: كالعادة تنقلب الكلمات الجميلة في تونس المحروسة من مفاهيم انسانية ذات اشراق كوني وعالمي الى مفاهيم ملوثة بالنفاق والكذب الرسمي حين يقع تبنيها نظاميا كشعار اعلامي أو سياسي لا نر له أثرا في معترك حياتنا اليومية ... كلمات دولة القانون والمؤسسات والحكم الرشيد واحترام الحريات وحقوق الانسان والتوسط والاعتدال ومناوئة الغلو والتطرف والارهاب وحرية الاعلام والتعبير..., كلمات قد غدت ملكا انسانيا وعالميا مشاعا , اذ لايمكن قصرها على وطن أو بلد بعينه وان اختلفت طرائق التعبير وثقافات ولغات المستعملين ... في تونس الجميلة التي عشقناها الى حد النخاع والى الدرجة التي تحملنا فيها من أجل هذا العشق الام المنفى القسري كضريبة غير طبيعية لوطن أصيب باحتباس ديمقراطي حاد مع أعراض انفلونزا التسلط الأمني على عموم المواطنين ..., في هذا البلد الجميل تتحول الكلمات الرائعة في الفكر الانساني الى تراث ملوث بأداء سياسي رسمي يقارب حد العفن ... فمثل هذه الكلمات التي تقيد مدارس الفكر السياسي المعاصر في مختلف أرجاء العالم المتحضر أصبحت اليوم تونسيا خالية من دلالاتها المعرفية والسيميائية واللسانية , بعد أن جعلت منها السلطة مجرد خرقة تلوح بها في سماء المنتظم الدولي المعاصر ! الواقع بشهادة المراقبين النزهاء في كل أرجاء هذه الدنيا وبمتابعة لصيقة لما يكتب ويذاع ويبث في وسائل اعلام العالم المتقدم لايوحي بأننا أمام دولة تونسية تحترم هذه القيم أو تعيرها شيئا من الاهتمام ..., بل على العكس من ذلك تماما فيمكن أن نفهم هذه الكلمات بأضدادها في الميدان ... الحريات تتحول لعنة على المطالبين بها حين يصبح مناضلو حقوق الانسان مسخرة رسمية مابين سجن ومنفى وحملات تشويهية على صحف ورقية أقرب ماتكون الى صناعة البورنو وفبركة قصص الخيال والافتراء ... ودولة القانون والمؤسسات هي في حقيقة الأمر دولة المراوغة بالقانون والدوس عليه تماما حينما يتعلق الأمر بنشطاء المعارضة والحقوقيين والأقلام الحرة وفاعلي المجتمع المدني , وهي دولة الفرد والصنم الذي لابد ان نصنعه طبعا حينما يتعلق الأمر بمطالب التداول على السلطة وتجديد الدماء وعدم تكرير تجربة الزعيم الذي يفدى بالروح والدم والغالي والنفيس ولو من باب الكذب الموصل الى أعلى مناصب الدولة ... الحكم الرشيد يتحول أحيانا الى بلطجة في وضح النهار حين تريد السلطة هدم بيت القيادي الوطني المعتدل حمادي الجبالي , وحين تعمد جهات نافذة الى حرق السوق البلدي بقرمبالية ثم توهم الناس بعد ذلك بوجود خلل كهربائي , وهو نفس الصنيع الذي عمدت اليه قبل ذلك مع سوق المنصف باي وسوق الحفصية وسوق ليبيا بمدنين ويبقى السبب دائما خلل كهربائي !!! بلطجة مع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في بنزرت حين تصل قمة المسخرة الى كتابة شعارات ازدراء بمناضلي الرابطة وبالمواطن التونسي عموما حين يكتب على جدران مقراتها : عبارات " حقوق الحيوان " و برة روّح " ..., ولايكفي هذا أصالة عن الحكم الرشيد بل يضاف اليه محو اسم الرابطة تماما بدهون بيضاء ناصعة في نصاعة دولة الحكم الرشيد ! ومع كل هذا اعتداء اخر على الأطباء حين نكتشف مرة أخرى حقيقة التوسط والاعتدال لدى سلطة الاشراف مع اعتقال الدكتور الطبيب عارف العزيزي بعد أن اتهمته دولة مجتمع المعرفة الحاضنة لأشهر قمة عالمية لمجتمع المعلومات بالابحار على مواقع معارضة على شبكة الانترنيت !!! انها فعلا مظاهر التنمية السياسية الموعود بها في الذكرى العشرين تأخذ طريقها الى حياة التونسيين والتونسيات , حين تتحول كل هذه المصطلحات الرائعة الى قصص من الصدمة والألم والعذاب في حياة المثقفين واصحاب الرأي والمناضلين والمناضلات وبسطاء هذا البلد وأصدق الناس فيه ...! وليس أخيرا أن ترفع السلطة شعار الحوار مع الشباب من أجل التصدي الى مظاهر الانحراف الديني أو السياسي لنر بعد ذلك المعاني الحقيقية للحوار تحت شعار " تونس أولا " , ويبدو أن المقصد من ذلك دائما لابد أن يفهم في الميدان بالأضداد وهو مايجعل من هذا الحوار ترهيبا للشباب من الانضمام الى قوى النضال الوطني المعتدل ومن ثمة ارغامه على اليأس والاحباط والالتحاق بقوارب الموت- الهجرة السرية- أو الانخراط في مجموعات الفناء الذاتي عبر السقوط في جحيم عصابات ترويج المخدرات والجريمة المنظمة أو دفعه عنتا واكراها الى البحث عن مسالك العنف في التعبير عن النفس بالألفاظ الفاحشة وظواهر الانحراف السلوكي التي نقرأ عنها يوميا في قصص شاذة ومخجلة لاتليق بسمعة بلد مثل تونس ... وليس بعيدا عن استراتيجية هذا الحوار مع الشباب تحت شعار تونس أولا , افراز اسلام منغلق ومبالغ في السلفية الى الدرجة التي تنعدم معها مباهج الحياة ومظاهر النماء والتقدم , ومن ثمة اختطاف الظاهرة الاسلامية المعتدلة تدريجيا في ظل سياسة الكبت والقمع لفائدة مجموعات تتغذى من أخبار الاحتلال والتقلبات في الساحة الاقليمية والدولية وقبل كل ذلك من واقع تونسي يومي اسن تحولت فيه السياسة من ذكاء وفطنة وأخذ وعطاء واعتراف مشترك بالاخر ومرونة في التعاطي مع الأزمات الى خداع وكذب وغش واعتقالات مستمرة ومحاكمات جائرة وبلطجة في وضح النهار !!! كتبه مرسل الكسيبي بتاريخ 5 أفريل 2008 للتفاعل مع الكاتب : [email protected] المدونة http://morsel-reporteur.maktoobblog.com