذا عرفنا إطاره ومساره، ووعينا محطاته ومرحلته، وفقهنا تنزيلاته، وهو حق حملته سنة الحياة تباعا وكفله النص القرآني، ولكن جعل له إطارا حازما وحاسما من أخلاق وقيم وضوابط، ولا يتعارض مع الوحدة، وينبذ الخلاف والعداوة. وفي حالنا اليوم وما يعيشه المشهد السياسي من تجاذبات ومن أمواج عاتية، وتركيز البعض على إفشال هذه التجربة الوليدة في الحكم، لا نرى مبررا للإصداع بالاختلاف ولا التركيز على التمايز ولا ملامسة الخلاف والشقاق، وهي مرحلة وقتية وظرفية ، حساسة وخطيرة، تهم المشروع الإسلامي الإصلاحي ككل قبل العناوين والأشخاص والأطر، قضية وجود وبقاء، بعيدا عن الطموحات الشخصية أو القراءات المتوترة أو المكاسب الحزبية أو الحسابات السياسوية، حتى لا نقع في سوء تقدير للمصالح والمفاسد، فندفع الثمن باهظا نتيجة وعي مغشوش وفقه منقوص، وحتى لا يقال لكل العناوين الإسلامية يوما: أُكلتُ يوم أُكلَ الثورُ الأبيض. 20 أفريل 2012 *رئيس حركة اللقاء الإصلاحي الديمقراطي