تطمح تونس التي تعاني من أزمة بحث عن عمل خانقة إلى تطوير قطاع الصناعات التقليدية الذي يقول خبراء إن له قدرة على تعبئة واسعة لليد العاملة وتثبيت السكان بمناطقهم والحد من ظاهرة نزوح الباحثين إلى المدن الكبرى بحثا عن عمل. وتأمل البلاد التي ارتفعت فيها معدلات الباحثين عن عمل إلى 19 في المئة العام 2011 (مقابل 14 في المئة العام 2010) في رفع عدد المشتغلين في قطاع الصناعات التقليدية إلى 412 ألفا مع نهاية العام 2016. ويعمل اليوم 350 ألف تونسي في الصناعات التقليدية أي ما يمثل 11 في المئة من قوّة العمل الإجمالية في البلاد. وأعلن "الديوان الوطني للصناعات التقليدية" (حكومي) أن الصناعات التقليدية وفرت العام 2011 فرص عمل جديدة لحوالي 7000 تونسي أي ما يعادل 10 في المئة من إجمالي فرص العمل الجديدة التي يتم إحداثها سنويا في البلاد. وقال إن صادرات القطاع وفرت العام 2011 إيرادات بقيمة 385 مليون دينار (حوالي 192 مليون يورو) أي ما يمثّل 2,2 في المئة من القيمة الاجمالية لصادرات تونس. وتساهم الصناعات التقليدية سنويا بنسبة 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتبلغ قيمة مبيعات منتجاتها في السوق المحلية 1,5 بليون دينار (750 مليون يورو) في العام. وشرعت الدولة منذ العام 2002 في تنفيذ "استراتيجية" لتطوير قطاع الصناعات التقليدية تستهدف رفع حصة صادرات منتجات الصناعات التقليدية إلى 9 في المئة من أجمالي صادرات البلاد العام 2016. وتستهدف الاستراتيجية أيضا رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى 8 في المئة وقيمة مبيعات منتجاته بالسوق المحلية إلى 5 بلايين و200 مليون دينار (2,6 بليون يورو) في العام 2016. وتطمح الاستراتيجية إلى الزيادة في مشتريات السياح من منتجات الصناعات التقليدية لتبلغ 120 دينار (60 يورو) للسائح الواحد عام 2016. ويزور تونس سنويا نحو 7 ملايين سائح يساهمون في انعاش تجارة منتجات الصناعات التقليدية. وتشجع الدولة على إقامة مشاريع شراكة بين الصناعات التقليدية والسياحة كما تحث على استعمال منتجات الصناعات التقليدية في البناء والتأثيث والديكور في الإدارات والمصالح العمومية داخل البلاد وخارجها (مثل السفارات). وتعتمد الفنادق والنزل التونسية على منتجات الصناعات التقليدية في التأثيث والديكور لتضفي على نفسها "الطابع التونسي" المميّز". وتقوم "استراتيجية" تطوير قطاع الصناعات التقليدية على تقديم الدولة قروضا صغرى ميسّرة للراغبين في بعث مشاريع في القطاع وتخفّيض الأداءات الجبائية والجمركية الموظفة على استيراد التجهيزات والمواد الأولية التي يستعملها حرفيو الصناعات التقليدية. وشرعت الدولة منذ سنوات في إقامة "القرى الحرفية" وهي فضاءات يتجمع فيها الحرفيون لإنتاج وترويج بضاعتهم. وأصبح قطاع الحرف والصناعات التقليدية يجتذب منذ سنوات أعدادا متزايدة من طلاب المدارس العليا للحرف والفنون الذين صاروا يمثّلون اليوم 5 في المئة من مجموع طلاب الجامعات التونسية و5 في المئة من العدد السنوي لخريجيها. وتضاعف عدد طلاب مدارس الفنون والحرف ثماني مرات خلال عشر سنوات إذ قفز من 1926 طالبا فقط عام 1998 إلى 16892عام 2008 ما دفع الحكومة إلى بناء أكثر من 20 مدرسة عليا للحرف والفنون خلال السنوات العشر الفائتة. وتهتم في تونس ثلاثة هياكل بقطاع الصناعات والحرف التقليدية أبرزها "الديوان الوطني للصناعات التقليدية" (حكومي) الذي يخضع اليوم لإشراف "وزارة التجارة". وتتمثل مهمات هذا الهيكل في "التخطيط واستقراء واقع وآفاق قطاع الصناعات التقليدية وتأطير الحرفيين والمؤسسات الحرفية وضبط النواحي القانونية للنشاط والحث على الاستثمار والقيام بعمليات التحفيز والمتابعة". ويضطلع الديوان أيضا بمهمات "تنمية المنتوج بالحرص على الجودة والتشجيع على الابتكار وتنظيم التظاهرات الوطنية والجهوية ومساعدة الحرفيين على المشاركة في المعارض والصالونات المحلية والدولية". ولأداء هذه المهمات يتعاون الديوان مع هيكلين مهنيين آخرين هما "الجامعة (الاتحاد) الوطنية للصناعات التقليدية" و"مجالس الحرف" غير الحكوميين. وتعد "الجامعة الوطنية للصناعات التقليدية" بمثابة نقابة لحرفيي الصناعات التقليدية الأكثر انتشارا، ويتمثل دورها في الدفاع عن المصالح المهنية والاجتماعية والاقتصادية للحرفيين، والمساهمة في تطوير قطاع الصناعات التقليدية، وإنجاز دراسات وبحوث خاصة بالقطاع، والمساهمة في تحسين منظومة التدريب المهني في الصناعات التقليدية. ويتمثل الدور الأساسي لمجالس الحرف في الحفاظ على جودة منتجات الصناعات والحرف التقليدية وتسوية ما قد يستجد من خلافات ونزاعات بين الحرفيين والتجار والزبائن. 75 صنعة وحرفة تقليدية في تونس يصنّف الديوان الوطني للصّناعات التقليدية "كل النشاطات الحرفية التي تمثّل منتوجا يتميّز بطابعه التّراثي ويرتكز أساسا على المهارات اليدوية في كافة مراحل إنتاجه "ضمن قائمة الصناعات التقليدية. ولا يعتبر الديوان بقية الحرف اليدوية (الحرف الصغرى) التي ليس لها "طابع تراثي" ضمن هذه القائمة. وتضبط الحكومة، بموجب "أوامر" (قوانين) تنشر في الجريدة الرّسمية للبلاد، قائمة الصناعات والحرف التقليديّة. وتتميز هذه القائمة بالمرونة إذ يمكن توسيعها لتشمل حرفا جديدة. ولا يتمّ ذلك إلا بعد استشارة "لجنة فنية وطنية" تجتمع للغرض وتصادق على قائمة الحرف الجديدة. وتضم هذه القائمة اليوم 75 حرفة تتوزع بالأساس على 9 قطاعات رئيسية هي النسيج (حياكة الزرابي والسجاد والأغطية الصوفية..)، والملابس (الأزياء التقليدية التونسية)، والجلود والأحذية، والخشب، والألياف النباتية، والحليّ والمجوهرات، والمعادن (أواني النحاس المطروق..)، والبلّور، والطين والحجارة (الفسيفساء والخزف والفخّار...). وتعتبر السلطات التونسية الصّناعات والحرف التقليدية جزءا من الهوية الحضارية والتراثية للبلاد وعنوان أصالة وانتماء وجسرا للتّواصل بين الحاضر وبين ما تعاقب على تونس من ثقافات ضاربة في القدم. ويعتبر "الاتحاد العربي للصناعات التقليدية والحرف" (منظمة عربية مقرها تونس) أن تونس التي لا يتعدى عدد سكانها 12 مليون نسمة، من بين الدول القليلة في العالم التي يشغّل فيها قطاع الصناعات التقليدية عددا "كبيرا" من الحرفيين. ويقول برهان صفية رئيس "الاتحاد" إنّ تونس "متقدمة في مجال الصناعات التقليدية" ولها "الريادة في عدة جوانب مقارنة ببقية الدول العربية... وهو ما جعلها تحظى بشرف احتضان الاتّحاد العربي للصناعات التقليدية والحرف" الذي تأسس العام 2007. ويعمل الاتحاد الراجع بالنظر إلى "المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين" (تابعة لجامعة الدول العربية) على المحافظة على الصناعات والحرف التقليدية في المنطقة العربية وتنميتها وتطويرها لأهميتها التراثية والاجتماعية والاقتصادية.