بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    قضية منتحل صفة مسؤول حكومي.. الاحتفاظ بمسؤول بمندوبية الفلاحة بالقصرين    مخاطر الاستخدام الخاطئ لسماعات الرأس والأذن    صفاقس تُكرّم إبنها الاعلامي المُتميّز إلياس الجراية    سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفضون فيه التقسيم أو الانفصال أو الانسلاخ    مدنين: انطلاق نشاط شركتين أهليتين في قطاع النسيج    في انتظار تقرير مصير بيتوني... الساحلي مديرا رياضيا ومستشارا فنيّا في الافريقي    عاجل/ "براكاج" لحافلة نقل مدرسي بهذه الولاية…ما القصة..؟    الاحتفاظ بمنتحل صفة مدير ديوان رئيس الحكومة في محاضر جديدة من أجل التحيل    الطبوبي في اليوم العالمي للشغالين : المفاوضات الاجتماعية حقّ ولا بدّ من الحوار    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    انهزم امام نيجيريا 0 1 : بداية متعثّرة لمنتخب الأواسط في ال«كان»    نبض الصحافة العربية والدولية... الطائفة الدرزية .. حصان طروادة الإسرائيلي لاحتلال سوريا    الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    أولا وأخيرا: أم القضايا    المسرحيون يودعون انور الشعافي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تختتم مسابقات صنفي الاصاغر والصغريات بحصيلة 15 ميدالية منها 3 ذهبيات    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صلاح الدين الجورشي : "أحداث حمام الأنف.. نريد الحقيقة"

هذا ليس شعار حزب معارض، وإنما "مانشات" تصدّرت العدد الأخير من اسبوعية "أخبار الجمهورية"، الصادرة في تونس يوم 4 يناير 2007.
مرة أخرى تندلع في تونس حوادث خطيرة، ويكون التعاطي الإعلامي معها محكوما بندرة المعلومات وإخفاء الحد الأدنى من المعطيات.
أكثر من عشرة أيام والتونسيون، بمن فيهم رجال السياسة والصحفيون ونواب في البرلمان وقادة أحزاب ورجال أعمال ومثقفون، وحتى أعضاء الحزب الحاكم، لا يملكون معلومات مؤكّدة عن حوادث تبادل الطلق الناري التي جدّت في أكثر من مكان من البلاد بين "مسلحين مجهولين" وقوات تابعة لأجهزة الأمن والجيش، وقد فتح ذلك المجال واسعا أمام مختلف الإشاعات، بما في ذلك "الأكثر غرابة وجنونا"، على حد تعبير أحد المعارضين للحكم.
بدأ الغموض مع ما أعلنت عنه وكالة إفريقيا تونس للأنباء (رسمية) في برقية لها مساء يوم 23 ديسمبر 2006 الماضي من حدوث مواجهة مسلحة مع مجرمين خطرين، أدّت إلى مقتل اثنين منهم وجرح عونَي أمن، وظن التونسيون أن المسألة ستقف عند ذلك الحد، مع التطلع لمعرفة هوية هذه العصابة.
لكن بعد ذلك، قدمت بعض وسائل الإعلام روايتين مختلفتين، فقد أكدت صحيفة "الشروق" أن العصابة مرتبطة بشبكة دولية لها علاقة بعالم المخدرات، وهي رواية تقبلتها معظم الأوساط بكثير من الشك والحذر، أما الرواية الثانية، فقد كانت أكثر وجاهة، وتبنتها صحيفة "الصريح"، التي وصفت العملية بأنها من صِنف العمليات "الإرهابية"، وقد شكل ذلك، الخيط الذي أمسكت به الأوساط المتعطشة لمعرفة خلفيات الحدث.
ومما دعم هذه الفرضية، نوعية الأسلحة التي استعملها المسلحون (كلاشنكوف، ومتفجرات يدوية حديثة ومتنوعة، وقيل أيضا بعض قطع من صواريخ الهاون)، وكذلك المهارات القتالية التي أظهرها بعضهم، مما ألحق إصابات بالغة في صفوف رجال الأمن، وحتى بعض العسكريين، حسب بعض الروايات غير المؤكّدة.
كما نجحت المجموعة، بشكل مؤقت، في توسيع دائرة المواجهة، وذلك بالانتقال السريع من مكان إلى آخر (حمام الأنف، حمام الشط، جبل الرصاص، مرناق، وأخيرا سليمان)، وهو ما دفع بخلية الأزمة، التي أشرفت على متابعة مجريات هذه العملية، إلى التعاون مع وزارة الدفاع وإعلان التعبئة الكاملة، ووضع الجميع في حالة استنفار أمني وعسكري غير مسبوق، بلغت حد إلغاء الإجازات ومنع الكثيرين من عسكريين ورجال أمن من العودة إلى بيوتهم إلى أن تنتهي العملية.
ونظرا لخطورة المواجهة، التي تعتبر الأولى من نوعها، تمّت الاستعانة أيضا بطائرات مروحية عسكرية ووضع حواجز ونقاط تفتيش بكثافة في جميع الطرقات، الرئيسية والفرعية، الرابطة بين العاصمة تونس ومدينة بن قردان (في أقصى الجنوب)، وبالأخص بين حمام الأنف ومدينة الحمامات.
بعد عشرة أيام من تاريخ البلاغ الأول، أصدرت وزارة الداخلية بيانها الثاني، أكّدت فيه أنه "مواصلة للأبحاث التي انطلقت على إثر تبادل لإطلاق النار ليلة 23 ديسمبر الماضي بين قوات الأمن ومجموعة خطيرة من المجرمين، تمت صباح يوم الأربعاء 3 يناير بالضاحية الجنوبية، مطاردة عناصر متبقية من هذه المجموعة، نتج عنها تبادل لإطلاق النار أدّى إلى مقتلهم".
وبما أنه قد سبق لمصدر حكومي نفْيَه بشِدّة مقتل 25 مسلحا، وهو الخبر الذي أوردته وكالة "رويترز"، نقلا عن مصدر قريب من الجهات الأمنية، فقد عادت الوزارة لتُعلن عن حصيلة جديدة، تمثلت في مقتل 12 مسلحا واعتقال 15 آخرين، ويُفهم من البلاغ بأن العملية قد انتهت وأن الملف قد أغلق.
ويفيد مصدر طبي أن أحد مستشفيات العاصمة قد تلقى يوم الأربعاء الماضي (3 يناير 2007) تسع (9) جثث لأشخاص مُصابين بالرصاص، وهو ما يدُل على أن المواجهات التي شهدتها مدينة سليمان كانت ساخنة، حيث استمرت يوما كاملا، حسب روايات بعض الشهود، الذين أكدوا بأن اجهزة الامن حاولت ان تتجنب إطلاق النار بكثافة حرصا على إلقاء القبض على هؤلاء المسلحين أحياء لكن هؤلاء تحصنوا بأحد المنازل طيلة يوم كامل مما أدى في الأخير حسب نفس الشهود إلى اتخاذ قرار بالهجوم على المنزل وقصفه.
في هذا السياق، وباتصال هاتفي مع الإعلامي التونسي برهان بسيس، أكّد لسويس انفو أن المجموعة "لها ارتباط بشبكة إرهابية عابرة للحدود". وفي انتظار استكمال التحريات، فهو يرجّح وجود عناصر أساسية وثيقة الصِّلة بمراكز في الخارج، وبالتالي، فهو يعتقد بأن المجموعة "ليس لها وجود طبيعي أنتجه حِراك داخلي"، لكنه لم ينفِ وجود عددٍ من الشبّان التونسيين "تم استقطابهم بحُجّة الجهاد".
وفي إشارة إلى المهارة القتالية، التي أظهرها بعض المسلحين، لم يستبعد السيد بسيس أن "قوة النار المستعملة أكّدت أن من بين أفراد المجموعة مَن له تجربة ميدانية سابقة، قد تكون ساحات خارجية قد صهرتها، بينما كان أداء آخرين أقرب على الهواية مما يؤكّد حداثة انضمامهم لهذا الصنف من الجماعات".
وأكد بسيس بالخصوص على أن "التدخل الحازم والناجع لأجهزة الأمن في اللحظة المناسبة وبالدقة المطلوبة قد فوت وقوع ما لا يُحمد عقباه". وبناء عليه، اعتبر أن "التعاطي، سياسيا وإعلاميا، مع هذه القضية ينبغي أن يرتفع عن منطق المزايدة والتهويل والعجلة والاستثمار السياسي الابتزازي لحدث يتجاوز بشكل كبير، طبيعة ورهانات وصراعات الساحة السياسية التونسية في حجمها التقليدي واحتكاكاتها المعروفة، لأن الضرر لا قدّر الله في مثل هذه الحالات يشمل الجميع سلطة ومعارضة"، على حد قوله.
وبسؤاله حول ما إذا كانت هذه المجموعة لها امتدادات أخرى، استند في جوابه على ما أكّدته الأجهزة الأمنية من أن "الملف قد أغلِق بالكامل"، وأضاف "لكن التحقيقات المفتوحة ستركِّز على إمكانية وجود امتداد من نوع مغاير لهذه المجموعة، سواء أكان امتدادا في طور الاستعداد أم فيما يُعرف اصطلاحا بالخلايا النائمة".
أما المؤكد بالنسبة لبرهان بسيس، فهو أن الحادثة "توقفت عند حدود إشعال الضوء البرتقالي أمام التونسيين".
تتنزّل هذه المجموعة، التي تجنّبت السلطات الأمنية تحديد هويتها السياسية والدينية، في سياق عام يتّسم بانتشار لأفكار التشدد والقراءة السلفية للنصوص المرجعية الإسلامية.
فلأول مرة في تاريخ تونس الحديث، يتمكّن التيار السلفي من تحقيق اختراق سريع ولافت للنظر، خاصة في الأحياء الفقيرة والمناطق المهمّشة، وقد لعبت عوامل متعددة لدعم مثل هذا التيار، من أهمها ما يجري في العراق وما ترتكبه السياسة الأمريكية من أخطاء فادحة وحمقاء، وانتهاكات خطيرة كان آخرها إعدام الرئيس السابق صدام حسين بطريقة بشعة واستفزازية.
كما أن الفراغ الديني وأزمة القِيم وغياب حوار وطني وعلني وحُر حول القضايا الأساسية التي تشغل الشباب، قد ساعد كثيرا في توفير القابلية لهذا التحول الفكري والنفسي، الذي يتعرض له قطاع واسع من المواطنين، وبالأخص في صفوف الشباب، فالذين حملوا السلاح خلال الأيام الماضية، تتراوح أعمارهم ما بين عشرين وخمسة وعشرين عاما، بل منهم من هو دون ذلك، حسب بعض الروايات.
كما يعتقد كثيرون بأن سوء إدارة العلاقة مع ظاهرة التديّن الجديدة واللّجوء إلى الحملات الأمنية العشوائية في محاولة للقضاء عليها – مثلما حصل الخريف الماضي في مسألة الحجاب – قد زاد في الطين بلة، واستثمره البعض للقول بوجود عداء للدين في تونس ومقاومة للمتدينين، وهو ما راج خلال الأشهر الأخيرة في عشرات المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت القريبة من دوائر مجموعات السلفية الجهادية.
يضاف إلى ذلك، عودة تركيز تنظيم القاعدة على منطقة المغرب العربي، بعد إعلان أيمن الظواهري رسميا في شهر أكتوبر الماضي عن تكليف "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الجزائرية بتنسيق العمليات على نطاق إقليمي.
هذه الجماعة، التي تشهد أزمة هيكلية وتراجعا ملحوظا وانقساما داخليا حادا، رغم محاولاتها المتكررة لإعطاء دفع جديد لنشاطها، وهي بالتالي، أصبحت في أشد الحاجة إلى استقطاب مزيد من المقاتلين من داخل الجزائر ومن دول الجوار لتخفيف الضغط عليها، على أن تتولى تدريب مئات العناصر الجديدة، واستعمال الخلايا النائمة لتوسيع دائرة المواجهة مع حكومات المنطقة وضرب المصالح الغربية بها.
2006.. بداية المنعرج
ويبدو أن أوساط القاعدة تعتقد بأن تونس تشكِّل الحلقة الضعيفة في المغرب العربي، نظرا لعدم امتلاكها خِبرة في مجال مكافحة الإرهاب، لكن بعد حوادث الضاحية الجنوبية من العاصمة التونسية، فإن تنظيم القاعدة قد يُضطر إلى تغيير أسلوبه وخُططه دون التراجع عن استهداف المصالح التونسية، خاصة في ضوء ما يُقال عن إدخال كميات كبيرة من الأسلحة إلى البلاد بوسائل لا تزال محل تساؤل واستغراب الجميع، إضافة إلى تردد أخبار أخرى غير مؤكّدة تحدثت عن العثور على أسلحة فُقدت من إحدى الثكنات.
ومع أنه من الخطأ، الخلط بين موجّة التديّن التي تشهدها البلاد، وبين جنوح البعض من الشبان نحو الخطاب السلفي الجهادي إلا أنه - وفي انتظار أن تفصح الجهات الأمنية عما تملكه من معطيات وبالرجوع إلى عدد من المعطيات المتفرقة - يبدو أن السَّنة المنقضية قد شهِدت بداية المُنعرج نحو تشكيل عدد من الخلايا في تونس، حيث تعدّدت عمليات تسلّل بعض الشبان في اتّجاه الجزائر.
ويبدو أن العديد منهم قد نجح في ربط صلات قوية بالتنظيمين السلفيين الناشطين في هذا المجال، وهما الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية، والجماعة السلفية المقاتلة الليبية، ولا يُستبعد أنه بعد دخول الجماعة الليبية في مراجعات على إثر الحِوار الدائر بينها وبين نجل العقيد القذافي سيف الإسلام، واحتمال تخلّيها نهائيا عن الإرهاب، اتّجه رهان العناصر التونسية على توثيق الصلة بالجزائريين، ولهذا السبب، تعدّدت حالات اعتقال تونسيين من قِبل حُراس الحدود الجزائريين، خاصة خلال السنة الماضية، من بينهم ثلاثة اشتُبه في قيامهم بتهريب أسلحة إلى داخل تونس.
وتفيد بعض المؤشرات إلى أن تركيز الخلية التونسية قد قطع أشواطا من حيث الهيكلة وتوفير نسبة عالية من التسلح والمخابئ الآمنة، بما في ذلك إعداد نفق يسمح بالتخفي والحركة وسرعة التنقل، لكن المجموعة فوجئت بالتدخل الأمني قبل أن تشرع في تنفيذ بعض العمليات، التي كانت "حيوية ومن الحجم الثقيل" حسبما يبدو.
ردود أفعال حذرة
في غياب المعطيات الدقيقة، كيف تصرّفت الأحزاب والجمعيات الحقوقية؟ ففي حين اكتفى البعض بانتظار عقد مؤتمر صحفي يسلِّط الأضواء على الأحداث بشكل رسمي، حاول البعض الآخر الاعتماد على إمكانياته الذاتية ومصادره لجمع المعلومات والإخبار بها مثلما فعل "حزب العمال الشيوعي التونسي" (محظور) عن طريق موقعه الإلكتروني أو "المجلس الوطني للحريات" (محظور) و"الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين" (محظورة) وهي بالمناسبة جمعيات حقوقية بدأت تلفت النظر منذ فترة إلى توسع الإيقافات بشكل غير مسبوق وأن ذلك بدأ قبل عدة أشهر من اندلاع الأحداث الأخيرة.
الواضح الآن، أن مختلف الأوساط السياسية والإعلامية أصبحت تعتقد بأن الموضوع لا علاقة له بملف المخدرات، وأن تونس قد انضمت إلى بقية الدول العربية التي تعاني من ظاهرة الإرهاب المنظم.
بالنسبة للسيد نجيب الشابي، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي، فقد انتقد بشدة ما وصفه ب "التعتيم الإعلامي" الذي تمارسه الأجهزة الرسمية، وذكر بأن الشارع التونسي "يعيش حالة اضطراب وحيرة"، واعتبر أن ذلك من شأنه أن "يزعزع الثقة في الوضع العام بالبلاد، ويغذّي الشائعات الأكثر غرابة، وهو ما من شأنه أن ينعكس بشكل سيّء على قطاعي السياحة والاستثمار الداخلي والخارجي". وهو إذ يقر بأنه لا يوجد بلد غير معرّض لظاهرة الإرهاب، وأن التونسيين لن يقبلوا أن تتكرر في بلادهم تجربة الجزائر، لكنه حذر مما وصفه بمخاطر الانزلاق الأمني، وعدم الإدراك، بأن هذه الظاهرة تتغذى من "الظلم العالمي، والإقصاء الداخلي، والعوامل الإقليمية"، وألح على المطالبة بإشراك المجتمع في البحث عن طرق المعالجة، ومواجهة كل ما يهُم البلاد.
أما السيد خميس الشماري، الخبير والناشط الحقوقي، فقد شكك في الرواية الرسمية، وأكّد بأنه لم يستغرب ما حصل "نظرا لانسداد الأفق، وبالتالي، لم يعد بالإمكان استبعاد احتمال انسياق بعض الشباب في المغامرة"، كما أشار في الآن نفسه إلى وجود أكثر من 300 معتقل في السجون منذ أشهر، رغم أن ملفاتهم "خالية من أدلة"، أما الرغبة في التفاعل مع المقاومة "فهي مسألة حقيقية"، واعتبر أن المعالجة الأمنية "قاصرة عن حل الإشكال"، لكنه اعتبر أن ما حدث قد يكون من قبيل رُبَّ ضارة نافعة "لو لجأت السلطة إلى التنفيس السياسي".
بالنسبة لأوساط حركة النهضة المحظورة، فإنها بدورها لا تملك مُعطيات دقيقة عن الأحداث التي جرت. فلعل أهم ما يُلفت النظر في ذلك، أن تيار السلفية الجهادية في تونس، ليس هيكلا منظما ولا يملك رؤوسا جامعة ولم تُعرف له رموز تتحدث باسمه، إنه تيار صاعد وجديد، وليس لأفراده تاريخ أو أثر في مختلف الساحات الدينية أو السياسية.
فأوساط حركة النهضة تتعامل بحذر شديد مع هذا التيار، وترى فيه "خطرا عليها وعلى البلاد"، نظرا لاندفاع عناصره نحو المغامرة وتأثر الكثير منهم بنماذج خارجية لها استراتيجيات مغايرة لما تروِّجه قيادة النهضة منذ سنوات.
ويعتقد السيد زياد الدولاتلي، القيادي السابق في الحركة بأن "آلاف الشباب في العالم العربي قد أصبح يتفاعل مع خِطاب بن لادن وأدبيات القاعدة، نتيجة استبداد الأنظمة وانتشار الفساد من جهة، وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة من جهة أخرى"، ويُقر الدولاتلي بأن المسألة في تونس ليست مجرّد مجموعات صغيرة، ولكنها "ظاهرة منتشرة"، وما يأمله النهضويون، هو أن تُسفر المواجهة التي تمّت عن تعديل في سياسة السلطة تُجاه مساجينهم، وأن تتوقف عن رمي جميع الإسلاميين في سلّة واحدة.
تساؤلات عديدة
لا يزال الحدث - في ظل غياب المعلومات الدقيقة والموضوعية- يثير من التساؤلات أكثر مما يقدم من إجابات.
فهل يمكن القول بأن خلايا نائمة تابعة للقاعدة قد أصبحت حقيقة ميدانية قائمة في تونس أم أن الحالة لا تزال تمر بمرحلة التشكل؟ وهل يوجد من بين أفراد المجموعة أجانب، خاصة بعد أن تبيّن أن المدعو "شكري"، الذي اعتبر من أخطر العناصر لم يكن موريتانيا وإنما يحمل جواز سفر مُزيف؟ وكيف تسلل سلاح متطور ووصل بين أيدي هؤلاء وربما غيرهم؟ والأهم من كل ذلك، هل يمكن القول بأن هذا الملف قد أغلِق أم أن ما تم اكتشافه ليس سوى قمة جبل الجليد؟
وأخيرا، هل ستستخلص السلطة دروسا سياسية مما حدث، وتفتح المجال لصفحة جديد في علاقاتها بالمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والإسلاميين، أم أن المشهد العام في البلاد مرشح لمزيد من التصلب والتشدد؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.