غالبًا ما يكون للدعم الذي يقدمه الغرب للناشطات النسويات في العالم العربي نتائج عكسية. السلطات العربية تشكك بمصداقية تلك الناشطات؛ بسبب تلقيهن للدعم مما يجعلهن يظهرن بمظهر الموالاة للغرب، ويسهل تصنيفهن كمعادياتٍ للثقافة العربية؛ لذلك فإن الغرب يمتلك صورةً مبالغًا فيها عن حجم وفائدة الدعم الذي يقدّمه للمرأة في العالم العربي. هذه الاستنتاجات يمكن قراءتها بين السطور في أحدث تقرير أصدرته الأممالمتحدة حول "التنمية البشرية في العالم العربي". في أي عام خلعت المصرية "هدى شعراوي" الحجاب عن رأسها بطريقة استعراضية صدمت المحيطين بها؟ ليس في القرن الحادي والعشرين، بل في عام 1923. خلعت "هدى شعراوي" حجابها في محطة قطار مزدحمة وسط القاهرة، وتقول الروايات: إن الرجال الذين شهدوا ذلك ظلوا متحجرين مفغوري الأفواه من الصدمة، بينما قامت نسوة عديدات بالتصفيق لها ثمّ فعلن الشيء نفسه. تعدّ "شعراوي" من أوائل الناشطات النسويات في العالم العربي، وقد قادت فيما بعد حركة نسوية واسعة امتدت خارج مصر. التقرير الرابع عن التنمية البشرية في العالم العربي الصادر عن برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة يكاد يقتصر على مقاربة أوضاع المرأة في العالم العربي. التقارير السابقة ركزت على محاور أخرى: المعلومات والمعارف (2002)، الحريات (2003)، الإدارة والديمقراطية (2004). يتوقف التقرير المعنون "نحو نهضة المرأة في العالم العربي Towards the rise of women in the Arab world" كثيرًا لدى تجربة "هدى شعراوي" وزميلاتها من رائدات حركة التحرر النسوية في العالم العربي. وبهذا يفنّد واضعو التقرير الرأي السائد عن أنّ الغرب هو الذي أدخل فكرة المساواة بين المرأة والرجل إلى العالم العربي. يوضح التقرير أنّ "حقوق المرأة" قد تحولت بشكلٍ تدريجي خلال القرن الماضي موضوعًا تتبناه الحكومات والمنظمات الغربية. تقارير منظمات حقوق الإنسان الغربية والضغوط السياسية كان لها تأثير عكسي، لا سيما في الأعوام الأخيرة. بهذا الخصوص يقول أحد واضعي التقرير الباحث السياسي المصري "نادر فرجاني": "تزعم بعض القوى في العالم العربي أنّ حقوق المرأة ليست سوى هدفٍ سياسي غربيّ، في مرحلة يشعر فيها معظم العرب بالاستياء من التدخل الغربي في شؤونهم، خاصة على خلفية الحرب في العراق ولبنان". يكتفي بعض الزعماء العرب المتأثرين بالضغوط الخارجية ب شكلية، مثل تعيين إحدى النساء في منصب سياسي رفيع، لكنه ليس منصبًا لصنع القرار. تستطيع بعض النسوة الوصول إلى منصب وزيرة للثقافة مثلاً، لكن من المستبعد وصولها إلى وزارة الداخلية، دون أن نتحدث عن رئاسة الوزراء مثلاً، ونسبة النساء في البرلمان في العالم العربي هي الأقل على المستوى العالمي؛ حيث لا تزيد على 10%. الموقف الغربيّ يتسبب بشكلٍ غير مباشر في خلق عوائق أخرى. الحرب على الإرهاب التي يقودها الغرب تعتبر حاليًّا العائق الأخطر الذي يعرقل جهود تحسين أوضاع المرأة. ينطبق على الحرب في العراق ما ينطبق على أي حرب: أوضاع المرأة تتدهور، ومعاناتها من الحرب تصبح مضاعفة؛ بسبب الحرب يضطرّ عدد متزايد من النساء للبقاء في المنازل، ويزداد بينهنّ عدد ضحايا الاغتصاب والعنف والفقر، خاصة في حال فقدهنّ لأزواجهنّ. ولا يقدّم التقرير أفكارًا بديلة يمكن أن تتبعها المنظمات الغربية لتحسن نتائج جهودها، لكنّه يشير إلى أن النساء يشكلن ربع أعضاء البرلمان في العراق. رغم التأثيرات السلبية للتدخّل الغربيّ، فإن التقرير يلقي بالمسئولية الحقيقية لتدهور أوضاع المرأة العربية على عاتق السلطات السياسية العربية والإسلامية. الأنظمة في تلك الدول هي صاحبة القرار النهائي حول موقع المرأة في الحياة العامة، في أجهزة الحكم، في المنظمات وفي المجتمع. في عددٍ كبير من البلدان العربية يرى التقرير أن اضطهاد المرأة، وعدم المساواة بحقها مثبتٌ في القانون، إضافة إلى ذلك، تشكل التقاليد الاجتماعية والتربوية عائقًا كبيرًا يعرقل الجهود الرامية إلى تحسين أوضاع المرأة. لكنّ الصورة ليست كلها معتمة وكئيبة؛ واضعو التقرير يلاحظون أيضًا نقاطًا مضيئة، فرغم أن نسبة الأمية بين النساء تصل إلى النصف، فإن عدد الفتيات اللاتي يتابعن تعليمهن الثانوي أو الجامعي في تزايد مستمر، كما يتزايد دور المرأة السياسي، وإن كان تزايدًا بطيئًا جدًّا. يحقّ للمرأة التصويت في كلّ البلدان العربية باستثناء المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية. مشاركة المرأة في البرلمانات تتحسن أيضًا، إضافة إلى العراق، خصصت المغرب نسبة 10% للنساء، والأردن 5%. هناك على الأقلّ امرأة واحدة في كل الحكومات العربية ما عدا السعودية. ويدعو التقرير إلى "تمييز إيجابي" مؤقت لصالح المرأة "لتفكيك بنية التمييز السلبي المتجذر منذ قرون". سيكون لإجراء هذا آثار إيجابية على كلّ نواحي الحياة في المنطقة، على حدّ ما ورد في التقرير. ساهم في إعداد التقرير الذي تربو صفحاته على 300 ما يقارب مائة باحث، نصفهم تقريبًا من النساء. عن هذا يقول الباحث "نادر فرجاني": "أوضاع المرأة تهمّ الرجال أيضًا".