تناولت القناة الوطنية الأولى في أحد برامجها الحوارية موضوع تفعيل العفو العام الذي صدر بالمرسوم عدد 1المؤرخ في 19-02-2011 والذي ينص في الفصل2 منه على إعادة المفصولين ممن شملهم هذا العفو إلى وظائفهم السابقة ولئن قبلت عديد المؤسسات والوزارات إعادة هؤلاء المفصولين كخطوة أولى، في مسار لا يزال يتطلب الكثير من الإنجازات لتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية والتعويض عن جزء من الأضرار التي لحقتهم هم وعائلاتهم. إلا أن هناك عدد لا بأس به من المساجين السّياسيّين السابقين لم يستفيدوا من هذا المرسوم إما لأنّهم لم تكن لهم وظائف سابقة لكونهم طلبة أو تلاميذ أو كانوا يزاولون مهن حرّة وما شابه. ولكن ما يحزّ في النفس هو أن أفراد جيشنا البواسل من ضباط وجنود من الذين شملهم العفو العام لم تستجب وزارة الدفاع لمطلبهم في العودة إلى سلك وزارة الدفاع وفي معرض ردّها على هذا الإجراء المخالف لما جاء به المرسوم قال العميد المكلف بالشؤون القانونية لدى وزارة الدفاع بأن هذا الإجراء يعتبر بالنظر إلى الطبيعة الخاصة لمؤسسة الجيش من حيث المهام المنوطة بعناصرها يجعل من العسير إعادة إدماج هؤلاء بعد إبعاد لعقدين من الزمن دون ممارسة المهام العسكرية والقيام بالتدريبات الدورية وقد تكون الأوضاع الصحية للبعض منهم على غير ما يرام نتيجة للظروف السجنية القاسية التي مرّوا بها ولئن عبّر بمرارة عن أسفه عن فصل هؤلاء الضباط عن المؤسسة العسكرية واعتبر أن ذلك كان من أخطر الضربات التي تلقها جيشنا الوطني حين تمّ فصل وإهانة خيرة ما أفرزته المؤسسة العسكرية إلا أنّه يرى بأن إعادتهم مهمة مستحيلة. ولكني كملاحظ لا أجد أن التعبير عن الأسف كافيا لإعادة الاعتبار ورفع المظلمة التي وقعت على أبطال جيشنا البواسل بل هناك عديد الأسئلة التي تطرح نفسها وبإلحاح آمل أن أجد وغيري من المواطنين الغيّورين على بلدهم الإجابة عليها وهو إذا كان العميد قد أقر بأن هؤلاء الضباط هم من أكفئ أبناء المؤسسة العسكرية. وحيث من المعلوم أن من أوكد مهام جيشنا الوطني هو الحفاظ على النظام الجمهوري وصون العمل بالدستور ومعاضدة قوات الأمن الداخلي على تنفيذ القانون فهل تتخلى المؤسسة العسكرية عن ضباطها وعنصرها الذين تبيّن الآن أنّهم كانوا أول المستبسلين في الدفاع عن قيّم الجمهورية وعن النظام والقانون أمام رئيس أخذ يستبد وينحرف بالسلطة إلى غير ما تعاقدت عليه الأطراف الاجتماعية منذ تسلمه مقاليد السلطة من سلفه الذي فقد مشروعيته في إدارة الدولة وكاد أن يخرب ما أنجزته تضحيات الشعب أثناء وبعد الاستقلال واستخلص الجميع العبرة من تلك الحقبة التي تلت دولة الاستقلال وما شابتها من خروقات فتجنّد الجميع لإعادة القاطرة إلى جادّتها وأعطى الشعب ثقته في الوعود التي وُعد بها من الطاغية المخلوع وعندما بدأت الموجة الجديدة من الطغيان كان لثلة من ضباطنا وقوات جيشنا الأحرار وقفة جديدة مع التاريخ فرفعوا هاماتهم عالية بينما آثر كثيرون غيرهم أن ينحنوا أمام الطاغية فاسحين له المجال لتحقيق أهدافه التي آلت إلى سحق الآلاف من خيرة شباب تونس ورجالاتها بين السجن والتهجير واستشهد المئات طيلة فترة حكمه وكان من الممكن أن تتواصل محنة الشعب لو لا أن مشيئة الله تعالى أبت إلا أن تحقق إرادة الشعب الذي انتفض في هبت رجل واحد على هذا الطاغية لنيل حريته والدفاع عن كرامته ولن ننسى في ذلك فضل الجيش التونسي بكل مكوّناته وعلى رأسهم الفريق أول رشيد عمار الذي قدّم أروع الأمثلة لما ينبغي أن يتحلى به أي جيش وطني تجاه شعبه. وهنا أتوجه بخطابي إلى هذا البطل الوطني لأقول له كان من الممكن أن تكون خلف القضبان لموقفك الشّهم والشجاع لرفضك الأوامر بإطلاق النار على الشعب كما نمى إلى علمنا وكان من الممكن أن تواجه نفس المصير الذي واجهه أخوانك وزملائك في بداية التسعينات فهل من المروءة أن يتنكر لك الشعب بعد ذلك هذا الموقف؟ ولا يعيد لك الاعتبار إن حصل لك هذا لا سمح الله، وإذا كان هناك من سبب جعل الطاغية يتردد في سجنك لرفضك الأوامر بإطلاق النار على الشعب هو لأنّه لا يزال مثخن بجراحات المواجهة السّياسيّة التي خاضها طيلة فترة حكمه مع الشرفاء في هذا البلد عموما والإسلاميّين خصوصا وعلى قمّة مجد هؤلاء هم أبطال جيشنا الأوفياء الذين كان لهم السّبق عليكم في الدخول في المواجهة منذ بداية التسعينات للدفاع عن أبسط قيّم الجمهورية وهي التداول السلمي على السلطة وحق المشاركة لكل المواطنين في الحياة السيّاسية دون إقصاء ولا تهميش، لذا كما أن الشعب كرمك وأحبك لبطولتك وشجاعتك لقيامك بما يمليه عليك ضميرك وواجبك الوطني وتجاهل ما يمكن أن يكون عليه ماضيك ودورك طيلة فترة حكم بن علي ولكن قيّمك في هذه اللحظة التاريخية والمفصلية من تاريخ تونس والتي أثبتم فيها معدنكم النفيس. لذا فإني أطالبك باسمي وباسم الشعب ولست مفوضا من أحد لأتحدث باسم الشعب ولكني أعلم بأن هذا الشعب الوفي لا يقبل بغير الوفاء عنوانا للشهداء وللأبطال الذين ضحوا من أجل تونس وكرامة شعبها وهذا ما يجعلني أطالبك باسمه دون استئذان منه، لتتخذ الموقف الشجاع والشهم كما عودتنا بإعادة الاعتبار لأبناء المؤسسة العسكرية في احتفال شعبي مهيب يشهده كل العالم يحضره كبار الدبلوماسيّين وأن يقوم رئيس الدولة بتقليدهم بأعلى الأوسمة العسكرية إن لم تكن على سبيل التكليف فلتكن على سبيل التّشريف وإعادة من يرغب منهم إلى المؤسسة العسكرية برتب تكليفيّة فوق العادة هذا أقل ما يمكن للمؤسسة العسكرية أن تفعله مع أبنائها البررة اعترافا منها بحجم تضحيّاتهم شأنهم في ذلك شأن العسكري الذي يأخذ أسيرا في الحرب ثم يعود إلى الديار كيف يتمّ التعامل معه ؟؟ أما إذا تخلت المؤسسة العسكرية عن الاعتراف بحق هؤلاء في العودة إلى مراكز عملهم وتقليدهم المناصب والأوسمة التكليفيّة التي تليق بمقامهم فستكون بذلك قد أخطأت في حقّهم مرتين مرّة عندما تركتهم يواجهون مصيرهم أمام الطّاغية بمفردهم دون أن تتدخل لنجدتهم ومرّة أخرى عندما حقّق الشعب انتصاره على الطاغية ويريد أن يكرّم أبطاله ويراهم مكرّمون،ومعزّزون حتى يكونوا درسا للضباط الشبان لا كما أراده بن علي بل كما يريده الشعب. بقلم:حسين الجلاصي