حدثني صديق بلهفة الغريق قال: "أدركنا يا أخي قد ضاع منّا صديقنا الأديب الصعلوك في حريق، احترق فؤاده بحبّ شقراء إسمها راشال يكرر إسمها بالليل والنهار والناس نيام ويزعم أن له معها موعدا في محطة الأرتال، ومن ذلك اليوم وهو في رحلة تيه وعذاب "بميترو الأنفاق" فيه يسهر وينام على أمل وصال معها أو حتى مجرد لقيا أو سلام أو كلام! حالته استعصت على كل الرفاق والأنام، فهل عندكم في بلاد الجرمان ما يواسيه أو يرده إلى وعيه وينسيه ما يعيش من حرمان"؟ قلت: "الشقراوات في بلاد الجرمان كثيرات ولكن من راشال هذه ومن تكون أو لعلّ صاحبكم قد أصابه مسّ من الجنون"؟ قال: "لا نعلم عنها غير ما سمعناه يقول: "فإن تك راشال بفلسطين صريعة ** فإني في بحر الأنفاق غريق! أهيم بأنفاق القطار وعرضها ** ومالي إلى راشال الغداة طريق! كأن فؤادي فيه مور بقادح ** وفيه لهيب ساطع وبروق! إذا ذكرتها النفس ماتت صبابة ** لها زفرة قتالة وشهيق! وإني بفقدها أجد ضعف ما وجد قيس بن الملّوح فهو لم يُعدم أملا في وصال ليلاه وهي حيّة، وأما أنا فراشالي صريعة غدر بفلسطين لدفاعها عن البساتين وغابات الزياتين"! قلت: "مسكين هام فؤاده براشال فأحبّ فلسطين وقوفا على أطلالها وما حُبّ فلسطين شغف قلبه ولكن حبّ من قُتلت دهسا في فلسطين وهو في هواها إلى اليوم سجين وعن مكنون نفسه لا يكاد يُبين"! قال محدثي: "جمعنا له كل رفاقه المقربين وأصحابه الأقدمين علّهم يعيدونه من غيه وضلاله إلى رشده وصوابه فلم يأبه بهم وكشر كالذئب عليهم نابه! والمشكلة أننا بتنا نخشى عليه من الشعث والهزال الذي أصابه، ولم يقف الأمر عند ذاك فقد تنكر لكل أصحابه وأصبح طيف راشال يأته في كل وقت وحال، يراه في كل الشقراوات ولم يقتنع أن راشاله أصبحت من الأموات! مرة هجم على شقراء رآها براشاله شبيهة فهمّ باحتضانها لو لا أنها ولولت فأوقفته عند حده وجمعت حوله الركاب ولو لم يخلصه من بين أيديهم المغاربة وأبناء بلده لكان اليوم مع راشاله تحت التراب أو في السجن بين صنوانه من المدمنين والمتحرشين والأتراب"! قلت: "مسكين لم يكفه التنكر لرفاقه وخلانه والبحث عن راشاله في المحطات والأنفاق، ها هو يبحث عنها في "شوارع الفايسبوك" و يؤذن صباحا مساء وعند الزوال بهواها كالديك!... ويعوي عواء ذئب جائع وجريح يرمي سهامه في كل الاتجاهات ويبحث عن المعجبين والمعجبات ليدعموا بحثه عن راشال رغم ما بان عليه من خبال وهبال وسوء حال تسرّ العدو وتسيء الصديق! ويتوهم كل ناصح عدوا أو منافسا! قال محدثي: "لقد آلمنا أن نرى أديبنا الصعلوك على هذه الحال في الحلّ والترحال يتعرض للمكر والاحتيال فهذه "ليلى دجين" تسلبه ما وفّره من عمل في طلي الجدران وترك التدخين! ثم توهمه بمعرفة راشال وأين استقر بها الحال وألقت له طعما أسال لعابه وشدّد عذابه شوقا للقاء، فإذا بليلى تسلبه "الصاك" وما حوى وهو كالغرّ وقع في شراكها وما درى! ... جردته من "الصاك" والدريهمات بعد ما أوقعته في الخجل والإرتباك، ثم لفظته وأمرته بالمغادرة دون إلتفات للورى حتى لا ترميه بالتحرش وما يخدش الحياء! وفازت ليلى في جولة "الصاك والكتاب" فزادت هيامه وعمّقت جراحه وآلامه! قلت لمخاطبي: "شكرا فقد فهمت الآن ما أصابه وسنترفق به حتى يعود إلى صوابه وأهله وأصحابه، فهو منّا وإن بغى علينا، سنساعده في البحث عن حكيم أو علاج، وإن استفحل به الداء ولم يمتثل للشفاء حبسناه في قنّ دجاج أو حظيرة نعاج حتى يترك العناد واللّجاج لعله إن تعطر بروائحها "الذكية" نبهت ما غفل فيه من مدارك عقلية فيستعيد النشاط والذاكرة، وتعود به إلى أيام الصبى حين سرق بيض القن وباعه للمعلّم بمليمات ورعى الأغنام في الشعانبي ورضع حليبها مع الحملان حتى يسلم من الجوع والغثيان! وإن لم ينفع معه كل هذا قلعنا أنيابه حتى يخرج العواء من فيه كاللهيث أو الصفير ويبقى على الهامش لا هو من أهل العير ولا من أهل النفير! هذا ما كان من حال أديبنا الصعلوك جعل الله له من كل تيه صحوة وفي كل غزوة ضد التونسي صابر هزيمة وكبوة ورفع ذكره بين الأدباء وألحقه براشاله في قوائم الشهداء! والحمد لله الذي مسخه ذئبا صعلوكا وسلط عليه ليلى وأخواتها وكفاني منه حربا! هذه مني ورقة صفراء أرفعها في وجه جنده ومعجباته وإن لم ينتهوا أردفتها بحمراء وحينها أصبّ على رأسه البلاء وأبطش به دون أن يكتب في قوائم جرحى الثورة أو الشهداء! وقد أعذر من أنذر! والسلام صابر التونسي 11 جوان 2020