تونس- حسنا فعلت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري عندما قررت وقف إعادة بث برنامج "بلاك ليست" على قناة "تونسنا" وسحبه من الموقع الالكتروني للقناة ومن جميع صفحات مواقع التواصل الاجتماعي التابعة لها. ولكن يبقى هذا القرار ناقضا ما لم يكن متبوعا بإجراءات أخرى، لأن ما بثته القناة في برنامجها تجاوز أسس العمل الصحفي الإستقصائي، وكشف عن إنحراف إعلامي إقترب كثيرا من دائرة السقوط في فخ تلاعب مخابراتي مكشوف ومفضوح. لقد عانت تونس منذ العام 2011، ومازالت تعاني لغاية الآن من إنفلات إعلامي خطير، بعد أن تجاوز كل الضوابط، وتخط كل النواميس والأسس الإعلامية المتعارف عليها، وبات يُهدد تمساك الجبهة الداخلية ، وعلاقات البلاد الخارجية مع الدول الشقيقة والصديقة تحت عناوين مختلفة في المقدمة منها تحقيق السبق الصحفي، وخلق الBuzz ، والرفع من نسبة المشاهدة والإستماع. وكان يمكن تفهم كل تلك العناوين، وإيجاد مبررات لها، غير ان الإندفاع نحو الإستمرار في مثل هذا الإنفلات، يدفع إلى السطح بنقاط إستفهام بارزة وسط أسئلة حارقة حول مدى تشابك الإعلام وتداخله مع العمل المخابراتي، لاسيما وان برنامج "بلاك ليست" الذي بثته قناة "تونسنا" إنطلق من تسليط الضوء على العمل المخابراتي، ولكنه سقط مع ذلك في فخ ذلك العمل. ويُصبح هذا السقوط مدويا، وفارقا لأنه عكس تلاعبا خطيرا الهدف منه ليس فقط الإساءة إلى علاقات تونس مع المغرب الشقيق، ولكن أيضا تصفية حسابات سياسية بأساليب الافتراءات والأباطيل والأضاليل المكذوبة. ويكفي التوقف عند عاملين إثنين لهذا البرنامج، ليتضح كيف تم هذا التلاعب، أولهما توقيت بث البرنامج وما تضمنه من إتهامات باطلة، و ثانيا العنصر الذي أورد تلك الإتهامات، وهما عملان كشفا عن الخداع المموه بحرية التعبير، والكذب الذي لم تتمكن الآضاليل من حجبه والتغطية عليه. فتوقيت بث البرنامج مشبوه ومريب لأنه جاء فيما حقق المغرب نجاحا إستخباراتيا لافتا جنب العاصمة الفرنسية سقوط المزيد من الأبرياء ضحايا الإرهاب الأعمى، وهو نجاح أشادت به مختلف دول العالم بأجهزتها الأمنية العريقة، نحسب انه مع ذلك لم يرق للبعض الذين سعوا للتشويش عليه. ولم يجد هذا البعض خير وسيلة لهذا التشويش والطعن في هذا النجاح هو ذلك الفرد المنشق عن المخابرات المغربية ليكون في الواجهة، ومن خلاله يتم بث الشائعات والاكاذيب والوثائق المزورة بأموال بات مصدرها معروفا. فهذا الفرد المدعو هشام بوشتى غادر الخدمة في العام 2001 ، أي بعد عام ونصف من العمل، وقد صدر ضده حكم بالسجن لمدة عامين بعد إعتقاله في شهر أفريل 2004 في مدينة وجدة بتهمة النصب والإحتيال. وفي شهر جانفي من العام 2003 غادر بوشتى السجن بعدما استفاد من تقليص المدة لحسن السلوك، ولكنه عاد إليه مرة اخرى في العام 2006 بعد صدر حكم جديد بالسجن ضده لمدة عامين بتهمة تنظيم رحلات الهجرة السرية"الحرقة". وهذه المعطيات كفيلة وحدها ليس فقط بالقدح والطعن في أقواله، وإنما تجعله مشبوها لاسيما وان الوثائق التي إستظهر بها مزورة ونشرتها قبل سنوات الصحف الجزائرية. تلك عينة بسيطة من المعطيات التي كان يُفترض التنبه لها لتفادي السقوط في فخ التلاعب المخابراتي، ولكن تجاهلها بذلك التعمد المفضوح الذي ساد البرنامج، يجعل الأمر خطيرا لأنه بذلك إبتعد عن العمل الصحفي الإستقصائي، وإقترب كثيرا من الإنخراط في عمل المقصود منه ضرب علاقات البلاد مع دولة شقيقة كانت ولا تزال من أقوى وأمتن العلاقات.