معاينة فنية لهضبة سيدي بوسعيد    في نابل والحمامات... مؤشرات إيجابية والسياحة تنتعش    تململ وغضب ودعوات للمقاطعة.. 70 دينارا لحم «العلوش» والمواطن «ضحيّة»!    حماس تكذّب المبعوث الأمريكي: لن نتنازل عن السلاح    الخبير العسكري توفيق ديدي ل«الشروق» ...أخطاء ترامب ستعجّل بانهيار أمريكا    مونديال الاصاغر للكرة الطائرة : ثلاثة لصفر جديدة أمام مصر والمرتبة 22 عالميا    الطريق الى اولمبياد لوس انجلس 28 : الجوادي يخوض اليوم نهائي 1500 متر سباحة    أخبار الملعب التونسي : السعفي يعود و الخميسي يحمل الآمال    درجات حرارة تفوق المعدلات    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    جامع الزيتونة ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي    غازي العيادي ضمن فعاليات مهرجان الحمامات الدولي: ولادة جديدة بعد مسيرة حافلة    أستراليا تمنع يوتيوب للأطفال: وداعًا للخوارزميات الخطرة؟    إيقاف ياسين تشيوكو الحارس الشخصي لميسي ومنعه من دخول الملاعب    القصرين: اتباع برنامج شامل لمراقبة جودة مياه الشرب وتحذيرات وقائية بخصوص بعض العيون في الجهة    العواصف الرعدية والبَرَدْ جايين الليلة في المناطق هذي، حضّر روحك!    لرصد الجوي يُصدر تحييناً لخريطة اليقظة: 12 ولاية في الخانة الصفراء بسبب تقلبات الطقس    الكاف: شبهات اختراق بطاقات التوجيه الجامعي ل 12 طالبا بالجهة ووزارة التعليم العالي تتعهد بفتح تحقيق في الغرض (نائب بالبرلمان)    المهدية: اللإنثين القادم إنطلاق حملة تحيين مراكز الاقتراع لفائدة الناخبين المعنيين بالتصويت على سحب الوكالة    مع الشروق :الاعتراف... نصر أكتوبر الجديد    مباريات ودية: انتصارات لكل من النادي الصفاقسي، النجم الساحلي والاتحاد المنستيري    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    قبلي: يوم تكويني بعنوان "أمراض الكبد والجهاز الهضمي ...الوقاية والعلاج"    بورصة تونس تحتل المرتبة الرابعة ضمن قائمة اداء الاسواق العربية خلال الربع الثاني من 2025    ملعب حمادي العقربي يفتح أبوابه الوقت هذا.. شنوة لازم تعرف قبل ما تمشي!    قرطاج يشتعل الليلة بصوت نانسي: 7 سنوات من الغياب تنتهي    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل/ القبض على "بلوجر" معروفة..وهذه التفاصيل…    الأحداث السياسية في تونس في أسبوع (من 27 جويلية إلى 2 أوت 2025)    تنبيه هام: تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق..#خبر_عاجل    عاجل/ شبهات اختراق وتلاعب بمعطيات شخصية لناجحين في البكالوريا..نقابة المستشارين في الإعلام والتوجيه الجامعي تتدخل..    عاجل/ الحماية المدنية تُحذر من اضطراب البحر حتى وإن كان الطقس مشمساً..    شراو تذاكر ومالقاوش بلايصهم! شنوّة صار في باب عليوة؟    نقابة الصحفيين : مقاطع الفيديو المتعلقة بجماهير المهرجانات والمتداولة ليست لصحفيين محترفين ويجب احترام أخلاقيات المهنة    الإدارة العامة للأداءات تنشر الأجندة الجبائية لشهر أوت 2025..    عاجل/ وزارة الفلاحة توجه نداء هام لمُجمّعي الحبوب وتقدّم جُملة من التوصيات للفلاحين..    عاجل/ تزايد محاولات القرصنة..ووكالة السلامة السيبرنية تحذر..    بالأرقام: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية في عدد من الولايات..    تحذير: استعمال ماء الجافيل على الأبيض يدمّرو... والحل؟ بسيط وموجود في دارك    "تاف تونس " تعلن عن تركيب عدة اجهزة كومولوس لانتاج المياه الصالحة للشرب داخل مطار النفيضة- الحمامات الدولي    وزير التعليم العالي يتدخل وينصف التلميذ محمد العبيدي في توجيهه الجامعي    اتحاد الشغل يؤكد على ضرورة استئناف التفاوض مع سلطات الإشراف حول الزيادة في القطاع الخاص    وفاة جيني سيلي: صوت الكانتري الأميركي يخفت عن عمر 85 عامًا    كيفاش أظافرك تنبهك لمشاكل في القلب والدورة الدموية؟    شنية حكاية ''زكرة بريك'' اللي خوّفت جدودنا؟    الفنان "الشامي" يحقق نجاحا جماهريا باهرا ضمن فعاليات الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي.    جثمان متحلل بالشقة.. الشرطة تكشف لغز اختفاء عم الفنانة أنغام    الرضاعة الطبيعية: 82% من الرضّع في تونس محرومون منها، يحذّر وزارة الصحة    بطاطا ولا طماطم؟ الحقيقة إلّي حيّرت العلماء    النجم الساحلي: محمد الضاوي "كريستو" يعود إلى النجم الساحلي وصبري بن حسن يعزز حراسة المرمى    سهرة قائدي الأوركسترا لشادي القرفي على ركح قرطاج: لقاء عالمي في حضرة الموسيقى    عاجل : القضاء الأميركي يوقف ترحيل آلاف المهاجرين: تفاصيل    القصرين: منع مؤقت لاستعمال مياه عين أحمد وأم الثعالب بسبب تغيّر في الجودة    أعلام من بلادي: الشيخ بشير صفية (توزر): فقيه وأديب وشاعر درس في الجزائر وتونس    تاريخ الخيانات السياسية (33) هدم قبر الحسين وحرثه    وزارة التجارة تعلن عن تحديد أسعار قصوى للبطاطا وهوامش ربح للأسماك بداية من 4 أوت    هل يمكن لمن قام بالحج أن يؤدي عمرة في نفس السنة؟    شنوّة جايك اليوم؟ أبراجك تكشف أسرار 1 أوت!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباحث الليبي عز الدين اللواج يكتب للوسط عن الإعلام العربي وتحدي العولمة

الإعلام ليس كما يعتقد البعض رافداً من روافد الحداثة والتطور التقني ،بل هو عملية تاريخية ارتبطت بالإنسان منذ أن خلقه الله على وجه الأرض ، حيث تشير المصادر المختصة في هذا الشأن إلى أن المجتمعات البدائية " كانت تتلقى الأخبار والمعلومات عن طريق الكلمة الشفوية المتداولة من مجتمع إلى آخر ، وبعد أن استقر الإنسان أنشأ نظام الأسرة والقبيلة ثم الدولة وتشابكت المصالح حتى أصبح الإنسان بحاجة إلى تنظيم علائقه بالجماعة التي تحيط به مما أدى إلى ظهور وسائل إعلام بدائية مثل الألواح الفخارية ووسائل البردي والخطابة " (1) وهي وسائل وجدت طريقها إلى التطور عبر مراحل وحقب تاريخية عدة وصلت لذروة نضجها عندما بدأت تلوح في الأفق بوادر ثورة تقنية جديدة هي ثورة المعلومات والاتصالات أو الموجة الثالثة كما يقول الفن توفلر وزوجته هاليدي في كتاب لهما عن الموضوع ، ثورة المعلومات والاتصالات التي كانت واحدة من أهم وأبرز المستجدات التي أسهمت في بلورة التجلي الجديد لظاهرة العولمة والتي ستكون موضوع مناقشة هذه المقالة من خلال تطرقنا لبعدها الإعلامي وبالتحديد ما يخص محورها المتعلق بالعلاقة السائدة حالياً بين الإعلام العربي والتفاعلات المختلفة لظاهرة العولمة ، حيث سيتم دراسة الموضوع من خلال المستويات التحليلية التالية :
أولاً : مستوى التناول المقتضب لماهية وتجليات ظاهرة العولمة .
ثانياً : مستوى التعرف على أهم سمات وخصائص إعلام العولمة .
ثالثاً : مستوى التطرق لأهم ملامح الواقع الراهن للإعلام العربي ومدى قدرته على مواجهة التحديات التي تفرضها العولمة الإعلامية .
رابعاً : مستوى الخطوات الواجب اتخاذها من أجل مواجهة فاعلة لتلك التحديات .
رغم الجدل الدائر حول العولمة وأبعادها المختلفة ، إلا أنه بالإمكان استنباط جملة من الاستخلاصات المقتضبة التي توضح لنا أهم المضامين التي ينطوي عليها مفهوم العولمة ولعل من بين أهم تلك الإستخلاصات ما يلي :
أولاً : إن العولمة كلفظة تعود في جذورها " إلى الكلمة الإنجليزية "Global" والتي تعني عالمي أو دولي أو كروي ، وترتبط أحياناً بالقرية ، ويصبح معنى المصطلح القرية العالمية (Globalvillage) أي العالم عبارة عن قرية كونية واحدة ، أما المصطلح الإنجليزي "Globalization" فيترجم إلى الكوكبة أو الكونية أو العولمة ، ويتصل بها فعل "عُولم " على صفة " فَوعَل " وكانت الغلبة لكلمة العولمة لشيوع استخدامها " (2) .
ثانياً : لا يوجد اتفاق بين جمهور الباحثين والمحللين حول تحديد بداية زمانية لتفاعلات ظاهرة العولمة ولكن ثمة هناك أراء شائعة تؤكد على أن العولمة ليست نتاج العقود الأخيرة من القرن الماضي والتي تتبلور من خلالها المصطلح ، بل هي ظاهرة قديمة ذات مصطلح جديد وذات تجليات جديدة لعل أبرزها الثورة المعلوماتية والإتصالية (3) كما يؤكد الكثير من الباحثين على أن العولمة تجد بداية تشكلها وتكونها الزمني " منذ القرن الخامس عشر ثم تطورت مع التجارة واختراع البوصلة والاكتشافات الجغرافية وولادة الدولة القومية واختراع الآلة البخارية والتقسيم الفني للعمل لزيادة الإنتاج والتنافس على امتلاك المستعمرات وظهور الشركات الاحتكارية وتطور العلاقات الدولية في شكل مؤتمرات دولية ثم تنظيمات دولية ليست مقصورة على دول أوروبا واعتماد التقويم الجريجوري وتطبيق فكرة الزمن العالمية وبداية عصر الذرة والتقدم التكنولوجي ، وبروز الشركات المتعددة الجنسيات وغزو الفضاء وانهيار النظام الدولي الثنائي القطبية "(4) .
ثالثاً : انقسمت وتباينت المحاولات التي حاولت تعريف العولمة إلى أربعة أنماط رئيسية هي (5) :
أ نمط التعريفات الذي يرى في العولمة حقبة محددة من التاريخ أكثر منها ظاهرة اجتماعية أو إطاراً نظرياً .
ب نمط التعريفات الذي يرى في العولمة مجموعة ظواهر اقتصادية تتضمن تحرير الأسواق وخاصة القطاع العام ، وانسحاب الدولة من أداء بعض مهامها ووظائفها الكلاسيكية وبالأخص ما يتعلق بمجالات الرعاية الاجتماعية .
ج نمط التعريفات الذي ينظر للعولمة باعتبارها ثورة تكنولوجية واجتماعية وشكل جديد من أشكال النشاط يتم فيها الانتقال بشكل حاسم من الرأسمالية الصناعية إلى المفهوم الما بعد صناعي للعلائق الصناعية .
د نمط التعريفات الذي يرادف العولمة بمصطلح الأمركة ويرى فيها تعبيراً صريحاً عن الهيمنة الأمريكية ، وهو نمط في الواقع فيه الكثير من الخلط واللافهم بماهية العولمة حيث يتفق كاتب هذه السطور مع تلك الآراء التي تفرق بين مصطلحي العولمة والأمركة ، ففي هذا الصدد يرى الباحث الليبي موسى الأشخم في دراسة قيمة عن الموضوع بأنه " إذا كانت العولمة تعني تغليب الشأن العالمي على الشأن المحلي لكل دولة فإن ما يحدث في العالم منذ غزو العراق عملياً لا يتوافق مع ذلك بل أنه على العكس تماماً يدل دلالة واضحة على تغليب الشأن الأمريكي على الشأن العالمي أو بمعنى آخر على الشأن المحلي للأمم والبلدان الأخرى رغم كون ذلك التغليب يتم تحت لافتة العولمة في عملية تزوير للمصطلحات والمفاهيم لم يسبق لها مثل في هذا العالم " (5) .
وبالإضافة لما ذكره الأشخم نضيف أيضاً الفروق التالية والتي من وجهة نظرنا تعد هي الأخرى مؤشراً للتباين الضمني للمصطلحين وهذه الفروق هي :
I- أدوات وأبعاد العولمة ليست بالضرورة أن تكون ذات عمق كولينالي أما الأمركة فيجب أن تكون ذات عمق كولينالي وتوسعي .
II- للعولمة إيجابياتها وسلبياتها وللأمركة وجه واحد قاتم السواد .
III- العولمة عملية تحول فرضتها مستجدات ومتغيرات دولية جديدة أما الأمركة فهي توظيف لحالة سلبية نجمت عن تفاعلات العولمة .
رابعاً : يمكن توزيع أبعاد العولمة إلى أربعة أبعاد رئيسية هي :
أ - البعد السياسي : وهو البعد الذي تعبر عنه الأمركة الآنف ذكرها بشكل جلي وواضح من خلال التطبيقات العملية لتفاعلات ظاهرة العولمة .
ب - البعد الإقتصادي : وهو بعد يعبر عن تجليات ومضامين عديدة لعل أهمها :
1- بروز نظام اقتصادي عالمي يهدف للسيطرة على مختلف الاقتصاديات الوطنية والقومية عبر شركات عابرة للوطنيات والقوميات والتي تحاول الاستفادة من نظام رأس المال القائم على تدفقات التجارة والاستثمار والأموال التي تتركز في أوروبا وأمريكا واليابان ، وذلك عبر ممارسة ضغوط تحكمية كبيرة على أسواق المال الموجودة في مختلف دول العالم ، والتي تضطر تحت تأثير تلك الضغوط إلى الاستجابة لأي مقتضيات واشتراطات تغيير مدفوعة في ذلك بعوامل اقتصادية مفروضة عليها من سوق عالمية سريعة الركب (6) .
2- وجود ثلاث آليات رئيسية تسهم في تفعيل الحراك الاقتصادي لظاهرة العولمة وهذه الآليات هي ( البنك الدولي صندوق النقد الدولي منظمة التجارة العالمية ) .
ج / البعد الثقافي : ويتجسد في مشهديات ذلك الفيض المتدفق إلى بلدان الأطراف " في شكل كلمات وقيم أخلاقية وسلوكية ، قواعد قانونية ، اصطلاحات سياسية ، معايير كفاءة ، وذلك من خلال وسائل الإعلام ( صحف إذاعات تليفزيونات أفلام كتب أسطوانات فيديو " (7) .
د / البعد الإتصالي والمعلوماتي : ويتمثل في التطور التقني الذي ترتب عليه ظهور ثقافة ما بعد المكتوب ، الثقافة التي أفرزتها ميكانيزمات وأدوات عدة لعل أبرزها " الإنترنت الأقمار الفضائية وتطور الحواسب الآلية ) .
خامساً : فرضت تفاعلات العولمة تحديات كثيرة على مختلف دول العالم ولعل من أبرز تلك التحديات تحدية السيادة الذي بات يوجس مختلف الوحدات السياسية المكونة للنظام الدولي الراهن وكذلك التحديات التي ترتب عن مختلف المستجدات ومنها تحدي اختراق الخصوصية الثقافية للآخر وكذلك جملة التحديات الإعلامية التي سندرسها من خلال تسليط الضوء على مدى تأثيرها على إعلاميات النظام الإقليمي العربي .
نظراً لأن الملمح الاقتصادي هو الملمح الفاعل والمحرك لمختلف أبعاد العولمة فإن القطاعات الإعلامية العربية تأثرت بالنمط الاقتصادي العولمي ، حيث أسهمت تأثيرات ذلك النمط في تفعيل الغايات والأهداف المرجوة من وراء ظهور فكرة " اقتصاديات الإعلام " والتي كانت المقدم الرئيسي لما بات يسمى الآن بإعلام العولمة وهو إعلام يعرفه السيد أحمد مصطفى على أنه " سلطة تكنولوجية ذات منظومات معقدة ، لا تلتزم بالحدود الوطنية للدول ، ,إنما تطرح حدوداً فضائية غير مرئية ، ترسمها شبكات إتصالية معلوماتية على أسس سياسية واقتصادية وثقافية وفكرية ، لتقيم عالماً من دون دولة ومن دون أمة ومن دون وطن ، هو عالم المؤسسات والشبكات التي تتمركز وتعمل تحت إمرة منظمات ذات طبيعة خاصة ، وشركات متعددة الجنسيات ، يتسم مضمونه بالعالمية والتوحد على رغم تنوع رسائله التي تبث عبر وسائل تتخطى حواجز الزمان والمكان واللغة ، لتخاطب مستهلكين متعددي المشارب والعقائد والرغبات والأهواء " (8) .
ومن خلال التأمل في ديناميكيات إعلام العولمة نستنبط جملة من السمات والخصائص المتعلقة بذلك الإعلام والتي يأتي في مقدمتها
أولاً : أنه إعلام استهلاكي يهدف لتحقيق الآتي :
I- السعي إلى تشكيل الحياة الاجتماعية للشعوب وفق مصالح الأطراف المهيمنة على مركز إعلام العولمة .
II- إعلام يعمل على تغيير الواقع الثقافي من خلال تعويد العقول على مشاهدة ومعايشة الأنماط المغرية للثقافة الغربية .
III- إعلام يشجع على الانخراط النشط في الثقافة الغربية بالأشكال الجديدة لها من مأكولات وملبوسات ومتع وترفيه وانفاق يتجاوب مع حاجة اقتصاد السوق الرأسمالي .
IV- إعلام يتفنن في تطوير أساليب ووسائل التأثير في المتلتقي ومن أهمها التكيف مع ثقافة السوق وتقديم المواد الإعلامية السهلة والسريعة والبسيطة والتأثير على المتلقى عبر وسائل عدة منها التدفق الحر للمعلومات وتنويع الرسالة الإعلامية والبث السريع المتواصل والاعتماد على الأساليب السيكولوجية في إحداث التأثير على المتلقي ، فعلى سبيل الذكر لا الحصر يعمل إعلام العولمة على التوظيف الأمثل للرسالة الإتصالية من خلال اعتماد اسلوب الصدمة العقلية وهو أسلوب يعمل وفق آليات عدة لعل أهمها التركيز على حاسة البصر باعتبارها أقوى الحواس ولفت الانتباه عبر تغيير الرسالة الإتصالية مثل تغيير شكل الإعلام مثلاً وكذلك وضع الرسالة الإتصالية في الأماكن والأوقات المميزة والحرص على ان تكون ذات زمن وتكرار وارفين (9).
ثانياً : إعلام يبذل جهده الجاهد من أجل " تقليص دور الجامعات والمنظمات الدولية في تنظيم بيئة الإعلام والإتصالات المحلية ، لصالح الشركات الإحتكارية متعددة الجنسية ، وذلك من خلال الدعوة إلى تغيير التشريعات والنظم التي تعوق التدفق الحر للمعلومات والصورة والرموز بين الدول أو تمنح الحكومات أدواراً ووظائف إعلامية كالتخطيط والرقابة والمنح والمصادرة " (10) .
ثالثاً : إعلام شبه مؤمرك لا يحترم خصوصية الآخر الثقافية ، باعتبار إن التهجين الثقافي يعد أحد أهم روافد الأمركة الإعلامية والموجهة ضد دول الشمال والجنوب على حد سواء .
المبحث الثالث :
واقع الإعلاميات العربية
يتضح من خلال السرد الآنف لماهية إعلام العولمة ، إن الإعلام العربي يواجه في ظل التفاعلات المختلفة لظاهرة العولمة ، جملة من التحديات الإعلامية الخطيرة التي من شأنها أن تؤثر على الرأسمال البشري العربي وأن تخترق الثقافة العربية من خلال أدواتها ورسائلها المتطورة ، كما أنها تحديات تطرح تساؤلات هامة وملحة حول مدى قدرة الإعلاميات العربية على مواجهتها وتحصين الدول الموجودة في إطارها من عواقبها وتداعياتها السلبية .
إن المتتبع لواقع الإعلاميات العربية يجد إنها إعلاميات هشه وهلامية ولا تملك أدنى وسائل المناعة التطبيقية التي تمكنها من تفعيل وتطوير آليات دفاعها المهني ضد تحديات العولمة الإعلامية ، ففي هذا الصدد وفي دراسة بحثية عن أهم القضايا التي تواجه الإعلام العربي في الوطن العربي خلال الفترة الزمانية الراهنة ترصد الدكتورة عواطف عبد الرحمن جانب هام من الواقع المزري لذلك الإعلام ، حيث تلخص سلبيات المشهد الإعلامي العربي الراهن في عدة تحديات بنيوية إعلامية لعل أهمها : (11) التحدي المهني فبسبب عدم نضج التجربة الديمقراطية في الوطن العربي وسيطرة نمط الدولة السلطوية على النظم السياسية التي تتبنى أيديولوجيات تقليدية مزيفة ، ظهرت في المنظومة المهنية المبلورة للإعلام العربي إشكاليات عدة أبرزها :
1- سعي النظم السياسية العربية للسيطرة على مختلف أنشطة الاتصال والإعلام (اقتصاديا - سياسياً رقابياً) .
2- عدم تمتع الإعلاميين العرب بحقوقهم المهنية رغم المبادئ الطنانة التي تنطوي عليها العديد من الدساتير الموجودة في الدول العربية .
3- تعرض الإعلاميون للسجن والاعتداءات الأمنية وللمطاردة والإحتجاز من قبل الأجهزة البوليسية القمعية .
4- تراجع دور مؤسسات المجتمع المدني وبالأخص الروابط والنقابات والجمعيات الإعلامية
5- سذاجة تفكير متخذ وصانع القرار السياسي العربي انعكست على مضمون الخطاب الإعلامي العربي الذي تحول لبوق مزعج يترجم أهواء وغايات الطبقة الحاكمة معتمداً في ذلك على طابع دعائي وانفعالي يميل للإثارة الثأطاء والمعالجة الجزئية الضيقة .
6- ضعف تأهيل وتدريس الكوادر الإعلامية العربية .
7- استفحال أمر ظاهرة العنف الثقافي بين الإعلاميين العرب وهي ظاهرة نختزل جانب من تجلياتها في النقاط التالية : (12) .
I - سيطرة التأويل الفكري المغرض .
II - الانقسام لمجموعات ثقافية ترفض أي تنوع أو تعدد يهدف لتفعيل الحوار الخلاق مع الآخر المختلف معه .
III - تسخير ما يسمى بصحافة ومجلات الفضائح الثقافية من اجل ممارسة التشهير والقمع اللغوي ضد الأطراف التي لا تتمشى رؤاها الثقافية مع رؤى الأطراف الممولة والمسيرة لتلك الصحف والمجلات .
كذلك بالإضافة للتحدي المهني تبرز تحديات أخرى لعل من أهمها :
أ - انعكاس تداعيات أزمة العقل السياسي العربي على مختلف المكونات المشكلة للأطر الإعلامية العربية وأزمة العقل السياسي العربي يوضح العلامة الفيلسوف محمد عابد الجابري بعض من معضلاتها من خلال التركيز على متغيرات " القبيلة الغنيمة العقيدة " .
ب - التحدي التكنولوجي خصوصاً وإننا بتنا في عصر يصعب فيه التمييز بين الإعلام وبين الثورة التقنية في مجال الاتصال والمعلومات .
ج - وجود أزمة ثقافية تتمثل في عجز " النخب الثقافية عن صياغة مشروع ثقافي حضاري مستقل في مواجهة المشروع الثقافي الاستعماري الوافد ، فبدلاً من ذلك تمت المصالحة معه على نفس أرضية التبعية التي تكرست في المجالين السياسي والاقتصادي " (13) .
هذا طبعاً بالإضافة لحرص النخب الثقافية العربية على التقوقع في مركز ردا لفعل بدلاً من السعي نحو إحداث الفعل العملي البناء والفاعل .
المبحث الرابع :
توصيات واقتراحات
بعد أن تطرقنا لأهم التحديات الخارجية والداخلية التي يواجهها الإعلام العربي في ظل تفاعلات العولمة ، سيكون من المهم التطرق لأهم الخطوات والتوصيات المقترحة من أجل مواجهة مخاطر وسلبيات تلك التحديات ولعل أهم تلك الخطوات ما يلي :
اولاً : تطوير ميكانيزمات المشهد الديمقراطي العربي عبر توسيع نطاق المشاركة الشعبية الفاعلة ووضع حد نمط الدولة السلطوية " أي الدولة التي تنزع إلى الاحتكار الفعال لمصادر السلطة والقوة عن طريق اختراق المجتمع وتحويل مؤسساته إلى تنظيمات تضامنية تعمل كامتداد لأجهزة الدولة " (14) .
ثانياً : الاستغلال الأمثل للعقول العربية المتميزة في مجال تقنيات الثورة المعلوماتية والاتصال والسعي الحثيث نحو توطين تقنية تلك الثورة ومن ثم الاستفادة منها في المجال الإعلامي .
ثالثاً : تفعيل الاتفاقيات الإعلامية الموقعة بين مختلف الدول العربية وعدم التعامل معها من منطلقات قطرية ضيقة .
رابعاً : تطوير الآليات التنموية والحراك الاقتصادي في المنطقة العربية .
خامساً : تحديث الخطاب الإعلامي العربي من خلال تطوير مضمونه وجعله يتضمن أسساً أمبيريقية تتجاوب مع متطلبات المرحلة
سادساً : الاستفادة من دراسات وأبحاث علم النفس في مجال تطوير وسائل التأثير على المتلقى العربي .
سابعاً :تطوير اليات اختيار القيادات المسيرة لقطاعات الإعلام في الدول العربية واختيار الرجل المناسب في المكان المناسب وتأهيل ورفع مستوى العناصر الإعلامية المسيرة له .
ثامنا ً: أهمية إعطاء دور فاعل ومؤثر لمؤسسات المجتمع المدني المرتبطة بقطاع الإعلام وعدم تضييق الخناق عليها ومساعدتها على تطوير منظومة حقوق الإعلاميين العرب .
تاسعاً : تطوير المقررات الدراسية الموجودة في كليات وأقسام الإعلام الموجودة في مختلف الجامعات العربية وكذلك العمل على تفعيل الخطاب التربوي العربي بشكل عام .
عاشراً : ضرورة تكاثف الجهود من اجل تجاوز الأزمات الذاتية التي تمر بها منظومة الثقافة العربية والتي انعكست تداعياتها على القطاعات الإعلامية بإعتبار إن الإعلام أهم الأدوات الناقلة للثقافة .
هوامش
1- عبد الواحد مشعل ، الجهاز المرئي والتنشئة الاجتماعية في الأسرة العربية المعاصرة ، مجلة البحوث الإعلامية ، عدد مزدوج ( 27 ، 28) ، السنة العاشرة ، 2004 ف ص 38 .
2- عبد الجليل كاظم والي ، جدلية العولمة بين الاختيار والرفض ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 275 ، يناير 2002 ف ، ص 59 .
3- للمزيد أنظر السيد ياسين ، العولمة والطريق الثالث ، ( القاهرة ، دار ميريق للنشر والمعلومات 2001 ف ، ص 23 .
4- صالح السنوسي ، العرب من الحداثة إلى العولمة ، القاهرة ، دار المستقبل ، 2000ف ص 128 .
5- موسى الأشخم ، العولمة والأمركة " المفاهيم والآثار ، مجلة دراسات ، العدد 13 السنة الرابعة 2003 ف ، ص 75 .
6- د . عبد الرحمن الرشدان ، دور التربية في مواجهة تحديات العولمة في الوطن العربي ب، مجلة شؤون عربية ، العدد 113 ، خريف 2003 ف ،ص 84 .
7- د . محمود أبو العينين ، المحددات العالمية لعلاقة العرب الثقافية مع أفريقيا ،بحث نشر ضمن كتاب " ندوة العلاقات العربية الأفريقية " ، جمعية الدعوة الإسلامية ، ص 293 .
8- السيد أحمد مصطفى عمر ، إعلام العولمة وتأثيره في المستهلك ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 256 ، يونيو 2000 ف ، ص 76 .
9- للمزيد أنظر السيد أحمد مصطفى ، المصدر السابق ، ص 82 – 88 .
10- د . محمد شومان ، عولمة الإعلام والهوية الثقافية العربية ( الفرص والتحديات ، ورقة عمل ضمن كتاب " ندوة العولمة " ، جمعية الدعوة الإسلامية ، ص 88 .
11- للمزيد أنظر ، د . عواطف عبد الرحمن ، قضايا إعلامية معاصرة في الوطن العربي ( القاهرة ، دار الفكر العربي ) ، 1997 ف ، ص 24 - 27 .
12- عز الدين اللواج ، المبتسرون " نظرة في ظاهرة العنف الثقافي " ، الملف الثقافي لجريدة العرب العالمية الصادرة بلندن ، العدد 6993 ، الخميس 26 .8 .2004 ف ، ص9 .
13- د . عواطف عبد الرحمن ، مصدر سبق ذكره ، ص 34 .
14- د . هالة مصطفى ، الدولة ومرحلة جديدة في علم السياسة ، مجلة السياسة الدولية العدد 142 أكتوبر ، 2000 ف ، ص 63 .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.