أسئلة كثيرة مهمة جدا يطرحها الناس كما أسلفت في مقال سابق في أثناء حضورهم إجتماعات الحملة الإنتخابية لحركة النهضة بألمانيا مثلا. من تلك الأسئلة التي شدتني وآليت على نفسي أن أتفاعل معها سؤال طرحته إمرأة منقبة حضرت إجتماعا من تلك الإجتماعات : أي مكان للمنقبات في تونس الغد؟ هذه رؤيتي التي أظنها عامة غالبة. 1 إذا كانت المنقبة إنسانا تونسيا فإن ذلك كاف ألف ألف مرة ليكون التعامل معها على أساس المواطنة وليس على أساس الدين ولا الإلتزام به من عدم الإلتزام ولا على أساس اللغة أو العرق أو الجنس أو اللون بالرغم من أن تونس تعرف إنسجاما إجتماعيا عجيبا جدا. معيار التعامل السياسي والإجتماعي والإداري هو إذن معيار المواطنة الذي جاءت به صحيفة المدينةالمنورة في عهده عليه الصلاة والسلام و التي لم تقصر المساواة في الحقوق والواجبات بين المسلمين فحسب بل تعدى ذلك إلى اليهود والنصارى ومواطني المدينة كلهم يستوي في ذلك من دخل منهم الإسلام مع من أبى. ألم يقل عليه الصلاة والسلام : „ الناس سواسية كأسنان المشط". وقبل ذلك كله ألم يقل سبحانه : „ ولقد كرمنا بني آدم". كل إنسان هو مكرم إبتداء تكريما مباشرا من الخالق سبحانه فلا يهان إلا ظالم حتى نستوفي منه حقه ثم تعود إليه كرامته يستوي فيها مع الناس كلهم. 2 المنقبة إمرأة ملتزمة ولها طريقتها الخاصة في التدين في بعض أجزاء التدين المرتبطة بالضرورة بطريقة الفهم عن الله وعن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. إلتزامها ذاك لا يجعلها أكثر كرامة من غير الملتزمة لا بحجاب ولا بنقاب ولا حتى سافرة بالكلية في قاموس المواطنة وواجباتها وحقوقهها في الإدارة السياسية والمالية والإجتماعية للبلاد. أما عند الله سبحانه فلا يعلم أحد من هو الأكرم ولا من المكرم ولا من الأهون ولا من هو المهان.علم ذلك عنده وحده سبحانه فهو الذي يقضي بين عباده فيما كانوا يختلفون ولو منحنا سبحانه حق معاملة بعضنا بعضا على أسس التقوى والتدين لكان المنافقون في أعلى مصاف التكريم ولشننا حربا ضارية شعواء ضد الكافرين واليهود والنصارى والمشركين والملحدين ولكن تلك فوضى لا تنصلح بها الدنيا ولا يقوم بها الدين. ولذلك لم يقل سبحانه : إن أكرمكم أتقاكم.ولكن قال بتدقيق وتحديد عجيبين جدا : „ إن أكرمكم عند الله أتقاكم". 3 لا ننكر على المنقبة نقابها ولا طريقتها في فهم الإسلام ولا في معالجة التدين بسبب أننا نختلف في الجزئيات والفرعيات والذيول ولو أتفقنا على ذلك لما عاد للإبتلاء من معنى ولما كان لقوله سبحانه من معنى : „ ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم". بل إنه عليه الصلاة والسلام أبصر بعض المنقبات في عهده وإن يكن عددهن قليلا جدا فما أنكر عليهن ذلك بما يعرف في السنة : الإقرار. أي منح النقاب صفة المشروعية سوى أنه لم يوجبه ولكن أوجب الخمار الذي يسمى جهلا : الحجاب وما هو بحجاب لأن الحجاب أمر خاص بالأمهات عليهن الرضوان. النقاب مباح مطلقا من باب إباحة الإسلام للحريات الشخصية والخاصة في المأكل والمشرب والملبس والمسكن واللغة والعمل والميولات والسفر وطرائق الحديث ومعالجة الأمور. ولكل إمرأة أن تقدر الأنسب بها أن تكون منقبة أو يكفيها الخمار.أما أولوية الخمار على النقاب في زماننا وفي مكاننا حتى تونس فضلا عن ألمانيا فهو أمر يدركه أهل الدعوة الإسلامية المعاصرة الذين يعالجون مشاكلها وتحدياتها والحديث فيه لغيرهم لا يجدي كثيرا إلا أن يحاول المرء تحويل أولئك إلى قافلة الدعوة وساحة العمل الإسلامي وعندها يدركون بأنفسهم أن النقاب قد يكون عامل صد عن الإسلام حتى لو ألفت فيه المنقبة راحة نفسية تامة وليس كل الناس يقدمون مصلحة الإسلام على مصالحهم كمن يحج كل عام و يعتمر وأهل الصومال من حوله يموتون جوعا لا يضيره أن تبكي عينه لمشهدهم وهم يموتون جوعا في الفضائيات التي يتفرج عليها وبعد ذلك بدقيقة واحدة تراه يخطط لحجة عدد 10 أو عمرة عدد 100. 4 أما الدعوة إلى فضائل الخلق في مجتمع إسلامي من مثل المجتمع التونسي فهي فريضة إسلامية محكمة وضرورة واقعية. عندما تترسخ الدولة في هويتها العربية الإسلامية دستوريا وقانونيا في تونس إن شاء الله تعالى من بعد إنتخابات المجلس الدستوري الوطني ليوم 23 أكتوبر عندها يمكن للأسس التربوية والإعلامية والتعليمية رسميا وأهليا أن تبدأ في التغير لخدمة أقوى أرضية دستورية يمكن أن تقود البلاد من الفساد إلى الإصلاح أي : التمكين للهوية العربية الإسلامية. حرية المرأة العارية مثلا حرية مصونة دون ريب ولكن ذلك لا يسقط فريضة الدعوة إلى الإلتزام الخلقي في مجتمع إسلامي تحميه دولة جاءت ثمرة ثورة حطمت الأغلال وأذهبت الآصار. سوى أن منهاج تلك الدعوة هو المنهاج الإسلامي ذاته : الدعوة إلى الخلق الكريم وليس إلى الحزب والدعوة بالحكمة وليس بالفوضى والدعوة بالموعظة الحسنة وليس بالعنف والإرهاب والدعوة بالجدال بالتي هي أحسن وليس بالغوغائيات اللفظية الشقشاقة بمثل ما يفعل أدعياء الحداثة وبئس حداثة تسلخ المرء من هويته لتجعله لقمة سائغة في أفواه التماسيح الغربية النهمة. الدعوة على بصيرة وليس عن جهل وأمية : بصيرة بالإسلام وبصيرة بمنهاج الإسلام في الدعوة والجدال وبصيرة بالواقع بمختلف موازناته وتراكماته وترسباته لإلتقاط سلم أولويات يكون إستراتيجية عملية حضارية ثقافية جامعة تستهدي بها الدولة والمجتمع في سبيل مزيد من الإنعتاق وتحرير الإنسان وإستجلاب أسباب رغد عيشه بالعدل والقسط والكرامة والمساواة. خلاصة الرؤية. بين المواطنيين كلهم بعضهم مع بعض أمران : 1 الحرية منداحة لكل تونسي وتونسية دون أي قيد ولا حظر. 2 حق الدعوة إلى القيم التي يضمنها الدستور حق مطلق لكل تونسي وتونسية دون أي قيد ولا حظر. دعوة قد تتخذ لها صور التنظيمات والأحزاب والجمعيات والمنظمات والروابط دون إذن من أحد كلما كانت لا تخالف الدستور من جانب وتتوسل إلى بسط نفوذها على الناس بالحسنى والحوار وليس بالعنف والإرهاب. عندما يستوي الأمر في تونس على ذلك المنهاج الدستوري فقل بحق : أصبحنا ننتمي فعلا وحقا إلى العالم المتحضر المتقدم المثقف الناهض بل نحن من دشن ذلك الطريق بسبب جمعنا بين إنسانية الإنسان ومادية الإنسان وبين فردانية الإنسان وجماعية الإنسان. والله أعلم. الهادي بريك ألمانيا