نقابة الصحفيين تندد بحملة تحريض ضد زهير الجيس بعد استضافته لسهام بن سدرين    توزر: إمضاء اتفاقية بين ديوان تربية الماشية وتوفير المرعى والمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية لتحسين إنتاجية وجودة المنتجات الحيوانية    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    الرابطة المحترفة الاولى: حكام مباريات الجولة 28.    مقارنة بالسنة الماضية: إرتفاع عدد الليالي المقضاة ب 113.7% بولاية قابس.    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري دون تسجيل أضرار بشرية    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    أسعار الغذاء تسجّل ارتفاعا عالميا.. #خبر_عاجل    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    النادي الصفاقسي: 7 غيابات في مباراة الترجي    عاجل/ في بيان رسمي لبنان تحذر حماس..    عاجل/ سوريا: الغارات الاسرائيلية تطال القصر الرئاسي    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    في مظاهرة أمام منزله.. دروز إسرائيل يتهمون نتنياهو ب"الخيانة"    جندوبة: سكان منطقة التوايتية عبد الجبار يستغيثون    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    عاجل/ هذه البلدية تصدر بلاغ هام وتدعو المواطنين الى الحذر..    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية في إطار التعيينات الفردية    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    عاجل : ما تحيّنش مطلبك قبل 15 ماي؟ تنسى الحصول على مقسم فرديّ معدّ للسكن!    استقرار نسبة الفائدة في السوق النقدية عند 7.5 %..    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الإفريقي: الزمزمي يغيب واليفرني يعود لحراسة المرمى ضد النادي البنزرتي    عاجل/ قضية التسفير..تطورات جديدة…    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    ارتفاع تكلفة الترفيه للتونسيين بنسبة 30%    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    عاجل/ هلاك ستيني في حريق بمنزل..    سعر ''بلاطو العظم'' بين 6000 و 7000 مليم    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    عاجل/ أمطار أعلى من المعدلات العادية متوقعة في شهر ماي..وهذا موعد عودة التقلبات الجوية..    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    وجبة غداء ب"ثعبان ميت".. إصابة 100 تلميذ بتسمم في الهند    سقوط طائرة هليكوبتر في المياه ونجاة ركابها بأعجوبة    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حديثٌ على هامش الثّورة و الهيئة العليا لحماية أهداف الثّورة التونسيّة
نشر في الحوار نت يوم 10 - 07 - 2011


الشيخ محمد الحبيب مصطفى الشّايبي /
هي الثّورة التّونسيّة التي أيقظت مضاجع الحكّام و أرعدت فرائصهم، يوم انطلقت شرارة البوعزيزي ليفيض كأس الكبت و القمع الذي كابده أبناء هذا الشّعب عقودًا طويلة، فأنجبت هذه الانتفاضة فراغًا سدّهُ من كان بالأمس ماسكًا بزمام الأمور يتحكّمُ من بعيد كان أو من قريب بعصا الديكتاتور، حتى و إن لم يكن من زمرته، فلم يكن البتّة من معارضيه، و طفا على السّطح من كان بالأمس القريب يتمرّغ في رغد العيش و لا يُلقي بالاً لما يقاسيه السواد الأعظم من هذا الشّعب من فاقة و استذلال و عصًا غليظة تكمم فيه، غداةَ الثّورة التي جاءت كنتيجة حتميّة لمسارٍ يُنبِّئ بذلكُم الانفجار و التّاريخ يعلّمنا ذلك باستقراء صفحاته التي تحيلُنا إلى الجزم بأنّ حادثة البوعزيزي إن لم تكن لكان غيرها يُغني عنها، لأنّها القطرة التي أفاضت الكأس، فالكأس كانت فعمةً ببويضات مرشّحة كلّ آونة لإحداث اللِّقاح ثُمَّ المخاض...
غداة هذه الانتفاضة و الثّورة التي لا أُطيقُ تمجيدها، لأنَّا سئمنا مفردات التّمجيد، التفَّ حولها زمرة الديكتاتور المخلوع، للحفاظ مؤقّتًا على منصبه و لا أظنُّ أن أحدًا يُخالف هذا الرّأي، فوزيره الأول و رئيس الحكومة الذي صاحبه طوال عشرين سنة، لم يُطق فراقه، بل و استطاع أن يتلاعب بفصول الدّستور، أقصد رئيس الحكومة السابق " محمد الغنّوشي "، إقرارًا منه على الملء بأنّ تونس لا تزال ملك يمين سيّده، و كأنّ الرّئيس المخلوع خرج في نُزهة و سيعود بعد هنيهة لتهدئة لهيب الثّورة، و لكن مجريات الأحداث على الأرض و قدرُ السّفاح المخلوع، تسير على غير مراده و مُراد أعوانه، بل و أنّ رئيس الحكومة المخلوع كان لا يزال على صلة به عبر الجوال كما أعربَت عن ذلك قناة فرنسيّة، فاضطرّ إلى الجهر بذلك عُنوةً، و لكن قُضيَ الأمر الذي كانا فيه يستفتيان !
فأسرع هؤلاء حتى لا تنزلق البلد في ما لا يُرضيهم، و ما لا يُرضيهم قد يُرضي السّواد الأعظم من الشّعب التّونسي، ألا و هو الخيار الدّيمقراطي !
من لدن رئيس الجمهوريّة المؤقت و الوزير الأول بمقتضى المرسوم عدد 6 لسنة 2011، المؤرّخ 18 فيفري 2011، و هُما اللّذان كانا وجهًا لعملةِ المخلوع و هذا معلوم من الشأن السياسي التونسي بالضّرورة، وقع إنشاء ما يُسمّى: بالهيئة العُليا لتحقيق أهداف الثّورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الدّيمقراطي، فهل مَنْ كان بالأمس يحضُّ على اللاّديمقراطيّة و يكرّسُ الديكتاتورية يمكنه بين عشية و ضُحاها أن يُصبح راعٍ لها ؟
خُرسٌ إذا نُودُوا، لا يسمعُون آهات و أنين المقموعين من غير وجه حق، من لدنِ المخلوع و أزلامه، و السّاكت عن الحقّ شيطان أخرس ! يتمرّغون في نعيم الدّنيا و رغدها، يفُوقون طبقات المسحوقين بأشواط، لا يعيشون كعيشهم و لا يتقاسمون أفراحهم و أتراحهم و هم يعيشُون على نفس الأرض يغشوهم الكِبْر لا يؤثّرون و لا يتأثّرون، هم كانوا كالأوثان، ينقلبُ النّفرُ من هؤلاء بين يوم و ليلة لمُدافع عن الثّورة و الثّوار و ساهرًا على تحقيق أهدافها، و هم الذين لم يذوقوا يومًا طعم الظّلم و التّنكيل، و علقم الجوع و الفاقة و التّتبع الأمني و الإيقاف و السجن... و غيره من مظاهر الإقصاء الاجتماعي... تلكُمُ الكلمات مستهجنة لا تحويها قواميسُهم المتغرّبة، و إن عُدَّ بعضُهم سليلي مشايخ و علماء نُكنُّ لهم وافر الاحترام و التّقدير، فقد يُنجبُ المُفكّر مناهِضًا لفكره بل قد يُنجِبُ عدُوًّا له !
فكيف بهم أن ينتقلُوا بِنا من مُجتمع تكرّست فيه مظاهر الطّبقيّة و الفساد إلى مجتمع عدل اجتماعي تسُودهُ المساواة، و مجتمع أبناء الأثرياء و الأغنياء إلى مجتمع طوباوي يُخيّمُ على فضائه المثلُ الأفلاطونيّة ؟
فكيف لهؤلاء اليوم أن يرفعوا لواء التّغيير الحقيقي و الإصلاح السّياسي و الديمقراطي بل و تقتفي أثر الفساد و المُفسدين؟
كما تنتجُ الحرب أغنياء جدد يُسمّونَ أغنياء الحرب، الذين قاموا على أنقاض الجماجم يُروّجون أدواته و أسلحته حتّى يفتك الإنسان بأخيه الإنسان و يُتاجرون في أودية الدّماء التي أهرقت، كذلك أفرزت الثّورة على غير قصد هذه الطبقة الجديدة على غِرارِ تلكم الطّبقة وُلِدت هذه، سمِّيها إن شئت طبقة أغنياء الثّورة، و ليس الغِنَى المقصود هو الثّراء الماديّ و إنّما أن تعلُوَ هذه الوجوه على السّطح فتصبح متحدّثة بالثّورة و الثّوار في حين كان جلّهمّ ترتعد فرائصه من ظلّه! لا يتجرّأُ أحدهم أن يُدغدغ مشاعر الحاكم و لو بنصف كلمة تؤذيه، فما بالك بانتقاده أو معارضته الذي يبقى حُلمًا مُزعجًا لهؤلاء لا يحبّذُون أن يُراودَ مخيلتَهم، فكانُوا لا يتجرّؤون بالتّفوّهِ بكلمة و لا بحرف حتّى لا تُثار حفيظةُ الحاكم ! ؟ فكيف لهؤلاء أن ينقلبُوا اليوم متحدّثين و مُدافعين عن الثّورة و الثّوار !
هؤلاء هم أغنياء الثّورة و ما قبلها، يتجرّؤون على التّكلّم باسم باسم الثّورة و المُضطهدين بين عشيّة و ضُحاها و يُمسكُ بزمام الإصلاح السّياسي و راعٍ للدّيمقراطيّة بعد أن شهد بأمِّ عينه صلف المخلوع و حاشيته و عائلته و عائلة عشيقته التي تحولت فيما بعد إلى زوجته بعد سنين جمعهما السِّفاح، فما بال هؤلاء ينطقُون اليوم باسم الثّورة و مدافعين عن أهدافها و هم الذين لم يكُونوا يومًا يعرفون معنى الثّورة و لا مؤيّدين حتّى لمن يثُور ؟
بعيدًا عن التّجريد أردت من خلال هذه السّلسلة أن أتناول أهمّ الشّخصيّات التي حوت هذه الهيئة و غيرها مما أُنشأت للغرض أو لغرض مماثل إبّان فجر الثّورة، و تناول شخصيّاتها ليس من باب التّشهير أو القدح أو الثّلب و إنّما تناولها من باب تحليلي علمي موضوعي لا يتنافى مع الأخلاق و إنّما سنتناولها كشخصيّات عامّة برزت للملء فهم لا يمثلون أنفسهم و إنّما يمثّلُون الشّعب، و بذلك لن يكُونُوا في حلٍّ من التّفكيك المنطقي و الموضوعي، حتّى يتعرّف عليهم من قام بالثّورة، فهم إذا تصدّروا الثّورة فعليهم أن يُفصِحُوا عن هُوياتهم و عليهم تحمّل تبعات خضوعهم للنّقد العلمي، الموضوعي، البَنَّاء، فهل هم أهل لتمثيل الثّائرين مع العلمِ سلفًا بأنَّ هؤلاء الثّوار كانوا توانسة مائة بالمائة أي عرب مسلمون و إن اختلفت شرائحَ عن السّواد الأعظم، و حقّهم في الاختلاف محفوظ و مكفول و مقبول، فالشّاذ يُحفظُ و لا يُقاسُ عليه، فهل هم أهل لتمثيل التّونسيين ذوي الهويّة العربيّة الإسلاميّة؟
و هل كانوا يومًا يحملُون لواء الثورة أو حتّى بذورها ؟ و هل ساهمُوا من بعيد أو من قريب في زعزعة عرش الديكتاتور و لو على المستوى الأكاديمي الذي ينتمون إليه ؟
التّساؤلات جمّة، و الإجابة عنها تتطلّبُ إسالة مزيدٍ من المِداد و لكن سنحاول بإيجاز الإجابة قدر الإمكان على هذه الإشكالات.
يترأسُ هذه الهيئة الأستاذ: عياض بن عاشور الذي وقع استدعاؤه غداة الثّورة، و قد التُجئ إليه على أساس أنّه كما أقرّ المرسوم في فصله الثالث: " رئيس يتمُّ تعيينه بأمر من بين الشّخصيّات الوطنيّة المُستقلّة المشهود لها بالكفاءة في الميدان القانوني و السّياسي ".
فهل أنّ رئيس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثّورة و الإصلاح السياسي و الانتقال الديمقراطي { بغضّ النّظر عن شرعيّة الأمر و المرسوم و هل أنّ بقايا النّظام السّابق مؤهّلين بالتّعيين و استعمال ترسانة من القوانين المرسِّخة للدّيكتاتوريّة وُضعت من لدن المخلوع و آلته القمعيّة} يتمتّعُ بهذه الخِصال القانونيّة المذكورة ؟ و ما مدى كفاءة هذه الشّخصيّة لتمثيل الثّورة ؟ و هل لها من مشروعيّة تُذكرُ على الأرض ؟
و ما مدى صحّةِ استقلاليتها ؟ إذا ما سلّمنا بالأمر الواقع و أنّ مسألة التّعيين لا يُقدحُ فيها.
و ما هي نتائج التّعيين بعد الثّورة ؟ و هل حُضِيَ هذا التّعيين برضاء أبناء الثّورة ؟
هذه الشّخصيّة " الوطنيّة "، لم تعرف يومًا ما عملاً ينمُّ على وطنيتها في مجالها الأكاديمي، فما علمنا بقانون أو مشروع قانون أو حتّى مقال ينمُّ على المساهمة في التّغيير الذي يناوئ ديكتاتوريّة بن عليّ لا من قريب و لا من بعيد، و ما عرفنا عن السيد عياض بن عاشور أو "ياض" كما يناديه أقرانه و المقربين له، شيئًا من النّضال الوطني لا سرًّا و لا علانيّةً، في القديم و لا في الحديث، لا كأستاذ للقانون الإداري و لا أستاذًا لفلسفة الدّولة، لا في كليّة العلُوم القانونيّة و السياسية و الإجتماعيّة و لا في غيرها، بل ما يُعرفُ عن الأستاذ عياض بن عاشور بأنّه فرانكفوني التّكوين و متعصّب للفرانكفونية، ذو توجّه يُمازج بين نقيضين اللّيبراليّة و اليسار الشّيوعي المُلحِد، يُريد أن يُحدث شرخًا في الهوية التّونسيّة، فتعصّبه كابن للعاصمة دفعه إلى المناداةِ بِاعتماد الدّارجة التونسيّة " البِلدِيّة " عِوضَ لغة الضّاد، اللّغة العربيّة، اللّغة الرّسميّة لتونس و ليس لنا لغةً سواها ورثناها كابِرًا عن كابرٍ، بل و من تعصّبِه للفرانكفونيّة التي ينتمي إليها قلبًا و قالبًا بانتمائه عبر جمعيات و منظمات منها الأكاديمية، الحقوقيّة الفرانكفونيّة، أراد أن يُدخل بعض الكلمات الدّخيلة على اللّغة العربيّة اقتباسًا من الفرنسيّة، فأوعز لطلبته و هو على أخشاب المدرّج بالجامعة بكلمة أصلها فرنسي و هي كلمة les mœurs أخذها من الفرنسيّة للعربيّة و كأنّ لغةُ القُرآن قاصرة عن التّعبير، فقال : " المواريس " و هي قلبُ الكلمة الفرنسيّة هذه إلى العربيّة بكل سذاجة، و الكلمة تعني العادات و التّقاليد... و ما هذا إلاّ مثال لا يُضاهي التّشدّق الفكري للأستاذ " ياض "، فقد بُثَّ على الملء في الأيّام الأخيرة على قناة غربيّة ناطقة باللّغة الفرنسيّة، بأنَّهُ يتّخذُ من اللهِ صديقًا و ليس كعبدٍ مُستخلفٍ لله، فهو يقول: " بأنّه صديقًا لله و ليس عبدًا له " :
« je suis l'ami d'Allah, n'est pas son esclave ». ( il veut dire son serviteur).
هذا الشّذوذ الفكري العقدي لم يعرفهُ الأولون و لا الآخرون و لكن الشيء من مأتاه لا يُستغربُ.
الصِّفةُ البارزة للأستاذ عياض بن عاشور و هذا ما عهِدَهُ عليه عن كثب جلّ طلبته، بأنّهُ شخصيّة يطغى عليها الكِبر و النّرجسيّة المُفرطة، و هذا الكلام ينسحِبُ على أخيه الأستاذ رافع بن عاشور و الأستاذة سناء بن عاشور أقلُّ منهما في هذا الشأن بدرجة، و ما عهدنا على أستاذنا و لو لمرّة قربه و تقرّبهُ لطرح بعض مشاكل الطلبة لا نقُول لحلّها فهو بعيدٌ كلّ البُعد عن ذلك، و ما كان البتّة يتودّد أو يقترب من طالبٍ قطْ، إلا ما كان منه لصنف مُعيّن من الطّالبات خاصّة اللاّتي ينتمين إلى طبقة طاعنة في الثّراء و لهنّ توجّه يساري، فإذا رأيتهنَّ، رأيْتهُنَّ يتبخترن و في أياديهنَّ السيجارة الرّقيقة، الطويلة، البيضاء " المخصّصة للنّساء " حسب زعمهم، مُرتدين " الميني جيب " و ذلك أمام الملء، لا يأبهون بحشمةٍ تماشيًّا مع العادات و التّقاليد التي يلمِزُ بتغيير اسماها شقيقها " ياض "، لا نقولُ تماشيًّا مع الأخلاق الإسلاميّة فتلك قد تكون كلمة لصيقة بالتّطرّف...، فهذه التّهمة اليوم تُطلقُ على كلّ من يتشبّث من قريب أو بعيد حتّى بعاداته و بتقاليده ناهيك عن دينه و هو في دولة عربيّة دين الدّولة فيها الإسلام، يُخَوِّفُونَ العالمَ كما كان يفعل بن عليّ و قرينه في مصر بدعوى محاربة التّطرف، و ليس في ذلك مسٌّ من حرّيتهم و الحُرّيات الشّخصيّة الأساسيّة كحرّية المُعتقد، فنحن نؤمن جازمين بالحرّيات الشّخصيّة و الجماعيّة و خاصة منها الأساسيّة، بل و كُنَّا إحدى ضحاياها، مهما اختلفت المنطلقات، فقط بالتّسامح و بالإيمان الرّاسخ أنّ تونس تسعُ الجميع في تواؤم و توادد، دون تهكّم و لا تهجم تُحفظُ فيها المُقدّسات و الحرّيات الأساسيّة و الشّخصيّة، فقد حوت تونس العربيّة المُسلمة من ذي قبل مختلف الأديان في تناغمٍ و توادّ مع أهل الكتاب منذ قُرون، فحينما نُكِّل باليهود في أوروبا و طردوا منها صاغرين أيّام نابليون بونابرت و أيّام الحروب العالميّة، لم يجدُوا إلاّ أراضي المسلمين و من هذه الأراضي التي فُتحت لهم أبوابها على مصراعيها تونس، و لكن هذه الموضة اليوم، فمن أردت أن تُربِكهُ كما أربك النّظام القديم و موّه على الأنظمة الأوروبية بأنّهُ يحاربُ التّطرف و هو عين التّطرّف، سهلٌ أن نُلقي التّهم جزافًا و لكن من الصُّعوبة بمكان أن نحاجج و نُقارِعَ بقرائن لا تقبل الدّحض.
فكانت " شِلَّة " الأستاذ " ياض " هذا الصّنف من الأغنياء و أبناء و بنات الأغنياء من أمثال هاجر بالشّيخ أحمد التي كانت بالأمسِ القريب تُروِّجُ لل" بيتشر بويز " على أثير " الإير تي سي إي "، و التي أصبحت في يوم النّاسِ هذا ناطقة باسم ثورة الكرامة تدافِعُ عن أمثال المرحوم محمّد البوعزيزي و عن أمثالك و أمثالي ! و " البِلدِيَّة "، بل بالأحْرى " البِلدِيات " و ذوي التّوجه اليساري، من ملحدين لا يؤمنون بما يؤمِنُ به السّواد الأعظم من أبناء الشّعب التّونسيّ، فأول ما همَّ به هو توزيع المناصب داخل هذه الهيئة للمقرّبين منه و من أصدقاء العائلة كحفيظة الشّقير و باقي " الشِلَّة " من الأساتذة ممن عُرفت عليهم المُهادنة لشخص الأستاذ عياض و ممن كان كظلّه لا يكادُ يُفارِقُه و على رأسهم الأستاذ غازي الغرايري الذي تسلّق بسرعة البرق من أستاذ مساعد إلى أستاذ جامعي للقانون الدّستوري و هو كان الخلّ الودود لعياض بن عاشور ممّا حدا به أن يعيّنهُ نائبه و النّاطق الرّسمي لهذه الهيّئة التي اشتملت على " شِلّة " الأستاذ و المُقرّبين و الأستاذ سليم اللّغماني ذو التّوجّه اليساري و الأستاذ بودربالة و ثُلّة من شلّة الأستاذ الذي قسّم الأدوار بينه و بين أقرانه و المُقرّبين له من الذين جمعتهم إحدى السّمات المذكورة مثل: رابط الدّم أو العائلة أو التّوجه اليساري و اللّيبرالي و المتعصّب للتّغريب بِشقيه المتناقضين الإشتراكي و الرأسمالي اللّيبرالي و الذي يُكِنُّ موقفًا معاديًّا للفكر الإسلامي مهما كان مُستغرقًا في الوسطيّة و إن لم يُفصحْ عن ذلك.
فما استطاع أن يُكسِبهُ الأستاذ " عياض بن عاشور " لطلبة القانون على مدارج الكُليّة هو عدم الولوج إلى قلُوبهم حتّى لا نقول العكس، و ذلك لغياب تواضع الأستاذ " ياض "، و كِبره الذي يبدو من خلال مشيته و هو يتمطّى بين أقرانه في ساحة كليّة " أبناء بن عاشور " و المُقرّبين له الذين شرّفهم بعضويّة هذه الهيئة التي اعتلت مطالب الثّائرين و المُنتفضين، لتتكلّم أصالة عنهم، و هذا محضُ غرابة، كيف تنقلبُ هذه الشّخصيّة التي كانت بعيدة كلّ البُعد عن هموم الطّلبة ؟ الذين كانوا من المُفترض أن يكونوا قريبين له، بل و كان أبعد النّاس عن السّواد الأعظم من الشّعب التّونسيّ، فهو نخبوي في تفكيره، و نُخبوي في أترابه، و نُخبوي في تصرّفاته التي كان يطفو فوق سطورها الكِبر، فكيف يتصدّرُ اليوم مطالب الشّعب الذي انتفض من الفقر و القهر و الإقصاء ! مَن لم يُنظِّر للثّورة و لو بحرف و لم يُجابه الديكتاتوريّة لا من قريب و لا من بعيد و لو بكلمة ؟ بل بالعكس كان على رأس كُليّة موالية لنظام بن علي و لو طغى على مشهدها التّوجّه الذي أشرنا إليه سلفًا فقد كانت كل افتتاحية سنة دراسيّة يزورها نخبة من وزراء و كتّاب دولة الرّئيس المخلُوع و لم تشُذَّ عن ذلك فترة عمادته للكُليّة، بل كان أوّل من يتصدّر المنصّة الشّرفيّة و على جنبه رجالات بن عليّ الذين كانت لهم اليد الطُّولى في الفساد على كلّ المستويات، و كلّ ما ندّعيه موثّق بصور تحتفظ بها الكليّة في ألبوم ذكرياتها، فكيف من كان صديقًا للنّظام المُستبد أن يكون بعد الثّورة التي أطاحت به مواليًّا لها بل يتصدّر هيئاته المناهضة للنّظام السّابق ؟ كثير من نقاط الاستفهام تُثار في هذا المجال و لا تحتملُ إلاَّ إجابةً واحدة.
تمخّضت الثّورة لتُنجِب هذه الهيئة التي يتصدّرُها الأستاذ عياض بن عاشور و المقرّبين له من أساتذة كليّة العلوم القانونيّة و السّياسية و المُقرّبين لعائلة بن عاشور، فيا خيبة المسعى!
في حين تقلّد أخاه الشقيق الأستاذ رافع بن عاشور مقاليد لا تقِلُّ أهميّة عمّا أوتِي " ياض "، كيف لا و هو الذي كان المهندس الحقيقي من وراء الكواليس لترسيخ الآلة القانونيّة القمعيّة حتّى يترأس السّفاح المخلوع البلاد مدى الحياة، فكيف ينقلبُ من كان مهندسَ هذه المشاريع القانونيّة التّي تؤصّل للدّكتاتوريّة بأن يمثّل الثّورة و يلطِّخ دماء الشّهداء الزّكيّة ؟؟؟
أما الوجه الخفيّ الآخر الذي يناهض " التّطرف "، يتمثّل في شقيقة الأستاذ عياض، الأستاذة " سناء بن عاشور "، أستاذة " مدخل في دراسة المؤسّسات الإداريّة " في الكُليّة ذاتها كليّة العُلوم القانونيّة و السّياسيّة و الاجتماعيّة بتونس { هذه الكُليّة التي سنخصص لها حديثًا في ظروف نشأتها و أسباب إحداثها التي كانت وجهًا من وجوه الامتداد الفرانكفوني في البلاد التّونسيّة لم يسبق له مثيل إلاَّ الاحتلال المباشر و أبرز مثال على ذلك اطّلع على برامج الدّراسة الموضوعة من أنصار التّغريب و لها أنصارها في الماضي و الحاضر و أبرز وجوهها إلى جنب الأستاذ عياض بن عاشور، أخاه شقيقه الأستاذ رافع بن عاشور و أخته شقيقته سناء بن عاشور و الأستاذ الصّادق بلعيد الذي نُكنُّ له وافر التّقدير و الأستاذ محمد الشّرفي وزير التّربية الأسبق في عهد المخلوع و الأستاذ عبد الفتّاح عمر رئيس لجنة تقصّي الحقائق و متابعة الفساد بعد الثّورة و الذي شغل منصب رئيس المجلس الدّستوري قبل الثّورة و الأستاذ محمد الفاضل موسى العميد الحالي للكليّة و الأستاذ المُوقّر محمد الصّالح بن عيسى و الأستاذ سليم اللّغماني أحد أعضاء " الهيئة العاشوريّة "... }
فقد تلقت أخته حسب مصادر مطّلعة أشير إلى ذلك في مقال نُشر على أعمدة النيت [1] مبالغ خياليّة ( ستة مائة و إحدى و تسعون ألف دينار تونسي ما يقاربه بالدّولار الأمريكي ) من الإتّحاد الأوروبي و ذلك بدعوى مناهضة و محاربة التّطرّف في تونس ؟؟؟
تقاسم رئيس الهيئة العُليا " لتحقيق " أهداف الثّورة الأدوار مع أخويه و مع المُقرّبين لعائلة بن عاشور و بقيّة أفراد " الشِّلَّة "، و إعطاء دور جدُّ خطير لإدارة دواليب الدّولة و التأثير فيه عن بُعد و ذلك بنصبِ كمائن تشريعيّة تُثقِلُ كاهل المطالب الشّرعيّة و الشّعبيّة التي تُفضي إلى فضاء ديمقراطيّ يهدّد مصالح هذه الزّمرة، لأخيه و شقيقه الأستاذ رافع بن عاشور أستاذ القانون الدّستوري بالكُليّة عينها، الذي كان المهندس لترسيخ الدّيكتاتوريّة في عهد بن علي و الذي يضطلع بمهامّ جسيمة في الوزارة الأولى الحاليّة للحكومة الانتقاليّة !
الجزء الثّاني من ثورة 14 جانفي.

الشيخ محمد الحبيب مصطفى الشّايبي
داعية معتمد بالهيئة العالميّة للتّعريف بالإسلام بأوروبا، إمام و خطيب مسجد الحكمة و نائب رئيس مؤسّسة الحكمة بمدينة لوزان السويسريّة و رجل قانون.
------------------------------------------------------------------------
[1] المصدر هو موقع المدونة الإلكترونيّة " تينيزيا ناس " و أُشير فيه بكل بلاغة عن الدّور الخطير الذي يقوم به شقيق الأستاذ عياض، الأستاذ رافع بن عاشور و دور أختهما الشّقيقة: الأستاذة سناء بن عاشور و ما تتللقّاه من الإتّحاد الأوروبي و غيره من المنظّمات العالميّة بدعوى مناهضة التّطرف في تونس، في حين أنّها تستثمر ذلك لأغراض حزبيّة ضيّقة و تكتل النّساء " الدّيمقراطيات " كما تسميهن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.