إن أردت أن تعرف حال قوم فأسأل عن حال شبابهم, هكذا قال الحكماء سلفًا, كما يقرّ علماء الاجتماع و القائمون على دراسة الظواهر الاجتماعية للمجتمعات المعاصرة, يقرّون أن الجامعة تمثّل نموذجا مصغّرا عن المجتمع بعد عشر سنوات, أي أنّ الفضاء الجامعي اليوم و ما يدور فيه من تفاعلات و تجاذبات و حِراك بين الطلبة يُعطي صورة تقريبيّة أوّلية و نموذجا مصغّرا عن مجتمعنا بعد حوالي العشر سنوات. من هنا تتأتى أهمية الفضاء الجامعي في صياغة ملامح المستقبل, فلذلك كان من أهمّ رهانات ضمان استمرارية الدكتاتورية تدجين الجامعة و الجامعيين طلبة و اطارات و حتى الجدران لم تسلم.أمّا و قد سقط القناع و فشل هذا المخطط, فإنّه من الواجب أن يعود الفضاء الجامعي الى القيام بدوره التأطيري و لعلّ المسؤولية الاكبر هنا يتحمّلها الطالب ذاته, فهو لم يدخل الجامعة ليتلقّى درسا في تطبيقات الرياضيات على الميكانيكا أو ميكانيكا المواد الصلبة الخ..ثمّ يتخرّج مهندسا أو طبيبا ...و إنّا دخلها ليتعلّم أيضا دروسا في الحياة علّ تلك الدروس تنفعه يوما أكثر ممّا جناه من تحصيله العلمي.إنّ الفضاء الجامعي اليوم و إن أثّرت فيه سياسة التغريب الممنهج فإنّه لا زال يعتزّ بإرثه العربي الاسلامي و يفتخر بهويته العربية الاسلامية و يذكر جيّدا رجالات وطنه, منهم من قضى نحبه رحمة الله عليهم و منهم الذين هم بيننا اليوم من العلماء و النوابغ ... فهؤلاء و غيرهم من أبناء تونس و لم يتخلّوا عن ارثهم الاسلامي ليلتحقوا "ببني علمان " و شركائهم من أصحاب الايدولوجيات المستوردة. و رغم كل العقبات التي واجهتهم فلم يترجعوا انشًا الى الوراء و لم يُثنهم جبروت الطاغوت عن المضي قُدما في سبيل تطوير الفكر الاسلامي و العمل على النهوض بأوطانهم و أمّتهم, فهم أدركوا حاجة امّتهم لهم فلم يدّخروا لهما جهدًا و برعوا في كل المجالات فكانوا خير مثال للوطنية و الصمود. إنّ ما نلحظه اليوم من تصرفات بعض الاطراف السياسية و كيفية تعاملها مع الشباب يستوقفنا و يجعلنا نتأمل مليّا الى ما نحن إليه سائرون إن تبِعنا خطاهم,أنهم يعملون على تخدير العقول و اهدار طاقة الشباب في الشهوات و المجون بعيدا عن نفع البلد و الأمّة, إنّ من واجب كل فرد منا أن يتصدي لهكذا سياسات و أن نعمل و نتمسّك بأمر الله عزّ وجلّ ﴿وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ. الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ﴾ (الشعراء:151-152) يا شباب الأمة و يا طلبة الجامعات و يا من صنعتم الربيع العربي, إنكم الآن قاب قوسين أو أدني من تحقيق حريتكم و انتزاع كرامتكم التي سُلبت, إنكم اليوم تتمتعون بفرصة الاختيار و حقّ الانتخاب اليوم لم يعُد حقّا,إنما هو بات واجبا وطنيا لانّ عدم مشاركتك هي بمثابة تصويت لصالح عدّوك و عدوّ حريتك. إنّ بناء وطنك واجب عليك فأنت بذلك تبني مستقبلك و مستقبل ابنائك و احفادك كما هو واجب عليك العمل و عدم ادخار أي جهد في سبيل النهضة بأمتنا الاسلامية و الرّقي بها و خير ما قال الاستاذ محمد مهدي عاكف مرشد الاخوان المسلمين مخاطبا الشباب: "استمسكوا بدينكم، وانطلقوا بالدعوة الصادقة كما انطلق من قبل إخوانُكم سيروا فإن لكم خيلاً ومضمارًا وفجِّروا الصخر ريحانًا ونوَّارًا سيروا على بركات الله وانطلقوا فنحن نُرْهِف آذانًا وأبصارًا وذكِّرونا بأيام لنا سلفت فقد نسينا شرحبيلاً وعمارًا نريد شبابًا يتحدَّى المفسدين وأعداء الوطن والدين، ويقلب الطاولة على المتآمرين على شباب الأمة، وينادي أنا مسلمٌ أسعى لإنقاذ الورى للنور للإيمان للإسعادِ ويرُوعُنِي هذا البلاء بأُمتي لما تَخَلَّتْ عن طريق الهادي " أيام المظاهرات و المواجهات كنا في أمسّ الحاجة ان يخرج كلّ فرد إلى الشارع و يقف إلى جنب أخيه في خط المواجهة, حينها كنّا في حاجة إلى كل يد لنهدم معا جبروت الدكتاتورية. و اليوم نحن في أمسّ الحاجة أيضا إلى كل صوت لنبني وطننا من جديد و كما نقول بلغة الهندسة- نصمّم مشروع دولتنا, فإن أحسنّا التصميم و الاختيار فقد فُزنا و عشنا مُكرمين أحرارا ,و لكن إن أسأنا الاختيار حينها فقد ضاع حلمنا بعد طول انتظار و بئس القرار. و مع ذلك فإن وعي صنّاع الربيع العربي كفيل ان يجعلنا نميّز بين الثائرين الجُدد مطبلّي الامس القريب راكبي الثورة الذين لا برنامج لهم سوى شراء ذمم الناس, و بين أولائك الثائرين منذ عقود الذين لم يُثنهم لا التعذيب و لا الاغراءات عن منهجهم و واجبهم نحو وطنهم, و هم اليوم يقدّمون خير رؤية للمستقبل و خير برنامج للنّهوض بالوطن.فليكن شعار كل شاب اليوم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة:119), يقول الاستاذ محمد مهدي عاكف: " إن لم تبذلوا اليوم زهرةَ أعماركم من أجل عقيدتكم وأوطانكم ومستقبل أمتكم، فمتى؟ فإلينا إلينا أيها الشباب.. حتى نصنعَ معًا فجرًا جديدًا، ونعيد معًا لأمتنا مجدًا تليدًا. شباب الجيل للإسلام عودوا فأنتم روحُه وبكم يسودُ وأنتم سِرُّ نهضته قديمًا وأنتم فجرُه الزاهي الجديدُ