لم تعد تفصلنا عن اللحظة التاريخية المتألقة تألق تونس و ثورتها سوى أيام معدودات أو ربما سويعات عند قراءة هذه الأسطر! و المقصود باللحظة التاريخية المتألقة هي لحظة انتخابات المجلس الوطني التأسيسي عنوان ثورة الكرامة و الحرية التي سكبت دماء الشهداء الزكية من أجلها مدرارا و قد صدق ابن بلدي حين قال "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية"! لأول مرة بعد قرابة ربع قرن سيتصالح الكثير من التونسيين مع صندوق الإقتراع بعد أن كانت نتائج الإنتخابات و عدد المقاعد المخصصة للمعارضة و نسب المشاركة و عدد الأصوات و ربما حتى عدد الأوراق الملغاة يقع إعدادها مسبقا في دهاليز الداخلية على وقع التعليمات الآتية من قصر قرطاج. أما اليوم فبحمد الله و منته و بفضل تضحيات الشهداء و نضال الشعب التونسي الرائع الذي كان له شرف إيقاظ المارد العربي من قمقمه سيتجه التونسيون ليخطوا ملحمة تاريخية جديدة يوم الثالث و العشرين من شهر أكتوبر المبارك هذا لسنة ألفين و إحدى عشر هذه. فهنيئا مريئا لشعبنا العظيم بهذا الإنجاز التاريخي الذي ستسير على وقعه شعوب المنطقة و العالم مرة أخرى بإذن الله. و مهما كانت نتائج الإنتخابات و مهما كان الفائز و مهما كانت ملابسات عمليات الإقتراع في أي شبر من تراب تونس الحبيبة أو في أي بقعة من العالم ستجرى فيها هذه الانتخابات الجلل و مهما ستتخلل العملية الإنتخابية من تجاوزات فردية أو غير فردية فتونس و الأمة بأكملها قد قطعت شوطا مهما في إرجاع السيادة إلى صاحبها ألا وهو الشعب إذ لا أحد بإمكانه أن يتنبأ بنتائج الإنتخابات قبل إجرائها. و مع كل ذلك يبقى الحذر واجبا لإنجاح العرس الإنتخابي بالحرص على المشاركة المكثفة في الإنتخابات و عدم تفويت هذه اللحظة التاريخية التي قد لا تتكرر أبدا. فيوم الأحد القادم هو يوم للتاريخ! فيا أبناء تونس و يا بناتها هبوا لاستكمال الملحمة التي سطرها الشهداء و ذاقت أجيال صنوف العذاب و القتل البطئ لننعم نحن بهذا اليوم المشهود. و بهذه المناسبة أود من كل الغيورين على الثورة و مكتسباتها و خاصة الإسلاميين أن لا يفتروا في الربع ساعة الأخير أو يصابوا بنوع من الغرور السياسي. فالإنتخابات لم تجر بعد و الأصوات لم تجمع بعد و كثير من الناس ربما مترددون و لم يحسموا أمر مشاركتهم بعد. فالإنتخابات في البلدان الديمقراطية تجرى لآخر جزء بالثانية فلا يظنن أحد أن النتائج قد حسمت و أن كل الناس قد اختاروا من سيمثلهم فحماس المنتمين و المتعاطفين و تفانيهم في اللحظات الأخيرة هو الذي يصنع الفارق و يحدد الفائز في كثير من الإنتخابات خصوصا عند تقارب حظوظ المتنافسين أو عند كثرة المترشحين في ظل قانون انتخابي نسبي لا يعتمد الأغلبية المطلقة كما هو الحال لانتخابات المجلس التأسيسي هذه. فعلى أبناء المشروع الإسلامي و خاصة شباب النهضة و المتعاطفين معها أن لا يتراخوا في المنعطف الأخير و أن لا يستسلموا للراحة و النوم فاللحظات الأخيرة في أي سباق هي من الأهمية بمكان إذ قد تحدث الفارق في الفوز بمقاعد مهمة و خطيرة لمجابهة مرحلة التأسيس القادمة. ثم إنه على كل المراقبين في الإنتخابات الإنتباه الشديد حتى تجري العملية في كنف النزاهة و الشفافية و حتى يكون يوم الأحد القادم عرس إنتخابي بامتياز فقلوب كل التونسيين و أنظار العالم كله منصبة على تونس هذا البلد الصغير في حجمه و الكبير بإنجازاته الحضارية الباهرة. فالرجاء مضاعفة العمل في السويعات القادمة و تشحيع الأهل و الأقارب خاصة في المناطق الريفية على الخروج بكثافة للإدلاء بأصواتهم في هذا اليوم التاريخي. كما يجب على الجميع تجنب الإستفزازات أو الرد عليها و احترام قانون الإنتخابات كعدم الدعاية للمترشحين يوم الإنتخاب أمام مراكز الإختراع. وفق الله الجميع و أعان وطننا الحبيب و أمتنا المتحفزة على اجتياز هذا الإمتحان بنجاح باهر يرفع أسهم تونس و كل العرب و المسلمين عاليا في سماء التاريخ.