من أعظم الجنايات والمفاسد التي ارتكبها حكام العرب ومن والاهم من العلمانيين المتطرفين واللائكيين الحاقدين بحق الأمة منعهم المسجد من أداء دوره الريادي والحضاري في إصلاح الفرد والأسرة والمجتمع. فالمسجد كما نعلم جميعا هو العمود الفقري للأمة الإسلامية وهو خندق الحضارة ومفجر الثورات ضد الإستبداد والدكتاتورية ومصنع تخريج الأبطال فإذا صلح وصلح القائمون عليه صلح أمر الأمة كلها و العكس صحيح. وكما يقول الشيخ راغب السرجاني ) أول عمل قام به الرسول في المدينة كان بناء المسجد. وهذا الأمر لم يكن على سبيل المصادفة ولم يكن مجرد إشارة عابرة ، هذا منهج أصيل لا قيام لأمة إسلامية بغير المسجد ، أو قل لا قيام لأمة إسلامية بغير تفعيل دور المسجد؛ لأن المساجد الآن كثيرة لكنّ الكثير منها غير مفعّل ، ولا يقوم بدوره المنوط به (. ونظرا للمكانة العظيمة التي يحظى بها المسجد وللمزايا الجمة التي يتمتع بها فقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة تامة الشروط ، كان محرابا للعبادة وجامعة لتثقيف وتربية الرجال والنساء ، وبرلمانا لمناقشة مختلف القضايا الهامة وسن القوانين والتشريعات ، ومؤسسة تنفيذية لتلك القوانين والتشريعات ، ومستشفى لمداواة المرضى والجرحى ، وبيتا للمال تجمع فيه لزكوات والصدقات والتبرعات وتصرف في مساعدة المحتاجين ومشاريع التنموية ، ومكانا لإحياء أفراح المسلمين ، وقاعة لممارسة الرياضة والإعداد البدني ، ووسيلة إعلامية لشرح وجهة النظر الإسلامية ورد الشبهات والدعوة إلى الخير. المسجد كما يقول الشيخ راغب السرجاني هو المقرالرئيسي لقيادة الأمة ، فزعماء الأمة الإسلاميّة كانوا دائمًا في زمان ازدهارالإزدهار سواء أيام الرسول عليه الصلاة والسلام أو في أيام الخلفاء الراشدين أو في أي عصر من عصور النهضة والحضارة الإسلاميّة كانوا دائمًا يرتبطون بالمسجد ارتباطًا قويًّا، إنها مأساة حقيقية ألا يدخل زعماءُ الأمة المساجد إلا في المناسبات. عمر بن عبدالعزيز كان يصلي في المسجد صلاح الدين الأيوبي كان يصلي في المسجد. محمد الفاتح كان يصلي في المسجد نور الدين محمود كان يصلي في المسجد. عبد الرحمن الداخل كان يصلي في المسجد. عبد الرحمن الناصر كان يصلي في المسجد يوسف بن تاشفين كان يصلي في المسجد. قلج أرسلان كان يصلي في المسجد. أيُّ بطل من أبطال الإسلام والمسلمين وأيّ قائد رفع رأس الأمة فترة من الزمن كان مرتبطًا بالمسجد. وأَبَى الله إلا أن يخزي كل من تخلّى عن المسجد يخزيه في الدنيا ، وعذاب الآخرة لا شك كبير عند الله لمن حرم الناس من المساجد. إن سياسة الأمة الإسلاميّة كلها من عهد الرسول وبعد ذلك كانت تُدار من داخل المسجد ، فتسير الجيوش من داخل المسجد وتتخذ قرارات الحرب من المسجد وتمضى المعاهدات من داخل المسجد ، واستقبال الوفود زالزعامات في داخل المسجد ، والقضاء وفض النزاعات بين المتخاصمين في المسجد . هكذا كان دوره واسعا يشمل كل جوانب الحياة السياسية والثقافية والتربوية والإجتماعية والإقتصادية والعسكرية والقضائية. أما المسجد في عصرنا الحالي فأصبح عبارة عن حجارة ترفع وأعمدة تشاد وتعلو وزخرفة تملأ الأسقف وتغطي الجدران وصوامع مرتفعة تشبه الكنائس وثريات تكلف مبالغ عالية ، وأجساد تهوي راكعة ساجدة وقلوبها متنافرة خاوية من الإيمان وعامرة بحب الدنيا ، وعقولها فاقدة للعلم والمعرفة والوعي الرسالي. المسجد اليوم قزم دوره وانحصر في تأدية صلوات الجماعة والجمعة والتراويح والأعياد وإقامة حفلات الزواج والعقائق حتى أن أحد الألمان الذين أسلموا فوجئ بكثرة الولائم في المسجد الذي يرتاده ( كل نهاية أسبوع إما زواج أو عقيقة وجبال من الأكل ) فقال كلمة طريفة : قال إنهم يأكلون أكثر مما يعبدون. وتنقسم المساجد في الغرب إلى ثلاثة أقسام 1- مساجد تشرف عليها أو تدعمها السفارات العربية وهي مساجد ضرارمشبوهة تؤسس لحماية العامة من التأثر بالحركات الإسلامية ، ويقوم بعض الساهرين عليها بتتبع الناشطين والمعارضين من الجالية العربية المسلمة وكتابة التقاريرفيهم ، أما الدور الرئيسي لهذه المساجد فهو الدعاية للظلمة وتزيين جرائمهم ومناصرتهم والإشادة بمنجزاتهم الوهمية والدعاء لهم بالنصرعلى شعوبهم والتوفيق والبطانة الصالحة. 2- مساجد أسستها جمعيات عربية وتركية وأفغانية وباكستانية وبوسنية وشيعية تختلف حولها التقييمات فمن مؤيد لكثرتها ( في الشارع الواحد تجد خمسة مساجد وفي بعض الأحيان مسجدين في عمارة واحدة ) زيادة الخير مافيها ندامة ، إلى معارض لذلك باعتبارها دعوة للفرقة وتشتيت الجهود والطاقات والأموال ، إلا أن المتفق عليه أن سلبياتها أكثر من إيجابياتها. هذه المساجد والجمعيات عجزت أن تتوحد ولو لمرة واحدة في السنة ( كأن يؤجروا قاعة كبيرة في الجهة الواحدة ويؤدون فيها صلاة العيد مع بعض ثم يتصافح الجميع إثر انتهاءها). 3- مساجد تشرف عليها بعض الأجيال الواعية من الشباب الملتزم والطلبة واللاجئين السياسيين وهي تسعى لإعادة الدور الطبيعي لها رغم قلة الحيلة وضعف الإمكانيات.. السؤال المحوري في هذا المقال هو من المسؤول عن تخلف أغلب المساجد بالمهجر ومن المسؤول عن تعطيل دورها الحقيقي في بناء وصنع الشخصية الإسلامية المتكاملة ؟ هل الخلل في الأئمة ؟ هل الخلل في القائمين عليها ؟ هل الخلل في تدخل السفارات العربية السافر والمشبوه ؟ هل الخلل في قلة الوعي لدى الجالية المسلمة ؟ - الأئمة ودون بخس لما يقدمونه من جهود طيبة فإن نسبة لا بأس بها منهم لها قسط وافر في تردي أحوال المساجد. من أهم سلبيات هؤلاء : * رضائهم بالتدجين من خلال خضوعهم شبه التام للإدارات الغير الراشدة والمتخلفة أحيانا مما جعلهم مكبلين بالأوامر وحول مهمتهم من رسالة شريفة إلى وظيفة وأكل عيش وأصبح الخوف على الإقامة والشهرية مقدم على واجب النهوض بالمساجد.. * قدوم بعض الكفاءات من أصحاب الدكتوراه والماجستير في الشريعة من المغرب والمشرق الإسلامي إلى ألمانيا وقبولهم بمنصب الإمامة في مساجد قد لا تتناسب مع إمكانياتهم و قد تسيء إلى سمعتهم وتنتهي عادة العقود المبرمة معهم بفصلهم . كان بإمكان هؤلاء البقاء في بلادهم وتبوأ أفضل المناصب في المؤسسات التعليمية والدينية احتراما لعلمهم ومكانتهم. * عدم تكوينهم لجماعات ضغط تكون لهم سندا وعونا عند تعرضهم للأذى والطرد التعسفي من قبل إدارات الجهل والتسلط. * عدم السعي الجدي لتأسيس إطاريجمعهم وينظم وينسق جهودهم ويدافع عن مظالمهم ، وحتى إن وجدت بعض المحاولات فإنها محتشمة للغاية.وليس لها تأثير يذكر. * عدم تضامنهم مع بعضهم مما جعلهم يسقطون الواحد تلو الآخر ( أكلت يوم أكل الثور الأبيض ) كثير من الأئمة ظلموا وطردوا والجميع يتفرج ناسين ان الدور قادم على البقية. * اتصاف العديد منهم بالصبر السلبي والسلمية المبالغ فيها تجنبا للمشاكل مع الإدارة ولو على حساب قول كلمة الحق. * تقصير بعض الأئمة في أداء مهامهم ، حيث يتغيب العديد منهم عن الصلوات المكتوبة وخاصة صلاة الفجرمما يوقعهم في مشاكل مع المصلين ، تقديمهم لبضاعة لا تفي بالحاجة وليست في مستوى آمال أهل المسجد ( بعض الأئمة مستوى اللغة العربية عندهم ضعيف جدا ، زادهم الشرعي هزيل ، المواضيع التي يتناولونها في واد وهموم ومشاكل الناس في واد ، أحضر أحيانا خطبة جمعة أخرج منها حزينا مهموما مكظوما ) ، عدم تثقيف وتطويرأنفسهم من خلال تعلم اللغة والكميوتر وعدم مواكبتهم وفهمهم الواقع الغربي مما يجعل تواصلهم مع الجالية صعبا. تجده يعيش في ألمانيا بعقلية ريف تركيا أوصعيد مصر ، الحال مستو عنده. أحد الآباء شكى إلى الإمام تورط ابنه في علاقة غرامية مع إحدى الفتيات فطلب منه الإمام أن يحضره ليتحدث معه ، حضر الولد فبين له الإمام أن الزنا حرام ومن الكبائر وسأله ( ناسيا أن الولد مولود بألمانيا ومتشبع بثقافة القوم وعقليته عقليتهم ) هل ترضاه لأمك ؟ فأجابه الولد ولم لا وأين المشكل إن رضيت هي بذلك. لا يعني هذا أن الصورة قاتمة تماما فهناك تجارب واعدة ، هناك من الأئمة من نجح في مهامه وأبلى البلاء الحسن ولكنها تبقى حالات محدودة وشاذة والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه. هل الخلل في القائمين عليها ؟ الإجابة نعم والف نعم ، صحيح أن لهم الفضل في بناء المساجد وتشييدها ولكن المشكلة أنهم يتسلطون عليها تسلط حكام العرب على شعوبهم ولا يعرفون شيئا اسمه التداول على السلطة ( يرغبون في البقاء على كرسي الرئاسة مدى الحياة ) ، أو شيئا اسمه توزيع الصلاحيات ( يهيمنون على كل شيء وهم ليسوا أهلا لذلك ، يهيمنون على النشاط الثقافي ، على النشاط الإجتماعي ، على النشاط المالي دون تشريك لأهل الخبرة والإختصاص ) ، أو شيئا اسمه تسليم المشعل لغيرهم عملا بالمقولة ( لكل مرحلة رجالها ) ، أو شيئا اسمه التخطيط المستقبلي ( لا تجد لدى هذه الإدارات الغير الواعية تخطيط ولو لشهر واحد ) ومستعدون لفعل أي شيء من أجل البقاء في هرم السلطة .. مستعدون لتزوير الإنتخابات وحصل هذا في أكثر من جمعية . مستعدون لاختلاق تهم وتوريط منافسيهم ( أحد الإخوة نافسهم في الإنتخابات وفازبرئاسة الجمعية فوجد نفسه ضيفا على التحقيق في مقر المخابرات ). العديد منهم اتهموا بالفساد المالي بسبب جمعهم لكثير من التبرعات وعدم إيفائهم بالوعود التي قطعوها على أنفسهم. إدارات تجدهاعادة من لون واحد إما مغاربة أو مصريين أو شرقيين أو أتراك أوباكستانيين مما يجعل ولاءها أولا للقبيلة والقومية وليس للإسلام ومصلحة المسلمين. لا تحترم الكفاءات وتناصبهم العداء وتمنعهم من المساهمة في بناء الأجيال وتحرم المسلمين من إمكانياتهم. العمل النسائي والشبابي معطل في ظل هذه الإدارات الغير الواعية ، نصف المجتمع مشلول في ظلها ، أحد الأئمة فصل بسبب اقتراحه تحفيظ النساء القرآن وتدريسهن مادتي التجويد والفقه. طالبت مرة بضرورة وجود العنصر النسائي في إدارة الجمعية إلى جانب الرجال ، وكأني كفرت ، وكأني أتيت منكرا عظيما. أتألم كثيراعند زيارتي لبعض الجمعبات ورؤيتي للشباب وهومهمش بسبب غياب التأطير وغياب الأنشطة الفكرية والثقافية والرياضية والكشفية التي تملأ أوقاتهم وتفجر طاقاتهم وتثبتهم على الإيمان . أعجبني اقتراح تقدم به أحد الإخوة الواعين وهو وضع دساتير لهذه الجمعيات تحتوي على قانون انتخابي يكون الترشح فيه بالبرامج ، أن يتقدم كل مترشح ببرنامج ويتم التصويت للبرنامج الأفضل وليس للأشخاص ، وأن تحدد فترة عمل اللجنة المنتخبة بدروتين لا ثالث لهما. هل الخلل في قلة الوعي لدى الجالية المسلمة ؟ الجالية فيها خير كثير ولكن الله يرزقها قيادة راشدة تأخذ بيدها إلى طريق الحق والصواب.