بثّت التلفزة التّونسيّة ضمن برنامج المنبر الحرّ حلقة تتعلّق بالمصالحة والمحاسبة ، استدعت لها عددا من الكفاءات التّونسيّة ، شمل إلى جانب العميد السّابق لعمادة المحامين بعضا من ممثّلي الأحزاب السيّاسيّة والمجتمع المدني . وقد تطرّق النقاش إلى جوانب تتعلّق بحالة الفساد وأوضاع حقوق الإنسان في عهد الرئيس المخلوع وما ترتّب من جرائم خلال أيّام الثّورة . وقد أكّد أغلب المتدخّلين على أن بأخذ القضاء مجراه الطبيعي في كلّ الإنتهاكات والمخالفات في إطار من الشّفافيّة والعلانيّة استجابة لما يطالب به الضمير التّونسي ، غير أنّ عضو لجنة تقصّي الحقائق والذي أسهم بدوره في النّقاش لم يجاري في الحقيقة وقائع الأمور ، حيث ركّز مجمل حديثه على ما ارتكبه النظام المخلوع خلال أيّام الثّورة من مجازر سواء في تالة أو في سيدي بوزيد ، دون أن يتطرّق إلى المسار الدّموي الذي انتهجه نظام ين علي خلال عقدين من الزّمن ، كما أنّه أشار في مستهل حديثه بالقول : " نحن لا نخضع إلى ما يطلبه الجمهور " مضيفا " إذ لا يقبل أحد أن تفتح السّجون للآلاف المؤلّفة من النّاس " مشيرا بذلك إلى أعضاء حزب التجمّع المنحل . ونحن إذ نحترم وجهة نظر السيّد عضو لجنة تقصّي الحقائق ، إلاّ أنّنا نريد أن نذكّر فقط بأنّه لاوصاية لأحد على مطالب الجماهير ، ناهيك أنّ عمليّات القتل المتعمّد والإعتداء على الحرمة الجسديّة للمواطن لم تكن وليدة الأحداث الأخيرة بل مورست بشكل فضيع منذ تولّي الرئيس المخلوع سدّة الحكم ، وقد كان حريّا بالسيّد عضو لجنة تقصّي الحقائق أن يتضامن مع الأصوات المناديّة بمحاكمة الجلاّدين والمجرمين ، لأنّ تونس اليوم بقدر احتياجها للمصالحة فهي في حاجة أكيدة إلى حكومة وطنية قادرة على تحمّل مسؤوليات المرحلة بشجاعة ووضوح من أجل إعادة الإعتبار لأهل الضحايا وذويهم . والثورة التّونسيّة عندما جاءت فإنّما جاءت لتعيد تشكيل المشهد السياسي على قاعدة القطع مع الماضي وإحداث الإصلاح والتغيير الديمقراطي . وانطلاقا من هذا المبدأ فإنّنا نتطلّع إلى أن تلعب النخب والأحزاب السياسيّة دورها لكشف ما ارتكب من جرائم في حقّ شعبنا والمطالبة بمحاكمة أزلام النظام المخلوع ، وما عدى ذلك فإنّ أيّ محاولة في غير هذا الإتّجاه تعدّ التفافا على مبادئ الثّورة وخيانة مفضوحة لدماء الشهداء .