ما الذي يعنيه هذا الهجوم المتواصل والمستفز على حركة النهضة؟ أية فائدة سياسية يمكن أن تجنيها أطياف من المشهد السياسي التونسي حين تجهد في معاداة الاسلاميين وقطع كل جسور الحوار والتواصل معهم؟ ما الذي يمكن أن تغنمه هذه الأحزاب والشخصيات حين تصر على الكذب والامعان في مهاجمة النهضة من خلال اتهامات باطلة ليس لها من سند غير محاسبة النوايا ؟ للعبة السياسية حدود أخلاقية ووطنية لا يمكن تجاوزها الا اذا ما كان المطلوب هو حرق الوطن. من المقبول أن يسعى كل فريق في اطار اثبات مشروعه أن يعمل على دحض مشروع منافسه السياسي ، ومن مقتضيات اللعبة السياسية ترصد أخطاء الخصم السياسي خاصة خلال الحملات الانتخابية، غير أن ما هو غير مقبول مطلقا هو أن يصبح كل مشروع لحزبا ما قائما على شيطنة المنافس السياسي وتصويره على أساس كونه ليس منافسا وشريكا في الوطن وانما خطرا يتهدد الوطن. هذا الهجوم المتواصل على النهضة واستعدائها بكل الأساليب لا يعدو أن يكون غير انتهازية خالصة وغباء سياسي ان لم نقل أنه أصلا خيانة للوطن. ليس سرا ولا مما يخشى الكشف عنه أن النهضة كحزب سياسي له شعبية كبرى تشقه تيارات متعددة تختلف في أطروحاتها كثيرا أو قليلا وهي وضعية شبه عادية باعتبار أن شروط الديمقراطية أن يكون الفعل الديمقراطي متأسسا داخل الحزب ذاته، بالاضافة لما كانت تعيشه الحركة من حصار و تضييق لم يوفر لها فرصة لمناقشة جدية لأطروحات مختلف عليها بين قواعدها. وليس سرا أن هناك حركات وتنظيمات اسلامية على يسار النهضة ويمينها وأن حزب النهضة ليس في نهاية الأمر غير طيف من أطياف المشهد الاسلامي التونسي حتى وان كان أكثرها امتدادا. هذا الاستعداء للنهضة يحمل خطرا شديدا لأنه لن يكن له من نتيجة غير تقوية بعض المواقف المتشددة داخل النهضة وخارجها ودفع حتى بالمعتدلين الى التراجع عن مبادئ الحوار والتوافق مع بقية الاحزاب في اتجاه العمل المنفرد. يحتاج العمل السياسي الى حد أدنى من الأخلاقية وتغليب المصلحة الوطنية وهذه المصلحة الوطنية ذاتها تقتضي أن نرتقي بخطابنا جميعا نحو ما يجمع وما يشجع ويدفع كل ما هو خير وايجابي ومشترك في خطاب الآخر ورؤيته نحو البروز والتمكن.