دردشة مع شاب تونسي حول موقف الشيخ راشد من الشباب و الجيش د. مختار صادق في نهاية الأمر تلك هي الديمقراطية إذ قد يعجبنا سياسي لسبب أو لآخر و قد لا يعجبنا لسبب أو لآخر أو بدون أي سبب حتى ("ما جاش على المضاغة") و هذا كله من المعلوم في السياسة بالضرورة. أما أنت يا صديقي فقد اتخذت موقفا رافضا للشيخ و لا أظنك تعرف عنه الكثير أو القليل. فلا أظنك مثلا قد قرأت له كتابا (فكتبه كانت ممنوعة في تونس و مدعاة لجلب الويلات لكل من تسول له نفسه قراءتها!) و كغيرك من شباب تونس فالأغلب على الظن أنك قد عرفته فقط من خلال أبواق بن علي المأجورة و انتقاء ات بعض يساريينا غير البريئة و قد عملوا جاهدين لرسم صورة مشوهة عن الرجل و نضالاته و تاريخه المشرف. و موقف الشيخ راشد من الشباب لا يمكن إلا أن ينبع من المرجعية الإسلامية التي يستند إليها (حديث الرسول الكريم "إنما نصرت بالشباب" أو كما قال...و تولية الرسول الكريم لأسامة بن زيد قائدا لجيش الإسلام و عمره أي أسامة لم يتعد السابعة عشر سنة و قد كان تحت إمرته الشيخين أبوبكر الصديق و عمر بن الخطاب...و لا أظن أن يسار تونس أو غيرهم سيازيدون على رسول الله في هذه النقطة بالذات). و أنت ذكرت "قال أيضا في نفس الحلقة عن الجيش عندما دخل سيدي بوزيد و القصرين أنه أداة لبن علي و سيقمع الانتفاظة" ... و الرد على هذا سهل جدا فأنا مثلا كنت أظن نفس الشيئ و كل المراقبين وقتها المتابعين للشأن التونسي كانت لهم نفس المخاوف (كما فعل الجيش من قبل و انحاز إلى السلطة في انتفاضة اتحاد الشغل سنة 78 و انتفاضة الخبز سنة 84 ... ثم انظر إلى الجيش في سوريا و ليبيا و اليمن كيف كان موقفه...فالتحذير من هكذا سيناريو وقتها مطلوب بل و محبذ لإرسال رسالة إلى الجيش و رجاله الأحرار بعدم التورط في دماء التونسيين و ليست دعوة لتخوين مؤسسة الجيش كما ذهبت أنت و كل من لا يرى أي ايجابية في مواقف الشيخ ("صارلك كيف اك اللي كرهت راجلها ولت ما عاد تشوف فيه حتى حاجة باهية :)") ... ثم إن الشيخ لا يمكن الحكم عليه من خلال مقتطفات انزلت في غير سياقها من هنا أو هناك فالرجل ذو فكر عالمي (نعم فكر عالمي) و هو مفخرة لتونس بكل تأكيد (و أنا أقول هذا من خلال احتكاكي بالكثير من المثقفين العرب هنا في أمريكا) و تاريخه مشرف (فهو لم يبع ضميره أو مبادئه من أجل المال أو السلطة رغم كل ما سلط عليه من الظلم و القهر من بورقيبة الى بن علي وصل إلى السجن و الحكم بالإعدام و التهجير). و الشيخ راشد كأي رجل سياسة له أخطاؤه و لذلك دعوت شخصيا في غير ما مناسبة لكي يتفرغ الشيخ للفكر و التنظير للأمة و الإنسانية جمعاء و يترك السياسة فتكتيك السياسة يحتم في الكثير من الأحيان التركيز على المراحل القريبة و ليس على الأهداف بعيدة المدى و هذا الأهم (أنا أعتبر أن أكبر خطأ سياسي عنده هو حسن ظنه بوعود بن علي سنة 88 و لكن لا ينقص ذلك من قيمة الشيخ النضالية) و قد أعترف هو و حركته بأخطائهم في منتصف التسعينات و انزلوا ذلك في وثيقة للنقد الذاتي لم يسبقهم إليها أي حزب سياسي في تونس أو حتى في الأمة العربية أو الإسلامية على حد علمي. ثم إنك تتحدث يا صديقي عن الشباب و كأن الشباب وحده من أتى بالثورة و أن كل شباب تونس (قبل 14 جانفي) كلهم نضال لا تشوبه شائبة! فالشباب كأي شريحة "فيه الباهي و فيه الخايب" و الكثير من الشباب كان "يبندر" لبن علي و التجمع كل السنين الماضية كما هو الحال بالنسبة للكثير من الكهول و المسنين. و بالمقابل فالكثير من الكهول و كبار السن كانوا في مقدمة الثورة فمثلا عندما نزلت شخصيا في مسيرة اتحاد الشغل العارمة بصفاقس يوم 12 جانفي قبل الإطاحة ببن علي بيومين لم أر الكثير من الشباب و كان أغلب المشاركين كهولا. طبعا شبابنا في القصرين و تونس العاصمة و غيرها دفع الكثير منهم ثمنا غاليا و استشهدوا في سبيل الدفاع عن شرف البلاد و أنا و كل التونسيين بما فيهم الشيخ راشد مدينون لهم بذلك و تلك هي سنة التاريخ فأكثر شريحة تدفع الثمن هي الشباب (لذلك فكل الجيوش و حركات التحرر في العالم أغلبيتها الساحقة من الشباب). و نحن عندما كنا شبابا دفعنا قسطنا من السجن و التعذيب و التضييق. لذلك فإنه من الحيف اعتبار الشباب كلهم على بكرة أبيهم مناضلين و هم وحدهم فقط من يستحق لقب الثائرين. فكل التونسيين بشاببهم و شيبهم (عبر نضالاتهم السابقة و الحاضرة) ساهموا في الثورة و يجب علينا كلنا حمايتها و رعايتها من كيد الكائدين. المهم حسب رأيي يجب أن نكون أكثر ايجابية في التعاطي مع مفكرينا و مناضلينا من الرعيل الأول الذين كان لهم شرف إحياء ضمير الأمة عندما كنا نحن نلهو صغارا لا نفقه من الحياة شيئا. و التواصل بين الأجيال هو ضمانة لنجاح الثورة في معاركها القادمة ضد التخلف و الفقر و الإنفراد بالرأي أخيرا أنت تعلم يا صديقي أني لست من النهضة و لا من رجالات الشيخ راشد و لكن هذه كلمة حق يجب أن تقال