صحيح أن الصور الاستباقية و أن الخلفيات السمعية تصنع قناعات أولية تكاد تكون راسخة , فالإنسان ابن سمعه كما يقال يشكل آراءه بناء على ما ينقل إليه , و لهذا كانت مسؤولية السمع كبيرة في القران الكريم : ﴿إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ و تقديم السمع على البصر والفؤاد في الآية يكاد يكون من هذا الباب , و لهذا ورد أيضا في القرآن الكريم الأمر بالتثبت عند السماع : ﴿يا أيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين﴾الحجرات 06 , فكم من قناعات صنعناها لأننا سمعنا , و كم من آراء تبنيناها لأن الخبر دق طبول آذاننا . حقيقة تتقدم بين يدي هذا الموضوع الذي يتناول واقعا قد يكون خفيا و لكنه واقع ؛ واقع أرض اختارها الصحابة عليهم رضوان الله لتكون بوابة الفتح للمغرب الأوسط و المغرب الأقصى ( الجزائر و المغرب ) و لكل إفريقيا , و لتكون منطلق النور الذي ولج أوروبا عبر بوابة الأندلس ؛ واقع أرض احتضنت في جنباتها المسجد العظيم بالقيروان الذي كان مركزا للعلم و الدعوة و الجهاد و الثبات , إنه واقع افريقية أو تونسالبيضاء[1]. إذا هي صورة قاتمة معاصرة تحملها الخلفية الفكرية و الدينية لغالبيتنا عن تونس العهد الجديد : انحلال , تفسخ , علمانية متطرفة , مجاهرة بمحاربة الصلاة و الحجاب , مساجد مغلقة , مخامر مفتحة , شعب لا يعرف من الإسلام إلا طقوسا في رمضان و المولد النبوي .., شباب لا يعرف من الإسلام لا اسمه و لا رسمه ..., إلى غيرها من الصور التي ترسخت في أذهاننا مع أخبار سجن الدعاة , و مع حملات الفئة الحاكمة التي تسمى بحملات التنوير و التونسة[2]. تونس العهد الجديد أو عهد التحول أصبحت مرتعا لمن أراد أن يعصى الله تعالى بمناسبة و بغير مناسبة , و أصبحت قبلة يهاجر إليها الشباب من الدول العربية المجاورة بل حتى الأوروبية .. فهناك المتعة مضمونة بأرخص الأثمان . و تزداد هذه الصورة ثباتا و ترسخا وأنت تطوف في شوارع مدن رئيسية كالقيروان و سوسة و الحمامات و نابل و صفاقس و جزيرة جربة و العاصمة ... و غيرها في الشريط الساحلي , أين لا ترى من أثر الثقافة العربية أو الإسلامية إلا الشيء القليل و على حياء ؛ تبحث في وسط ذلك الزخم الأوروبي عن ما يشير إلى وجود الإسلام فلا تكاد تراه , الحجاب منعدم , صوت الآذان غائب , أثر التدين عملة نادرة , حتى و لو ظهرت امرأة محجبة لتبين لك بعد لحظات أنها جزائرية أو ليبية . فهي صورة مشاهدة تؤكد ما ثبت في المخيلة من أن النظام العلماني التونسي نجح في القضاء على الإسلام و كل ماله علاقة بالإسلام و لو شكليا , عبر سياسات قاد كِبَرَها الحبيب بورقيبة أول رئيس لجمهورية تونس , و أتم نسجها زين العابدين بن علي ثاني رئيس عرفته تونس , و ختم زخرفتها حرم الرئيس الثاني الحاملة للواء حرية و حقوق المرأة . من هذا المشاهدات السريعة ترسخت تلك الأقوال و أصبحت تونس قطعة أوروبية مغروسة في المغرب العربي ؛ فهل حقا نجح النظام العلماني في إماتة التدين في تونس ؟ و هل أصبحت تلك المظاهر الغربية من التميع و الانحلال هي شأن تونسي صميم ؟ هل أصبحت أرض الزيتونة مرتعا لكل طال شهوة ؟ * تجفيف منابع التدين : انطلقت خطة تجفيف منابع التدين في تونس من أواسط السبعينات من القرن الماضي خلال حكم الرئيس بورقيبة , أين ركز في خطته الأولى على ما يسمى توْنسة المظاهر العامة و الأفكار و الأخلاق , منطلقا من انتماءاته اليسارية بدأ في تحقيق ذلك عبر مراحل اتسمت في بدايتها بنوع من تحبيب الصورة الجديدة للرجل التونسي و المرأة التونسية , و التي تميزها مظاهر التحرر و التركيز على البناء و التطوير , فاقترن التحرر بنزع الحجاب و اقترن البناء بالدعوة إلى الأكل في رمضان . ثم انتقلت هذه الخطة إلى المرحلة الثانية و التي انتهجت أسلوب الضغط و الإكراه لإبعاد الناس عن الدين , بحجج تتعلق بصورة تونس الدولية و بالتنمية و التنوير إلى مستوى آخر ليكتسب صبغة شمولية خلطت بين مظاهر التدين و بين ما يسميه العلمانيون الإسلام السياسي , ليتحول أدنى مظهر للتدين كالحجاب و اللحية بل مجرد التردد على المساجد علامة على الانتماء لحركة النهضة الإسلامية التي قادت الصحوة , و بالتالي فذلك المظهر يعد تهمة قد تصل بصاحبها إلى السجن و التعذيب . فأصبح الحجاب بذلك زيا طائفيا , و أصبحت الكتب الدينية منشورات مهددة للأمن القومي , و أصبحت صلاة الشباب للفجر دلالة على ميولاته المتطرفة , و بالحديد و النار و القهر و الإفقار [3] تمكن العلمانيون المسيطرون على السلطة - و بعصا الأمن العسكري و البوليس السياسي - من تفكيك أركان النهضة ظاهريا و قتل كل محاولة للعمل الإسلامي في مختلف الميادين وصولا إلى القضاء على الكثير من مظاهر التدين , فأصبح الحجاب مثلا عملة نادرة لا تراه إلا على حياء في بعض المناطق الداخلية . كل ذلك متزامناً مع فتح المجال لقنوات الانحراف و لزوايا الرذيلة بشكل ممنهج ساعده ودعمه إقبال السياح الأجانب , فأصبحت أرض الزيتونة في عهد التحول الجديد مصبا للمعاصي و مرتعا للانحراف و قبلة لعشاق الشهوة . * الخطاب الديني : تزامنت عمليات التجفيف مع خطاب ديني عبر المساجد و قنوات التلفزة وبعض الإذاعات أقل مل يقال عنه أنه خطاب تخديري صميم , خصوصا في الفترة التي سبقت انتشار القنوات الفضائية . فكان هذا الخطاب المسمى دينيا مسوغا بشكل مبالغ فيه في أحيانا لسياسة النظام العلماني الحاكم , فهو الخطاب الذي أعطى شرعية لنزع الحجاب بحجة أن الشكل الموجود لا علاقة له بتونس و واقعها و أعرافها و تقاليدها , وهو الخطاب نفسه الذي أدخل غالب التونسيين في قبضة الفوائد الربوية عندما اعتمد تعميم الضرورة و التي تعد في الفقه الإسلامي من الحالات الاستثنائية التي تقدر بقدرها , و لكنها تحولت في تونس الحداثة إلى أصل يقاس عليه و يعمم . و يتجاوز هذا الخطاب نطاق المعاملات الشخصية و العبادات الفردية إلى نطاق العلاقات الدولية بمفهومها البسيط , أي العلاقات مع غير المسلمين ( اليهود و النصارى خصوصاً ) الذين يمثلون ثلثي من يزور تونس من أجل السياحة ؛ فمن أجلهم اختفى من الخطاب الديني كل توجيه متعلق بمفهوم الولاء و البراء , بل اختفت حتى بعض المعاني التي يعرفها الكبير و الصغير في تفسير القرآن الكريم , فمثلا يركز بعض الخطباء على أن معنى : ﴿غير المغضوب عليهم﴾ هم العاملون بغير علم , و معنى: ﴿الضالين﴾ في سورة الفاتحة هم العالمون بغير عمل , في حين يختفي إطلاق اليهود على المغضوب عليهم و إطلاق النصارى على الضالين , في الوقت الذي يستغرق مفهوم الأخوة الإنسانية مع الجميع غالبية الخطاب في المساجد التونسية . طبعا و لا حاجة إلى ذكر موقف هذا الخطاب من قول الله عز وجل : ﴿و اضربوهن﴾ , حيث أصبح مجرد قراءة الآية حدثاً يذكر عند المصلين . و يقع هذا في ظل إغلاق المساجد حيث لا تفتح إلا خمس ( 05 ) دقائق قبل الآذان , و تغلق خمس ( 05 ) دقائق بعد الآذان مع الخمس دقائق المخصصة للصلاة . أيضا في ظل تقديم نماذج لمسمى الأئمة و الدعاة و دكاترة الشريعة و أساتذة الفقه و العقيدة و الحديث ... تجسد ذلك الخطاب شكلاً و معناً , فتقدم فلانة[4] على أ،ها دكتورة في علم الحديث و أستاذة الحديث في جامعة الزيتونة و هي متبرجة بلباس يستحي المسلم من وصفه فما بالك النظر إليه و إليها[5] . و يزداد التخدير إغراقا من خلال انتشار الطرق الصوفية الضالة بشكل كبير حتى أصبحت تمثل أحد أعمدة النظام الحاكم , و لا يخفى ما تفعله في العقول و القلوب و الجيوب , مع انتشار مكاتب في كل أنحاء تونس لشيء يسمى العالم الروحي أو الشيخ الروحي أو الخبير الروحي ... و هي عبارة عن نماذج معاصرة للمشعوذين و لكن ببدلة و مكتب و موعد مسبق , و يكفي الإطلاع على أي جريدة لتجد الإعلانات الإشهارية لهؤلاء تشغل حيزا مهما من الصفحات المعدة للّإشهار . و لكن يشاء الله تعالى أنه خلال السنوات القليلة الماضية أصبح هذا الخطاب معزولاً عن غالبية المصلين خصوصا الشباب , الذين وجدوا ضالتهم في القنوات الفضائية الدينية و في بعض مواقع الانترنيت . * الطغيان يؤسس لعودة الإيمان : أن تصلي في تونس و تلتزم صلاة الجماعة فهذه جريمة تستحق التزامك مرتين في اليوم بالحضور إلى مركز الأمن . أن تكون لك لحية - و لو كانت خفيفة - فقد أعلنت الحرب على نفسك . أن ترتدي الحجاب : فأنتِ إذا مصرة على نشر الأزياء الطائفية المهددة للأمن العام و الاستقرار الاجتماعي . أن تأمر بالمعروف أو تنهى عن المنكر فتلك حالة دونها قطع الرقاب و تهمة نتيجتها حبل المشنقة ... بالحديد و النار واجه النظام العلماني - المدعي للديمقراطية و الحرية - كل محاولة لالتزام الشباب . و لكن هل حقق هذا نتيجة ؟ الناظر نظرة عامة يقول : نعم ؛ و لكن مهلاً .. فالغوص في ثنايا المجتمع و في أحياء سوسة الشعبية و في أركان مساجد القيروان و القصرين , و في صفوف الطلبة و الطالبات , و عبر مجالس الشباب - العامة و الخاصة - , و عبر الصفحات الالكترونية الاجتماعية ... ينبيك بالخبر اليقين . يقين يعْلمك أن التدين لم يختف من تونس و ن كان قد توارى عن الأنظار خلال السنوات العجاف , فموجات العودة إلى الله تعالى تزداد هديراً في صفوف الشباب بشكل كبير و آخذة أشكالاً كثيرة : Ø العودة إلى المساجد و التزام الصلوات , و يكفيك أن تزور جامع حمزة رضي الله عنه في مدينة حمام سوسة لترى كيف أن الشباب يملأ أركانه صادحاً بذكر الله تعالى , إلى درجة أنك لن تجد مكاناً إذا كان قدومك متأخراً إلى صلاة الجمعة , فالمصلى و الساحة الداخلية و الساحة المجاورة للمسجد كلها عامرة بالذاكرين في مشهد كان غريباً عن تونس قبل سنوات. Ø عودة الخطاب الديني الحقيقي و الصحيح و الواعي لبعض المساجد , فهذا الشيخ لحبيب خماري إمام جامع حمزة[6] يمل لواء الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في جرأة و صراحة لا توجد حتى في بعض الدول التي تنعم بالحرية كالجزائر ..... Ø بداية انتشار الحجاب المقترن بالتحدي إل درجة استفزاز النظام البوليسي من خلال الإصرار على الزي الإسلامي في الجامعات و الأحياء , حتى أن لبس النقاب و الذي يعتبر - عند النظام - جريمة بدأ يظهر بشكل مثير للانتباه . Ø بروز بعض علامات التدين - و إن كانت قليلة - نتيجة موجات التوبة , و التي أصبحت حديث العام و الخاص , فأن يقوم صاحب فندق مشهور بسوسة[7] بإغلاق فندقه لمدة و إعادة فتحه من جديد بعد إغلاق الملهى الموجود فيه و تهديمه و بناء مصلى مكانه , فليس بالحدث العابر في تونس . Ø إقبال العائلات على تحفيظ الأطفال الصغار القرآن الكريم إلى درجة التنافس المحمود , رغم شح مراكز التحفيظ و الكتاتيب , و لكن بعض الاجتهادات الفردية جعلت حفظ الأطفال القران الكريم ظاهرة ملاحظة . إلى غيره من المظاهر الخفية و التي بدأت تنشئ جيلا جديدا و عقلية جديدة , ربما لم يحسب لها الطغيان حساباً , فلم يكن القهر إلا وسيلة لإخفاء التدين لا لإزالته , بل كان في كثير من الأحيان سبباً للعودة إلى تعاليم الإسلام , فحملات تشويه الملتزمين و تسويد صورة الحركة الإسلامية و الترهيب من الدعاة و الشباب المتدين و المحجبات ... جعلت البعض يبحث في حقيقة هذا العدو التونسي المصطنع من طرف النظام و المسمى محليا : ( الاخوانجية )[8] , فكان البحث فتحاً من الله تعالى على الكثيرين فعادوا إلى ربهم و انظموا في شرعة النظام إلى المغضوب عليهم و المحذر منهم . إذا في تونس .. الطغيان يؤسس لعودة الإيمان .. نعم : لم تفلح أبداً كل أساليب التجفيف و الترهيب و التخويف , بل صنعت موجات من التحدي و التمنّع و ردّات الفعل , و التي تزداد جرأة من فترات لأخرى ؛ فتزداد ظهوراً في المجتمع و يزداد انتباه الناس لها . و كأن الطغيان بفعله الأحمق قد أوقد شعلات الإيمان في قلوب الشباب , و هذا ما يحدث وحدث عبر مسارات الإيمان و صراعات الحق و الباطل : ﴿و لله الأمر من قبل و من بعد﴾ . * مستقبل التدين و مصير الطغيان : يشاء الله عز وجل - و هذا المقال قد بلغ شطره - و دون سابق إنذار أن يتحرك الشعب التونسي في انتفاضة عفوية حركت بل هدمت أركان النظام العلماني الظالم , فخرج الشعب فيما أصبح يعرف بثورة 14 جانفي متحدياً كل التسلط و القهر و الإرهاب البوليسي , و ما هي إلا لحظات حتى فر الطاغية و هرب الزبانية أو قبض عليهم من طرف الشعب الذي استخفوا به طويلاً , في آية من آيات الله تعالى قذف ربنا فيها الشجاعة في قلوب المستضعفين , و قذف الرعب في قلوب الظالمين , لتكون حكاية تونس حكايةً أخرى , سطر فيها الشباب المتدين مع باقي فئات الشعب أسطورة أصبحت تونس الزيتونة رمزاً لها , لتكتسي ثورة الياسمين رونقاً تزين بدماء الشباب في القصرين و سيدي بوزيد ... و غيرها فكم من شاب متدين اغتيل خال تلك الأحداث بسلاح القناصة و هو خارج من المسجد . لتكون وفاة أولئك الشباب الطاهر شعلة أخرى تزيد من ضياء مشعل الحرية , و لتكون نهاية الطغيان و مصير الظلم الذل و الهوان : ﴿ فقطع دابر الذين ظلموا و الحمد لله رب العالمين﴾ . فيشاء الله تعالى أن تزول دولة الظلم بما تملكه من قوة وسلطان , و يبقى التدين بشكله البسيط ؛ و لكن هذه المرة ببروز أكبر و ظهور جلي في جنبات المجتمع , الأمر الذي يطرح واقعاً جديداً يحتاج إلى دراسة متأنية ارسم صورة مستقبلية للتدين في تونس . إذ كما هو معلوم أن سياسات تجفيف التدين قد اضطرت الكثيرين من الدعاة و علماء الإسلام إلى الخروج و الهجرة من أرض الزيتونة , و أوصل القهر و التعذيب البعض الآخر إلى القبر أو القبو[9] , بينما لجأ آخرون - و هروبا بدينهم - إلى اعتماد سياسة الخمول و البعد عن الساحة الدعوية , فكانت منابع التدين الجديد تعتمد على القنوات الفضائية و بعض الكتب التي كانت تدخل إلى تونس من الجزائر أو عن طريق الحجاج ... و غيرها سراً و تطالع سراً . و هذا ما شكل نوعاً من التدين البعيد عن حضن العلماء و توجيهات الدعاة , فنشأت بعض الأفكار الشبابية المتطرفة أو القاصرة عن استيعاب حاجات المجتمع التونسي بواقعه الجديد . فقد كان سقوط النظام البوليسي فرصة للشباب للعودة إلى المساجد , بل تحركت بعض الأنشطة الدعوية من دروس و محاضرات .. في مختلف المساجد يشرف عليها بعض من تعرض للابتلاء في العهد السابق , أو بعض طلبة العلم العائدين من مصر و السعودية و سوريا من دون إتمام المشوار العلمي - باستثناء القلة القليلة - حيث عادوا مكرهين في إطار تسليم المتهمين بتهم متعلقة بالإرهاب و التطرف , فعادوا من الحلقات العلمية إلى السجن ليجدوا أنفسهم مباشرة رواداً في المنابر العلمية بالمساجد بعد خروجهم من المعتقل عند سقوط النظام . و يبقى بعض الدعاة المتمكنين قلة لا يمكنهم السيطرة على حماسة الشباب المقبل على المساجد , المتعطش للعدة إلى ربه سبحانه و تعالى . هذا الواقع الجديد يضعنا - من وجهة نظر شخصية - أمام خطر قد يتهدد التدين في مجتمع مثل المجتمع التونسي الذي تغلُب عليه العلمانية و التدين الوراثي و انتشار الشهوات و الملذات ؛ فقد يغرق الخطاب الديني في إثارة صراعات داخلية أو خارجية تلهيه عن حقيقة المهمة الدعوية التي يجب أن يشرف عليها في المرحلة المقبلة . أو قد ينجح في صناعة عداوات مع باقي فئات المجتمع غير المتدينة , و يكرس من خلال ذلك التخوف من المتدينين الذي غرسه النظام السابق في المجتمع . فلست أدري في أي نطاق يمكن أن نصنف طرح موضوع : " اللحية " مثلاً بشكل مبالغ فيه و بطريقة يغلب عليها إصدار الأحكام على غير الملتحين بعد أيام فقط من تحرر المساجد من سلطة البوليس , أخذا بعين الاعتبار أن الثقافة الدينية في المجتمع مازالت غائبة . و هو نفس التساؤل يطرح أمام قيام بعض الشباب بتوزيع قصاصات عن " نواقض الإسلام " في كل مساجد مدينة سوسة , أليس من شأن ذلك أن يهون عند هؤلاء مسألة التكفير و هي مسألة خطيرة جدا ًإن ابتعدت عن الفهم الصحيح فقد تؤدي إلى استباحة الدماء و بإخلاص . و بالتالي يبدو أن الأمر يحتاج إلى توقف من دعاة الإسلام في تونس , و يحتاج إلى تدخل من علماء الإسلام في الخارج ممن لهم مكانة كبيرة عند التونسيين - و الشباب المتدين خصوصاً - من أمثال : الشيخ يوسف القرضاوي , و الشيخ محمد حسان , و الشيخ أبي إسحاق الحويني ...لتوجيه الشباب , و وضع خطط لممارسة العمل الدعوي على بصيرة و علم و هذى , لاستثمار هذه العاطفة الرائعة من التدين , و توجيه هذه القوافل النيرة من العائدين إلى الله تعالى . مع ضرورة التنبه إلى واقع جديد آخر قد يكون عائقاً أما التدين , و هو أن انتفاضة الشعب التونسي برغم مشاركة كل الفئات و الأفكار في صناعتها , إلى أن من تبناها و أصبح يتكلم باسمها في الغالب هم الشيوعيون و اليساريون و العلمانيون الجدد , مما قد ينبئ عن صراع قد ينشب في مستقبل الأيام يقوده هؤلاء ضد الإسلاميين و الملتزمين , خصوصاً في حالة بقاء ترسانة القوانين الحالية كما هي . * التدين مستقبل تونس : صلى التونسيون قبل أيام صلاة الاستسقاء , و هي الصلاة التي غابت منذ 23 سنة , فأنعم الله تعالى بغيث لم يتوقف طيلة أيام , فاستبشر الجميع , و ثبت بحمد الله أن الخير ما يزال كثيراً في أرض الزيتونة , و أن مصير تونس و مستقبلها أن تعود إلى الإسلام , بشرط أن يحسن دعاة الإسلام العمل , و يحببوا الناس في دينهم , و أن يكونوا دعاة لا قضاة : و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله . ينصر من يشاء و هو العزيز الرحيم " الروم 4-5 .
و صلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم
عبد الرحمان بن أحمد بوقرنوس مدينة سوسة 01/02/2011 م
عبد الرحمان بوقرنوس . جمهورية الجزائر ------------------------------------------------------------------------ [1]- تسمى تونس الخضراء و استبدلتها بتونسالبيضاء لأنها بيضت بالإسلام إفريقيا السوداء .
[2]- التونسة : فكرة أن التدين يجب أن يخضع للثقافة التونسية في الشكل و الجوهر بعيدا عن أي أزياء أو أشكال مخالفة لواقع تونس ... و هي كذبة ظاهرة .
[3]- نسبة إلى الفقر : حيث أدخل غالبية الشعب في فقر ممنهج لإلهائه عن أي تفكير آخر .
[4]- لم أذكر اسمها عمدا .
[5]- لابد من أن أذكر هنا الاحتفاء الرسمي ببعض الكتابات و الكتب التي تثير الشبهات أو تمس بعض المقدسات كتكريم صاحبة كتاب " دثريني يا خديجة " .
[6]- جامع حمزة ببلدية حمام سوسة الملاصقة لمدينة سوسة .
[7]- الطريق الساحلي بالقنطاوي .
[8]- الاخوانجية أو السلفية أو الخمينية كلها مصطلحات القصد منها تشويه صورة المتدين في تونس , و ارتبطت هذه المصطلحات بمصطلح آخر : الإرهاب .. و الاخوانجية نسبة إلى الإخوان و الخمينية نسبة إلى ثورة الخميني .
[9]- أسوأ أنواع الزنازين في السجون التونسية , و هي عبارة عن غرف مظلمة توجد تحت الأرض معزولة عن كل العالم , مخصصة للمسجونين السياسيين , من خرج منها حيا فقد وهبت له حياة ثانية .