تنطلق الثورات من جانب الشعوب.. فتنطلق معها سريعا الفزاعات من جانب السلطات..هذا ما تم تجسيده بالفعل في العديد من الثورات العربية سواء التي نجحت بالفعل واطاحت بالنظم السياسية في تونس ومصر وبفزاعاتها التي أطلقتها سواء للداخل أو للخارج، او تلك التي تدور رحاها الآن في عدد من الأقطار العربية مثل ليبيا واليمن والبحرين وسوريا، وهو ما يعكس أن أسلوب التخويف والترهيب هو أحد اهم الوسائل التي تلجأ إليها النظم العربية في مواجهة ثورات شعوبها. إلا أنه لم تعد مثل هذه الفزاعات "سلعة مربحة" للنظم العربية للمتاجرة بها لطلب الدعم والشرعية من الغرب، حيث أثبتت فشلها وتهاوت أمام الثورات في مصر وتونس وكذلك في ليبيا واليمن حاليا، وأصبحت الشرعية الوحيدة للحكومات العربية هي الشعوب وليس استخدام مثل هذه الفزاعات لاسترضاء واستقطاب الدعم الغربي. بن علي والإخوانجية! ففي تونس، وقبل هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والإطاحة بنظامه يوم 14 يناير الماضي، أعرب الأخير خلال مكالمة هاتفية مع السفير التونسي المستقيل لدى اليونسكو المازري حداد أن الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي أعرب له قبيل ساعات من هروبه إلى خارج البلاد، عن مخاوفه من وصول "الإخوانجية" إلى السلطة في تونس، في إشارة إلى حركة النهضة الإسلامية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي. وبدا واضحا أن بن علي ظل يستخدم حتى آخر لحظة في حكمه، وخصوصا مع الغرب الداعم التقليدي له، "فزاعة" الإسلاميين، أي التخويف من خطرهم في حال وصولهم للحكم، لتحقيق أغراضه السياسية. ويعرف عن زين العابدين بن علي، بأنه كان يقدم نفسه للغرب كجدار سميك في وجه الإسلاميين يحول دون وصولهم إلى السلطة، وهذا ما يفسر الصمت الغربي عن قمعه وجرائمه مع الشعب التونسي الذي عانى خلال فترة حكم رئيسه الهارب التي امتدت لنحو ربع قرن. مبارك والفوضى! وفي مصر، وقبل تنحي الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، تحدث كثيرا في خطاباته وتصريحاه الأخيرة عن أن بديل نظامه هو الفوضى وعدم الاستقرار ووصول الإسلاميين الى السلطة. وقال مبارك في وقت سابق، في مقابلة مع شبكة تليفزيون "إي بي سي" الأمريكية أجرتها معه الصحفية كريستيانا أمانبور من القصر الرئاسي في القاهرة الخميس 3-2-2011: "لقد سئمت منصب الرئيس وأريد أن أترك منصبي الآن لكنني لا أستطيع خوفا من أن تغرق البلاد في الفوضى وسيسيطر الأخوان المسلمون على الحكم". كما كشفت إحدى الوثائق الأمريكية التي سربها موقع "ويكليكس" عن رسالة سرية مؤرخة في 19 مايو 2009 أرسلتها السفيرة الأمريكية الحالية في القاهرة مارجريت سكوبي لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ونشرتها صحيفة جارديان البريطانية، أشارت فيها الى استخدام الرئيس مبارك دائما لفزاعة الفوضى والمتطرفين. وعرضت الوثيقة رؤية مبارك للإصلاحات السياسية حيث كان يشير بشكل دائم الى النموذج الإيراني – بحسب الوثيقة- حيث طالبت الولاياتالمتحدة شاه إيران باجراء إصلاحات، فما كان إلا أن وقعت البلاد في أيدي المتطرفين الثوريين، وأينما وجدت جهود الولاياتالمتحدة من أجل الإصلاح، فهو يشير إلى الفوضى وغياب الاستقرار، على حد قول مبارك في الوثيقة. صالح و3 فزاعات! وفي اليمن، فإن نظام الرئيس علي عبد الله صالح، في مواجهة ثورة شعبه، لم تختلف كثيرا عن سابقيه في مصر وتونس، سوى في أنه توسع في استخدام الفزاعات لمواجهة الاحتجاجات الشعبية الضخمة المطالبة برحيله عن السلطة. فاستخدم صالح "فزاعة القاعدة في اليمن"، كورقة سياسية يلعب بها نظامه لتخويف الغرب من التغيير واستقطاب الدعم الغربي والدولي لبقائه. وثمة " فزاعة" أخرى يستخدمها نظام صالح، تتمثل في الإشارة دائما الى مخاطر الانفصال في الشمال والجنوب، في حالة الإطاحة بنظامه، وهو ما يعلق عليه معارضون يمنيون أن هذا الانفصال قد يتم فعلا بوجود الرئيس اليمني وبسبب ممارساته وليس عند رحيله، معتبرين أن الثورة السلمية استطاعت أن توحد اليمنيين سواء في الشمال أو في الجنوب. وفي فزاعة ثالثة، حذر الرئيس اليمني من الانقلاب على السلطة مؤكدا أن أي محاولة من هذا النوع ستؤدي إلى حرب أهلية، وذلك بعد انضمام عشرات القادة العسكريين والمسؤولين السياسيين والدبلوماسيين وحتى الإعلاميين إلى المحتجين المطالبين بإسقاط النظام.
القذافي جمع بين القاعدة والصليبيين! وفي ليبيا، لجأ النظام الليبي إلى استخدام فزاعة تنظيم"القاعدة"، محذراً الغرب من أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي سيطر بالفعل على المدن في شرق البلاد وحوّلها إلى "إمارات إسلامية" تابعة لأسامة بن لادن، كما استخدام القذافي فزاعات اخرى مثل تقسيم ليبيا والحرب الأهلية وعودة الحروب الصليبية من جديد الى العالم الإسلامي. وفي البحرين، زادت حدة فزاعة " المد الصفوي الإيراني " في الأراضي البحرينية لمواجهة الاحتجاجات الشعبية الضخمة في المنامة، كما استخدم النظام " فزاعة أو إشكالية الطائفية " بين السنة والشيعة في الداخل البحريني.
حامي الحمى والفزاعة الإسرائيلية!! وفي سوريا، وعلى الرغم من أن الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالتغيير اقيمت على استحياء في بعض المدن السورية مثل درعا، إلا أن النظام السوري بدأ في استخدام فزاعة " مقاومة إسرائيل" و " المخططات الأمريكية في المنطقة" كمبرر لبقائه وتصوير الامر أمام شعبه بأن بديل النظام هو تغلغل امريكي وإسرائيل في سوريا التي يؤكد دوما على أنها ضمانة المقاومة امام إسرائيل، بالرغم من أن نظام حزب البعث الذي ورثه عن والده حافظ الأسد، لم يطلق منذ حرب اكتوبر 1973 رصاصة واحدة ضد إسرائيل في الجولان السورية المحتلة، أي ما يقرب من أربعة عقود!!. وبالرغم من ذلك فإن هذه الفزاعات لم تنل من عضد وعزيمة الثورات في الشعوب العربية، بل نجحت الانتفاضات الشعبية في مصر وتونس وإطاحة بالنظم؛ ضاربة عرض الحائط بأي تخويف من جانب السلطة في حال انهيار نظام الحكم. كما لم تبد الأنظمة الغربية اقتناعا بالفزاعات المرتبطة بصعود الإسلاميين للحكم خاصة بعد أن لمست حقيقة أن ثورات الشعوب العربية ليست حكرا على تيار بعينه بل هي من صنع طوائف الشعب كلها. كما زادت هذه الفزاعات من صمود الثورات العربية في بلدان مثل اليمن وليبيا والبحرين، وبدات إرهاصاتها في بلدان اخرى مثل سوريا، غير عابئة بما يخوف به النظام شعوبه من بديله.