هذا النص أحدد فيه موقفي النهائي وتحذيري من الورطة التي قد يقع فيها الإسلاميون بسبب الخلط بين المفاهيم والمعاني. وقد خصصت نصا سابقا لهذه المفاهيم والمعاني لأبين أن الفصل بين الحزب والدعوة ينبغي ألا تفرض على الدعوة ما يعتبره الحزب شرطا في اعتراف الدخلاء على هوية الأمة باصالته التونسية: 1-فما يسمى إسلام تونسي إذاعرف بما يختلف به عن الإسلام المشترك بين كل المسلمين فهو الفلكلور. 2-وما يسمى حركة إصلاح تونسية إذا عرفت بما تختلف به عن حركة الإصلاح التي شلمت كل دار الإسلام فهو نفي الإسلام من أصله بما يسميه بعض الدراويش تحديث. 3-ويحق للإسلاميين ان يؤسسوا حزبا ذا مرجعية إسلامية والمهم في الحزب هو برامجه واستراتيجياته وليس من المفروض عليه أن يختار تأويلا وحيدا ونهائيا للمرجعية. 4-ليس الحزب مطالبا بتحديد هذه المرجعية اصلا فضلا عن تحديدها تحديدا يرضي أعداء الإسلام. فالحزب يكفي أن يسمى مرجعتيه وأن يتركها مفتوحة على كل الاجتهادات. 5-وهذه الاجتهادات ليست حكرا عليه ولا حتى على الدعوة التي يمكن أن تكون ذات صلة به دون أن تكون محتكرة للدعوة لأن الدعوة هي بعدد مذاهب الفكر الإسلامي التي لا تكاد تتناهى. كذبتا دراويش الحداثة كذبتان أصبحتا تعتبران حقيقتين لا جدال فيهما. فأنتجا وهمين وحصيلة جملية هي الكاركاكوز الجاري حاليا في ما يمسى بالتوافق بين : كيان هجين تفجر قبل أن يتحدد يقف على سوقه فخرب المناخ السياسي وخرب العباد والبلاد. وكيان أصيل قد يفجر نفسه إذا واصل الوقوع في فخ طمع المشاركة في توافق غايته إرجاع ما قبل الثورة. وكلاهما يريد ابقاء التونسيين في إمارة تابعة لتجار مرسيليا بعناق أمريكا التي تحتاج إلى قاعدة تعوض الحلف الاطلسي عن فقدان بنزرت: 1-الكذبة الأولى كذبة خصوصية الإسلام وحركة الإصلاح الخاصين بتونس 2-الكذبة الثانية كذبة تمثيل الإيديولوجيات الدخيلة النموذح التونسي. أما الوهم الأول فهو ما ينتج عن سلطان الكيان الهجين الذي يريد أن يخفي كذبته الثانية برداء الكذبة الأولى : فما يسميه إسلام تونسي هو الفلكلور أي خرافات الزوايا والأولياء الطالحين. وأما الوهم الثاني فهو ما ينتج عن طمع الكيان الأصيل الذي اصبح ذا موقف دفاعي ويذهب إلى حد الاعتراف بأنه قد أهمل الإسلام التونسي وتأثر بإسلام أجنبي. الحصيلة الخطيرة والحصية الجملية هي القبول بسياسة محو هوية تونس والنكوص بالثورة إلى ما قبلها من خلال رفض أهم نتيجتين حققتها : الأولى هي رفض الجغرافيا التي فرضها الاستعمار المباشر حتى يحول دون الأقطار التي فتت جسد الأمة إليها وكل شروط التنمية المستقلة بتأبيد التبعية. الثانية هي رفض التاريخ الذي فرضه أدوات الاستعمار غير المباشر حتى يحول دون شعوب الاقطار والإيمان بنفس المرجعية لتأسيس شرعية النتجية الأولى. وإذا بمن قضوا كامل شبابهم قبل الثورة في نضال هدفه استعادة الوحدتين الجغرافية والتاريخية بفضل المرجعية المشتركة لشعوب الإقليم يصبحون أدوات النكوص إلى تفتيت الأمة مكانا وزمانا طمعا في "سترابونتان" يعطيهم وهم المشاركة في حكم تقودة مافيات خفية الاسم وهم بذلك سيشاركون في كل جرائمها التي ستلصق بهم : ألايرون أن جرائم ستين سنة ونكباتها ردت إلى سنتي الحكم الذي حكموا فيه اسما لا مسى؟ ومن العجائب أن الرأي العام الشعبي صار "بات آ مودلي" بين يدر الدجالين من قفافة تونس وسكارجيتها الذين أغلبهم كان من الصبابة وبات من المفكرين الذين جعلهم الإعلام المنحط فقهاء وفلاسفة يفتون في نموذج الإسلام التونسي. كرنفال خلافة الرئيس وفي الحقيقة فإن هذا الكرنفال بلغ السرعية الجنونية لأن ما يحركه هو السباق لخلافة رئيس الدولة. ولم أكن امزح لما قلت إن نظام السبسي بدأ بما انتهى به نظام بورقيبة : المرض والخرف وفوضى الساحة السياسية في غياب نخبة حكم قادرة على تقديم مصلحة الوطن والامة على طموح العبيد لحكم إمارة هي اليوم أكثر تبعية مما كانت حتى في عهد الحماية. إننا نعيش لحظة التخريب النسقي للبلاد وللثورة وقد تنهاز العشة على الجميع قبل أن تحسم مسألة الخلافة على جثة وطن وثورة: فالكل يرقص في كل الأحزاب وخاصة في شضايا النداء وفي ما قد يؤول إلى تشضي النهضة. هم في الحقيقة يفتحون الباب لعسكرة النظام ربما في أقرب أجل. المغزى العام وعلى كل فإن الدخيل صار صاحب كلمة الفصل والأصيل فقد كل شروط الدور لتلهفه على السلطة : في اللحظة التي تجاوز فيها الإقليم القطرية والخصوصية صار الإسلاميون في تونس الأصيلة يستولون على تونس الإيديولوجيات الدخيلة الاعتراف بهم. ومعنى ذلك أن الشيوعي والبيوع والحركي (بمعناها في الجزائر) وتجار كل شيء وكل اللحاسة وكل الصبابين هم من يحدد نموذج المجتمع التونسي ومرجعيته الروحية التي صارت هي بدورها قطرية أي فلكلورية : فالمرجعية لا تتجاوز زوايا العاصمة وبقايا الحركات الصوفية التي أغلبها من خدم الاستعمار وخدم خدمه.