للأستاذ هشام جعيط قراء أوفياء وجمهور مثقف في تونس وخارجها، وسواء كنا من المتفقين مع ما يكتب أم لا، فإنه لا أحد ينكر أهمية الرجل كأحد الرموز الفكرية ذات السمعة الدولية. و مع ذلك اعتبر المؤرخ والمفكر التونسي في الندوة التي استضيف إليها في إطار منتدى الصحفيين بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين يوم الجمعة 22 فيفري 2008 بأنه لم يقرأ بعد قراءة حقيقية. وبعد تقديم لم يخل من مبالغة في التمجيد والإشادة وصل بكلمة واحدة بين ابن خلدون وجعيط الذي يمثل " مشروعه التأسيسي لمدرسة عربية إسلامية عصرية تعمل على إعادة كتابة التاريخ لفهمه فهما موضوعيا أقرب ما يكون إلى الواقع منعرجا ..." ، أحيلت الكلمة إلى صاحب كتاب " الفتنة" الذي اكتفى في مداخلته القصيرة بطرح خواطر عامة لم تشبع انتظارات الحضور الكثيف من الإعلاميين والجامعيين في هذه الندوة، حيث أنها لم تسلط أي ضوء جديد على ما تخلل كتبه الأخيرة من عتمة (ولا سيما كتابيه حول السيرة النبوية: الوحي والقرآن والنبوة تاريخية الدعوة المحمدية في مكة) ولم توضح عديد المسائل المثيرة فيها للجدل، باستثناء إعادة التأكيد أن المؤرخ مرآة زمانه وأن القرآن الذي ركز عليه النظر بمنهجه " التفهمي" كأصدق المصادر ليس بالنص السهل. وما قد يبقى في البال من كلام المحاضر هو أن الفلسفة وعلم التاريخ لا يمكن أن يزاحما الدين الذي ترسخت سلطته التاريخية عبر القرون، وأنه بقدر ما انتشر التعليم بقدر ما انتشرت الغباوة، أما المفكرين العرب الذين تأثروا منذ قرن ونصف بالثقافة الغربية الحديثة والذين اعتبر بعضهم أن الدين يثقل كاهل المسلمين فإنهم لم يكتبوا كتبا ذات قيمة علمية بل اكتفوا بتناول الدين من زاوية نظر ايديولوجية (علمانية أصولية، ظلامية تنوير) وهو ما اعتبره تقصيرا كبيرا، ملمحا بذلك إلى أهمية كتبه وتفردها عن غيرها في هذا المجال. ولن نتطرق هنا إلى ما تعرضت له كتب هشام جعيط المليئة بالمفارقات والثغرات من قراءات نقدية وعلمية وجيهة . ثم ذكّرنا المحاضر أن العلم قد هجر أوروبا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية التي نجد فيها إلى جانب المختصين في دراسات الحضارة الإسلامية باحثين في الدراسات الصينية والهندية وغيرها... ملاحظا أنه في أغلب الحضارات الإنسانية وجد المفكرون صعوبات مع المجتمع والحكام والتيارات الدينية وحتى مع زملائهم... وهذا بالفعل ما وجده المشاركون في مناقشة هشام جعيط خلال هذه الندوة، حيث أن ردوده ورفضه الإجابة على بعض الأسئلة والملاحظات المطروحة في النقاش اتسمت بالتشنج والكثير من التعالي، بدعوى خفة تلك الأسئلة وعدم أحقية طرحها على مؤرخ ومفكر كبير مثله لا يتابع القنوات التلفزية. في حين تبين للجميع من رده العصبي بل المتغطرس على إحدى زميلاته في الجامعة التونسية (وهي صاحبة كتب قيمة وهامة) أنه لم يستوعب جيدا مضمون وأبعاد السؤال المتعلق بالرسوم الكاريكاتورية. وحتى المسألتين المنهجيتين اللتين طرحهما الأستاذ أبو يعرب المرزوقي ( قبول القرآن كوثيقة تاريخية ثم جعلها موضوع سؤال نوع من المصادرة على المطلوب، صعوبة الحسم في منهجية التأثير الناتج عن مقارنة النصوص فقد تكون المادة قديمة ولكن الفكرة لا علاقة لها بالفكر القديم مثلما نجده في العمران كمسجد القيروان واستعمال أعمدة من العهد الروماني) فلم تكونا كافيتين للارتقاء بالندوة الفكرية إلى ما كان ينتظر منها، وهذا لا يمنع بطبيعة الحال من تثمين المبادرة إلى تنظيم هذا اللقاء الذي قام بتنشيطه الزميل زياد كريشان وعكس حاجة حقيقية لمثل هذا الفضاء الفكري المفتوح للصحفيين في تونس بمقر نقابتهم.