الوكالة الفنية للنقل البري تصدر هذا البلاغ    في اجتماعات الربيع: وزيرة الاقتصاد تواصل سلسلة لقاءاتها مع خبراء ومسؤولي مؤسسات تمويل دولية    اليوم: انعقاد الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    وزير السياحة يلتقي رئيس الغرفة الوطنية للنقل السياحي    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    انفجارات أصفهان.. إيران: "لا تقارير عن هجوم من الخارج"    المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يؤكد عدم تعرض البلاد لأي هجوم صاروخي خارجي    بعد فيضانات الإمارات وعُمان.. خبيرة أرصاد تكشف سراً خطيراً لم يحدث منذ 75 عاما    عاجل/ زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب هذه الولاية التركية..    طقس الجمعة: رياح قوية وانخفاض نسبي في درجات الحرارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..سحب كثيفة مع الأمطار..    فرنسا: إصابة فتاتين في عملية طعن أمام مدرسة شرقي البلاد    الأندية المتأهلة إلى نصف نهائي الدوري الأوروبي    سلطنة عمان: ارتفاع عدد الوفيات جراء الطقس السيء إلى 21 حالة    اللجان الدائمة بالبرلمان العربي تناقش جملة من المواضيع تحضيرا للجلسة العامة الثالثة للبرلمان    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    تم جلبها من الموقع الأثري بسبيطلة: عرض قطع أثرية لأول مرّة في متحف الجهة    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    خلال الثلاثي الأول من 2024 .. ارتفاع عدد المشاريع الاستثمارية المصرّح بها    في كمين لقوات الجيش و الحرس ...القبض على أمير كتيبة أجناد الخلافة الإرهابي    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    عاجل/ هيئة الدفاع عن الموقوفين السياسيين: اللّيلة تنقضي مدّة الإيقاف التحفّظي    ارتفاع عائدات صادرات زيت الزيتون بنسبة 82.7 بالمائة    عاجل/ بعد "أمير كتيبة أجناد الخلافة": القبض على إرهابي ثاني بجبال القصرين    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    سوسة: الاستعداد لتنظيم الدورة 61 لمهرجان استعراض أوسو    أنس جابر خارج دورة شتوتغارت للتنس    طبربة: إيقاف 3 أشخاص يشتبه في ترويجهم لمواد مخدرة في صفوف الشباب والتلاميذ    تخصيص حافلة لتأمين النقل إلى معرض الكتاب: توقيت السفرات والتعريفة    سيدي بوزيد.. تتويج اعدادية المزونة في الملتقى الجهوي للمسرح    توزر.. افتتاح الاحتفال الجهوي لشهر التراث بدار الثقافة حامة الجريد    عاجل/ محاولة تلميذ طعن أستاذه داخل القسم: وزارة الطفولة تتدخّل    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    كأس تونس لكرة القدم: تعيينات حكام مقابلات الدور السادس عشر    بعد حلقة "الوحش بروماكس": مختار التليلي يواجه القضاء    جلسة عمل مع وفد من البنك الإفريقي    حملات توعوية بالمؤسسات التربوية حول الاقتصاد في الماء    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    انخفاض متوسط في هطول الأمطار في تونس بنسبة 20 بالمئة في هذه الفترة    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    أبطال أوروبا: تعيينات مواجهات الدور نصف النهائي    عاجل/ تلميذ يطعن أستاذه من خلف أثناء الدرس..    عاجل : نفاد تذاكر مباراة الترجي وماميلودي صانداونز    هام/ تطوّرات حالة الطقس خلال الأيام القادمة..#خبر_عاجل    في انتظار قانون يحدد المهام والصلاحيات.. غدا أولى جلسات مجلس الجهات والأقاليم    الحماية المدنية: 9 حالات وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    ضربة إسرائيل الانتقامية لايران لن تتم قبل هذا الموعد..    البنك المركزي : ضرورة مراجعة آليات التمويل المتاحة لدعم البلدان التي تتعرض لصعوبات اقتصادية    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    مصر: رياح الخماسين تجتاح البلاد محملة بالذباب الصحراوي..    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    توزر: المؤسسات الاستشفائية بالجهة تسجّل حالات إسهال معوي فيروسي خلال الفترة الأخيرة (المدير الجهوي للصحة)    الكاف: تلقيح اكثر من 80 بالمائة من الأبقار و25 بالمائة من المجترات ضد الأمراض المعدية (دائرة الإنتاج الحيواني)    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    جراحة فريدة في الأردن.. فتحوا رأسه وهو يهاتف عائلته    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الظهير البربري والظاهرة الأمازيغية:وهم الحداثة
نشر في الحوار نت يوم 26 - 06 - 2010

«الحركة الأمازيغية حداثية في مشروعها الثقافي والسياسي ونسبية في تصورها لكون الأمازيغية ثقافة عقلانية(1) تتميز بتعارضها مع كل ما هو مطلق»
مصطفى عنترة

يبدو أن التيار الأمازيغي، كباقي التيارات المغربة، ذو توجه إطرائي للحداثة والعقلانية لما لهذين المفهومين من كبير اعتبار في أدبيات الحركة الأمازيغية وتأثير ذلك في بلورة مواقفها السياسية والفكرية. تقدم الحداثة في البلدان الإسلامية على أنها سلعة إنسانية كونية عابرة لكل الثقافات والحضارات والأديان من أجل إخفاء أصلها وجوهرها الذي يتناقض مع الذات الإسلامية. فهي «ثقافة جُلبت إلينا تحت حراب الاستعمار، واستُنبت بأرضنا استنباتا بواسطة تعليم تغريبي كان من طحنه نخبٌ انتهى إلى أيديها، بعد رحيل جيوش الاستعمار، زمام شأننا العام... وحداثتنا إنما هي فرع تابع لا تملك من الأصالة إلا الشعارات والمراوغات والمغالطات والتأويلات المتعسفة»(2).
لا يمكن الفصل بين الحداثة والعلمانية والعقلانية عن الوسط الذي نشأت فيه ويتمثل أساسا في غلو الكنيسة ومحاربتها للعلم وتزمتها، مما جعل استمرار الأوضاع تحت حكم الكنيسة مستحيلا فاندلع الصراع المرير بين الدين المسيحي وبين العلم إلى أن سقط الأول سقطته المذلة وتنتهي أوروبا إلى بلاد عقلانية حداثية وعلمانية. لكننا كمسلمين لا يمكن أن نجعل من كل ما توصل إليه الغرب -صالحه وطالحه- نموذجا مثاليا وحلا جاهزا لكل مشاكلنا بحجة أن الحداثة هي قطع مع الماضي -ماضي ذواتنا- واعتبار ماضي الآخر هو الحاضر والمستقبل. تحولت الحداثة عندنا إلى نزعة جنونية ترى في الماضي والمقدس شيطانا ملازما للإنسان تجب محاربته والثورة عليه، فقط لأنه كذلك ولأن الغرب فعل كذلك، ولأن الغرب مقدس لا يُمكن أن يخطئ. هنا نذكر من نسى أو تناسى أن شعوبا مستضعفة كثيرة استعمرت واستحمرت من طرف دول غربية "حداثية متنورة" باسم الحداثة ونشر التحضر وما واكب ذلك من استغلال لثرواتها وجعلها أسواقا تستهلك البضائع فقط، و«مرحاضا ثقافيا» لكل النظريات والمذاهب العدمية تتلقفها نخبنا المغربة «بقابلية الاستيلاب والتنكر للذات إلى جعل الوافد أصلا لا يجوز فيه الأخذ والرد وإن كان تافها، وإلى جعل الأصيل فرعا يجوز فيه وعليه كل شيء، ولو كان من قطعيات الدين وبدهيات العقول ومقررات التاريخ والثقافة»(3).هذا لا يعني الانغلاق والتقوقع على الذات ورفض كل ما هو غربي/أجنبي من حيث هو كذلك، بل التنبيه إلى ضرورة التمحيص قبل الأخذ لأن «الصراع في مجتمعاتنا ليس ولا ينبغي أن يكون بين العصرنة والحفاظ على الهوية، ولكن بين العصرنة والحداثة السالبة... فحدود الحداثة الاستلابية كامنة في كونها حاملة بالضرورة للسيطرة الخارجية، وإنها لا تتحقق إلا كتشريد ثقافي وتحليل للبنى وللقيم الإنسانية والروحية. ولذلك لا يمكن أن يكون تاريخها أيضا إلا تاريخ الإجهاض، إنها بالضرورة حداثة مجهضة»(4).
المطلوب ليس هو القعود وتمني الأماني وكيل الشتائم يمينا وشمالا، «فنحن لا ننطلق من نظرة مثالية تبتسم ببلاهة، ناسية أن الساحة قد شغلها الغرب المستعمر منذ أمد بعيد، وأنه يرفع منذ القرن التاسع عشر شعارا واحدا: تحضير الشعوب المتخلفة»(5).
ما بال مثقفينا الأمازيغ الحداثيين يعيدون إنتاج الأسطوانة القديمة التي تشكلت حول الكنيسة في الغرب منذ أمد بعيد، لتصبح هذه النظرة تجاه الكنيسة نظرية عالمية تصور جميع أديان الدنيا كأنها كنيسة تنشر الظلام باسم الدين. لقد دشن ميلاد الحداثة في الغرب مرحلة إعادة النظر في الثوابت واليقينيات والمقدسات، إلا أن النتائج التي أصفرت عنها جعلت منها «ثمرة مشوهة للعقل، جردت المجتمع من مقومات ثرائه وأبعاده الإنسانية [وأعلنت] نهاية كل ما هو حقيقي وقطعي، نهاية المراجع الكبرى ونهاية كل ما هو اجتماعي... وإعلان عن نهاية الإنسان»(6).
يلخص آلان تورين هذا بقوله: «إن إيديولوجيا الحداثة الغربية قد استغنت عن فكرة الذات وعن فكرة الله... الفرد لا يخضع لغير قوانين الطبيعة، يستخدم العقل كسلاح نقدي لتحرير طبيعة إنسانية كانت قد سحقت من قبل السلطة الدينية والعقل يلغي المعتقدات وأشكال التنظيم الاجتماعي والسياسي غير المرتكزة على برهنة من النوع العلمي». هكذا يصبح العقل هو كل شيء، لا سلطان عليه، وهكذا يُصبح الإسلام في نظر هؤلاء كغيره من الديانات والمذهبيات مجرد تفكير غيبي ميتافيزيقي غير عقلي. فالله الذي وهب للإنسان عقلا، يقول فولتير، لا يمكن أن يفرض عليه وحيا منزلا. لقد فتحت العقلانية للغربيين شهوة العقل وتأليهه بعدما عانوا كثيرا من المطلق الكنسي، «ولقد طغى هذا الدين العقلاني الجديد حتى أصبحت متعالياته لا تقل، في سطوتها وتشددها وجمودها ولاعقلانيتها، عن متعالية الدين النصراني المحصور في زوايا الكنائس»(7).
كل هذه التصورات التي أطرت نشوء الحداثة رغم خصوصيتها بالبيئة الغربية خلقت انطباعا لدى الحداثيين في البلدان الإسلامية المهرولين إلى تبني كل ما يصدر عن الغرب على أنه نظريات كونية تجعل من الطريق نحو التقدم يمر بالضرورة عبر الغرب، وأن أي فهم مخالف عدو للعقل والتنوير. إن الحداثة ليست مفهوما عاديا إجرائيا لقيطا ليس له أصل، بل هي منظومة مشحونة بقيم البيئة التي نشأت فيها. بيئة تشبعت بقيم فلسفة الأنوار والثورة الفرنسية التي تكفر بالمطلقات واليقينيات لكنها تؤمن إيمانا مطلقا يقينيا بعدم وجود المطلق، «ليس المصطلح مجرد أداة تقنية تستجلب أو آلة مادية جاهزة تُشترى، بل هو كائن حي تنعكس عليه تجارب المجتمع وبوتقة تنصهر فيها رؤيته للوجود وتختزل فيها تجاربه الخاصة التي تؤطر تلك الرؤية... والواقع أنه بالرغم من توسل العديد بمصطلح الحداثة كمفهوم إجرائي، فإن تعامل العديد منهم مع المصطلح المذكور قد أبان عن طغيان الهم الإيديولوجي لديهم، بحيث صار مفهوم الحداثة في استعمالات هؤلاء لا يعني شيئا غير الإسراع بتدشين مرحلة من القطيعة المطلقة مع مكونات الذات والإشادة بكل نزعة عدمية... مما شكل إسقاطا واضحا لذلك في غير مجاله... ربطت مصير العالم الإسلامي ضرورة بتقمص نموذج الحداثة الغربية ورأت فيه نهجا محمودا وقدرا محتوما ليس له إلا صورة واحدة: الارتماء في أحضان الغرب وتقمص تجربته والحذو على منوالها حذو النعل للنعل، مع توسلهم في ذلك بنفاق سياسي لا تخفى على المحللين أساليبه البرجماتية، وأغراضه المحدودة»(8).

الهوامش:
1- هناك خلط بين مفهومين مختلفين التفكير العقلي Rationalité وبين العقلانية Rationalisme: فالتفكير العقلي كل ما يُؤَسس على العقل والحكمة العملية والعلم لا على العفوية والارتجال. بينما العقلانية هي مذهب يجعل من العقل إلها عارفا بكل شيء وهو المصدر الوحيد للمعرفة. هذا الخلق يوظف لإصدار أحكام جاهزة إذ أن كثيرا من العقلانيين والحداثيين والعلمانيين يتحدثون عن الغيب باعتباره أمراً غير عقلي، وبالتالي يعتبرون كل من يؤمنُ به غير عقلاني ولا يؤمن بالعقل. فالإسلام مثلا دين عقلي وليس عقلاني -بهذا المفهوم-. عقلي لأنه يدعو في كثير من الآيات والأحاديث الصريحة إلى إعمال العقل وأولى أهمية قصوى للعلم والعلماء حتى إن أول آية نزلت هي ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الاِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الاَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الاِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: الآيات1-5]. كما أن هناك أكثر من ألف آية صريحة تتحدث عن الإعجاز العلمي. أما كون الإسلام دينا غير عقلاني فمرده إلى أن العقل رغم أهميته ليس هو المصدر الوحيد للعلم والإيمان، فهناك الغيب الذي هو قطب الأمة ولا يزال.
2- مجذوب عبد العالي، المودرنيزم وصناعة الشعر، ص15.
3- شبار سعيد، الحداثة في التداول العربي الإسلامي، ص79.
4- المصدر نفسه، ص 75.
5- ياسين عبد السلام، الإسلام والحداثة، ص311.
6- شبار سعيد، الحداثة في التداول العربي الإسلامي، ص41.
7- مجذوب عبد العالي، المودرنيزم وصناعة الشعر، ص105.
8- شبار سعيد، الحداثة في التداول العربي الإسلامي، ص 85.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.