إعلامنا الوطني يعيش الثورة على شاكلته الخاصة حيث تحول موقفه مائة و ثمانين درجة بقدرة قادر. فبعد أن كان ديدنه قبل الثورة "الشمس ساطعة و العصافير تزقزق" مهما كانت حالة الطقس تحول بعد الثورة إلى "الظلام مخيم و البوم يغرد" مهما كانت حالة الطقس أيضا! و للتدليل على هذا التحول "الثوري" إليكم هذه العينة. مساء يوم الإثنين الموافق للعشرين من شهر جانفي [يناير] سنة ألفين و أربعة عشر عدت منهكا من عمل يوم طويل ممنِّيا النفس ببعض الراحة و الإرتياح. و بعد التواصل مع الأهل و الأولاد استأذنت في قليل من الوقت لأستمع لنشرة الثامنة على القناة الوطنية الأولى (إعادة) علني أجد في الأخبار القادمة من على الضفة الأخرى ما يثلج الصدر خاصة و أن الدستور على وشك الإكتمال و مسار الإنفراج السياسي بدا يؤتي أكله... ولكن ليتني لم أفعل! فخلال كل ردهات نشرة الأخبار لم أظفر بخبر يدخل على النفس بعض السرور فبعد احتجاجات شهداء الثورة و قضية اغتصاب عوني أمن لفتاة و تعثر الحوار في المجلس التأسيسي و استقالة اربع نواب من حركة النهضة و غضب الأئمة من الدستور الجديد ثم عودة الحوض المنجمي للتحرك من جديد و ما تبعها من قطع للطرقات و إضراب عمال شركة النقل بالكاف و انعدام النور الكهربائي لفلاحي رمادة في الجنوب التونسي إلى العثور على مصنع للأسلحة بولاية قفصة (حيث ذكرت هذه الحكاية أحد المعلقين بحكاية القناصة!!!) ثم إلى خبر سيئ في المجال الإقتصادي حيث ذكر المقدم حرفيا (بإمكانكم إعادة مشاهدة النشرة على موقع التلفزة الوطنية بالشبكة العنكبوتية) ابتداء من الدقيقة سبعة و عشرين و خمسين ثانية ما يلي "و من أخبارنا الإقتصادية أثبتت تقارير صادرة عن مؤسسة "هيرتيج فونداشين" (الأمريكية لسنة ثلاثة عشر و ألفين أثبتت أن تونس مصنفة ضمن الدول الغير حرة اقتصاديا و ذلك نظرا للظروف الإقتصادية و المالية الصعبة التي تمر بها" ثم أردفت المعلقة في نفس السياق قائلة "خسرت تونس مرتبتين مقارنة بسنة ألفين و إثني عشر في مؤشر الحرية الإقتصادية بعد أن تحصلت على سبع و خمسين نقطة فاصل ثلاثة معدلا اعتبره الخبراء ضعيفا إذا قارناه بالمستوى الإقليمي و العالمي". ثم أضاف التقرير شهادات "خبراء" اقتصاديين بعضها أشبه بنعيق غراب البين! استفزني هذا الخبر بالذات و قررت أن أطلع على هذا التقرير و قد تحصلت عليه من موقع المؤسسة المذكورة (يمكنكم الإطلاع عليه عبر الرابط أسفل المقال بلغته الأنقليزية الأصلية). خلاصة القول أن الخبر بالنشرة الوطنية غير متوازن بالمرة و بدا لي جليا أن هناك قصد و نية واضحة من طرف معدي نشرة الأخبار لاظهار الإقتصاد التونسي في صورة سلبية لغاية قد لا تغيب عن ذهن المتابع الحصيف! و للتدليل على ما ذكرت هذه ترجمه لبعض ما ورد في التقرير باللغة الأنقليزية "بلغ مؤشر الحرية الإقتصادية لتونس لسنة الفين و ثلاثة عشر سبعة و خمسين فاصل ثلاثة. و قد سجل مؤشر تونس تطورا بصفر فاصل ثلاث نقطة مقارنة بسنة الفين و اثني عشرة مع تحسن في مؤشر المبادلات التجارية (زائد ستة فاصل ثلاثة بالمائة) و مؤشر حرية اليد العاملة (زائد ثلاثة فاصل خمسة بالمائة) مقابل نقص في مؤشر حرية بعث المشاريع (ناقص اثنين فاصل ستة بالمائة) و مؤشر الحرية النقدية (ناقص اثنين فاصل خمسة بالمائة) كما شهد مؤشر محاربة الفساد تحسنا ملحوظا بنسبة ثلاثة فاصل واحد بالمائة. و قد ذكر التقرير أن تونس شهدت تراجعا متواصلا في مؤشر الحرية الإقتصادية بداية من سنة ألفين و ثلاثة مما أفقدها عشر نقاط كاملة من مجموع نقاطها منذ ذلك التاريخ. يذكر أن تونس متقدمة في الترتيب على جارتيها النفطيتين ليبيا و الجزائر! أردت أن أظهر الصبغة التهويلية في مُعِدِّي نشرة الأخبار بناء على التقرير ذاته. الحقيقة أنا أتعجب من اعتماد نشرة الأخبار على تقرير "هيرتيج فونداشين" و هي (خزان تفكير) مؤسسة تقف على أقصى يمين الحزب الجمهوري الأمريكي و على نفس الأرضية الفكرية لعتاة المحافظين المتشددين حيث تنادي باقتصاد السوق الفاحش و ضرورة إزالة كل العراقيل القانونية و الجبائية أمام المستثمرين و هي ضد تدخل الدولة في القطاع الإقتصادي لحماية الطبقة الضعيفة. ربما سأتكد من تفسيري التآمري هذا عندما أستمع للنشرة الإخبارية في عهد رئيس الحكومة المقبلة السيد مهدي جمعة!