المتأمل في خطاب كثير من رموز النخبة منذ الثورة إلى الآن وفي المواضيع التي يطرحها الكثير من الناشطين في حقل السياسة والشأن العام يلاحظ أن هناك تحالفا بين مختلف مكونات هذه الفئة من أبناء تونس حول الخوف والتخويف من حركة النهضة وما يطلقون عليه أحيانا بالإسلام السياسي وأحيانا استغلال الدين للسياسة .... وعندما نعود إلى أصل خطاب حركة النهضة وتصريحات قياديها والحوارات التي دارت مع العديد من ناشطيها نجد أنها كلها تلتقي مع الشعارات المرفوعة في الثورة وما قبل الثورة وما بعد الثورة. ليس هناك اختلاف في التصريحات بين أبناء حركة النهضة وبين غيرهم من الناشطين السياسيين في موضوع تمثيلية المؤسسات الحاكمة واعتبار حق المواطنة فوق كل شيء وقد تحقق منذ عهد الرئيس المخلوع وبتحدي للسلطة توافقا بين مختلف مكونات المجتمع المدني وتكرس هذا في مبادرة 18 أكتوبر التي ركزت على المواطنة واحترمت الاختلاف. ولم يكن بوسع تلك المبادرة أن تترجم إلى حراك سياسي كبير ولكنها أزالت بعض الغبار على النخبة في تونس. وفي الفترة الأخيرة وبعد انعقاد اجتماعات عدة لمختلف الأحزاب نجد أن النبرة تغيرت وأصبح الحديث عن حركة النهضة محوره التمويل والمرأة والفتاوى الفقهية السعودية التي تمنع التظاهر وقيادة السيارة على النساء وأفغانسان و.... وكل ما يربك العملية السياسية إلى جانب تأجيل الانتخابات وتأسيس أحزاب حكم عليها الشعب بثورته بالزوال، حصل كل هذا والحال أن النخبة بجماعاتها وأفرادها تعلم أن ما يدعى على حركة النهضة ليس إلا من باب ما أطلق عليه فزاعة الإسلاميين .... إذ أن حركة النهضة لم تعرف الإقصاء للنساء ففي كل مراحل عملها السياسي كانت المرأة ممثلة في مؤسساتها تناضل إلى جانب الرجل معترف لها بدورها الذي تميزت به أمّا وأختا وزوجة وبنتا . فأي تشبيه بين المرأة في حركة النهضة والمرأة في بعض البلاد الإسلامية مع التفاوت لا يمت للواقع بصلة. لم يسأل هؤلاء عن وضع نساء حركة النهضة في أيام الجمر وكيف كنّ يدرن حياتهن برغم كل التحديات والإقصاء ونزعة التحدي التي تميزن بها مستمدات قوتهن من شخصيات نسائية من القرآن والسنة والفقه الإسلامي الذي لا ترى النخبة العلمانية منه إلا ما يروق لها لتحارب به خصومها السياسيين . لو بقي الخطاب سياسيا فذلك ما كنا نبغ ولكن كل ما ذكرت المرأة إلا ونجد في الخطاب استهجانا للدين ولا ينتقد المسؤول الأول في البلاد في وظيفته المؤقتة عن تذييل خطابه ببعض الآيات التي ينمقه بها ولا يتهجم على خطابه هذا بمقولة استغلال الدين للسياسة ولكن يوجه هذا النقد لناشطي حركة النهضة وقد أوضحوا مرات ومرارا أنهم ليسوا ناطقين باسم الدين ولكنهم يرتكزون على الدين في فهم دور الإنسان ووظيفته ولهم خطاب حداثي أكثر من مدعي الحداثة . ومن يريد أن يفهم ويتأكد من حقيقة هذا الخطاب السياسوي المستهجن الذي يدعي على الخصم ما ليس فيه فليعد إلى حقيقة أشخاص هؤلاء المدعين هل مشكلتهم مع النهضة أم مع الإسلام وسيكتشف مقالات لهم ترفض الدين وتحاربه عن طريق مقالات البحث في الرق وفتاوى ليس لها في الواقع من مكان. كيف لا ؟ فهم لم يشاهدوا التجربة التركية التي قامت على أنقاض لائكية أتاتروك و لا يفهمون كتب الشيخ العلامة محمد الطاهر بن عاشور في المقاصد والتفسير ولا كتب المجددين في الفقه الإسلامي، معلوماتهم أقل بكثير من علم هؤلاء وفهم أقل من ذلك