الأسباب الكامنة خلف اندلاع ثورة الياسمين المجيدة انطلقت شرارتها الأولى عندما أحرق محمد البوعزيزي نفسه أمام ولاية سيدي بوزيد، احتجاجا على وضعه الاجتماعي المتردي. وهذه الحادثة الأليمة لم تمرّ مرور الكرام بل تفاعل وتعاطف معها أهالي المكان لعدة اعتبارات من بينها تفاقم ظاهرة البطالة بين الشباب وتوخي النظام السابق سياسة الكيل بمكيالين في التعامل بين الجهات. إذ نجد عدة مناطق بالجمهورية التونسية فقيرة من ناحية الموارد الأولية لكنها كانت تتمتع بأولويات على مستوى الاستثمارات والبنية الأساسية. ومناطق أخرى غنية من حيث الموارد الأولية ومهمّشة ومحرومة من ناحية الاستثمارات. مما جعل سكان سيدي بوزيد والمتلوي والقصرين يذوقون ذرعا لانعدام العدالة الاجتماعية بين أبناء الوطن الواحد وهذا ما جعلهم يقفون جنبا إلى جنب ويحتجّون على سياسة بن علي الظالمة وغير المنصفة. ولم يخطر ببالهم أنهم بفعلهم هذا يصنعون ثورة تأججت شرارتها كالنار في الهشيم في مختلف ولايات الجمهورية. وما نعجب منه هو أن شعار جل المحتجين إن لم نقل كلهم «الشغل استحقاق يا عصابة السرّاق». واليوم أحزاب المعارضة تتّهم الحكومة بالتقصير من جانب التشغيل والحال أن وزارة التجهيز والإسكان أعطت الإذن لمصالحها المختصة حتى تقوم بتهيئة أريانة الشمالية جعفر كلم 7 طريق رواد. من حيث ربط قنوات التطهير وتعبيد الطرقات وتنوير المنطقة بالإنارة العمومية وإدخال الغاز الطبيعي لكل بيت في هذه المنطقة المهمّشة والمحرومة في العهد السابق. وما نأسف له كثيرا أن المقاول الذي عهدت إليه هذه المناقصة يفتقد إلى اليد العاملة بشهادة موظف يعمل بوزارة التجهيز. والأهالي في حيرة من أمرهم ويتساءلون متى تشرع وزارة التجهيز والاسكان في العمل حتى يصبح الحلم الذي انتظروه طويلا حقيقة؟ وهل سيأتي اليوم الذي نستورد فيه العمال من البنغلاداش والبلدان الافريقية تأسيا بالشقيقة ليبيا وبلدان الخليج؟ وما يأسف له عديد الأولياء هو رؤيتهم أبناؤهم وفلذات أكبادهم يتسكعون في الأزقة والشوارع ويحقرون الأعمال الشريفة والكريمة ولا يحترمونها. أنا لا ألوم الأبناء على تقاعسهم ولا مبالاتهم إزاء الأعمال التي تصنع الحضارة والمجد وربيع الأمم ولكنني ألوم الآباء والأمهات الذين لم يعرفوا كيف يحسنون تربية الناشئة على حب الأعمال الشريفة التي تعود بالنفع عليهم وعلى المجتمع إذ لم تعد الدول المتقدمة التي تمتلك الموارد والثروات. فكم من دولة في هذا العالم ثرية بمخزونها النفطي لكنها تفتقر إلى كفاءة أبنائها في جعل المستحيل واقعا ملموسا مثلما رأيناه في عديد من الدول كاليابان والإمارات العربية المتحدة والبرازيل وغيرها. فهذه الدول لم تبن عزتها ومجدها من فراغ ومن عدم. فكما يعلم الجميع أن اليابان الذي لا يملك من الموارد إلا الذكاء استطاع ان يزاحم الدول المتقدمة مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا وفرنسا وأنقلترا والصين لقدرة أبنائه على التكيف مع واقعهم، فموقع اليابان الجغرافي مهدد بين الفينة والأخرى بالهزات الأرضية والزلازل المتكررة ومع هذا فهم لم ييأسوا من هذه الحياة المشحونة بالمآسي والكوارث الطبيعة. فاليابانيون لم تؤثر فيهم النكبات والأزمات حتى يكونوا من خيرة الدول المتقدمة والعالم يشهد لهم بامتلاكهم لناصية العلم والمعرفة خصوصا في مجال التكنولوجيا الحديثة. بالأمس القريب هزّ زلزال اليابان وقد خلّف العديد من الخسائر المادية والبشرية، حتى أنه أوقع ضررا فادحا بمفاعل نووي نجم عنه تلوث بيئي قتل العديد من اليابانيين. ومع هذا فقد استطاعوا الخروج من منطقة الخطر المحدق بهم والسيطرة على الوضع وبناء دولتهم من جديد. فهم لا يعرفون الاعتصامات ولا وضع العصى في عجلة الاقتصاد الوطني. وما يمتاز به هؤلاء الناس الذين لم يأتوا من المريخ ولا من عطارد ولا من زحل بل هم ينتمون إلى نفس الكوكب الذي ننتمي نحن إليه والفرق بيننا وبينهم أن لهم إرادة وعزم أفضل بكثير مما عندنا لكن عقلية اليابانيين ليست كعقلية التونسيين، فهم حين يعتصمون يضعون شارة حمراء ولا يتركون العمل.