الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ووزير خارجيته بيرنار كوشنير ينتهجان سياسة فرنسية متشددة تجاه إيران. فلم يسبق للموقف الفرنسي حيال الملف النووي الإيراني أن بدا متقاطعاً بهذا الوضوح مع الموقف الأميركي، وقد صار معروفاً أن باريس وواشنطن حسمتا أمرهما، فإما أن تتراجع إيران وتتخلى عن برنامج التخصيب المكثف لليورانيوم أو الحرب، التي سيكون على رأس أهدافها تدمير المنشآت النووية الإيرانية. هذه هي المعادلة التي طرحها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في خطابه حول السياسة الخارجية أمام السفراء الفرنسيين يوم 27 آب الماضي ، و الذي أعطى الانطباع فيه أن باريس استبدلت الحوار عن طريق التهديد باحتمال اندلاع «حرب» مع إيران، إذا ما استمرت في رفض تعليق نشاطاتها النووية الحساسة. وهاهو وزير خارجيته بيرنار كوشنير يعيدها بحذافيرها عشية رحلة قادته إلى موسكووواشنطن، وعلى أبواب مؤتمر وكالة الطاقة الذرية الذي بدأ أعماله في جنيف مؤخرا ، وقبل أيام من انعقاد الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي سوف يحتل هذا الموضوع قسطا مهما من مداولاتها. و كانت فكرة فرض عقوبات من خارج إطار الأممالمتحدة ضد إيران قد طرحها الرئيس ساركوزي مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ، ومع المستشارة الألمانية ميركل في القمة التي جمعتهما يوم 10 أيلول الجاري.ولئن كان البريطانيون مؤيدين لهذا الموقف منذ أمد بعيد، فإن باقي الأوروبيين ليسوا جميعا مقتنعين. وقد يكون بعضهم ضد «عدم الحذر الدبلوماسي الكبير» الذي يمثله استخدام كوشنير لكلمة«حرب»، بحسب دبلوماسي. وينتظر أن تتوضح أكثر مواقف باقي الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي في الأيام المقبلة مع المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي افتتح الاثنين17 أيلول الجاري في فيينا والاستعداد لاجتماع الدول الست الذي دعت إليه واشنطن في 21 سبتمبر/ ايلول لبحث مشروع عقوبات دولية جديدة ضد إيران. فهناك قسم كبير من الدول الأوروبية مستعد لتطبيق عقوبات أوروبية ضد ايران بشأن ملفها النووي في حال فشل مجلس الأمن الدولي في الاتفاق على عقوبات إضافية ضد ايران. من وجهة نظر غربية إيران تُخِيفُ .هذا واقع يأخذه الغرب بعين الاعتبار . لهذا السبب حدّد الرئيس ساركوزي المسار الذي سوف تأخذه قضية الملف النووي بوضوح وحدد مرحلتين: الأولى هي العمل بالعقوبات. والثانية هي الحرب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: متى يصبح الانتقال من المرحلة الأولى للثانية حتمياً؟ المحللون الغربيون يعتقدون أن العقوبات لن تستمر إلى ما لا نهاية، وأنها ليست فقط سلاحاً سياسيًا كما يعتقد البعض أومحاولةلإخافة إيران، بل إن الهدف منها يذهب أبعد من ذلك، فهي من جهة محاولة جادة لزعزعة إيران من الداخل، ومن جهة ثانية هي ممهد أساسي للحرب. فإذا نجحت العقوبات في إضعاف ايران اقتصاديًا، وشكلت لها عامل إرهاق يصرفها عن متابعة برنامجها النووي، أو أدت إلى شق الصف الداخلي، فإنها تكون أعفت الغربيين من تبعات خوض الحرب، ووفرت على المنطقة الكثير من المتاعب، وإذا لم تصل حتى تأدية هذا الغرض، فإنها في جميع الأحوال تكون قد ساهمت في تعبيد طريق الحرب، فمحاربة إيران منهكة اقتصاديا أقل كلفة من محاربتها وهي قوية اقتصادياً. فالدول الغربية تريد استنزاف إيران تدريجياعبر سلسلة من العقوبات، ثم تأتي الحرب متممة لهذا النهج. على الضفة المقابلة، قدمت الولاياتالمتحدة دعما متوقعا لتصريحات كوشنير. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك ان «رئيس الولاياتالمتحدة لا يسحب اي خيار عن الطاولة»، معتبرا ان «فرنسا تشاطرنا الأهداف ذاتها: هذا النظام الايراني لا يمكن ان يمتلك سلاحا نوويا»، مشيرا إلى أن تعليقات كوشنير «تؤكد جدية الموقف الفرنسي ». وأعلنت «إسرائيل» بدورها عن مواقف مماثلة. إذا طبول الحرب تقرع من جديدفي منطقة الشرق الأوسط. فالغارة الصهيونية التي شنت ضد سورية مؤخرا ، يعتبرهاالمحللون مؤشرًا أكيداً إلى حتمالات عودة الحرب بالوكالة او بالأصالة إلى مكانتها المرموقة على رأس الأجندة السياسية والعسكرية في تل ابيب. وهي حتماً رسالة إلى طهران حليفة دمشق. كانت الحرب الأميركية على العراق قد تمت التهيئة لها طيلة عقد التسعينات من خلال شن حرب إيديولوجية ، وسياسية ، و إعلامية ،ضد نظام الرئيس السابق صدام حسين . وخاضت الإدارة الأميركية هذه الحرب في الصحافة،والكونغرس، و في مراكز الأبحاث ومجموعات الضغط، و مختلف اللجان ، مركزة هجومها على قضيتين أساسيتين : أسلحة الدمار الشامل ، والطبيعة الديكتاتورية للنظام . إدارة الرئيس بوش تخوض الحرب لإعلامية ، و النفسية، و الإيديولوجية ، ضد إيران ، مركزةهذه المرةعلى الملف النووي لإيران و طموحاتها النوويةالمزعومة. و للدلالة على ذلك، نجد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية مستنفرة لجهة عدم تبنيها النهج الدبلوماسي الأوروبي.وهنا تعود التجربة العراقية إلى الذهن مباشرة، رغم المفارقة التاريخية، في أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين كان يؤكد خلو بلاده من أسلحة الدمار الشامل، فيما تعلن طهران، جهارا نهارا، انها ماضية في برنامجها النووي. هناك إتفاق عام في واشنطن يقوم على عدم السماح لإيران بإمتلاك السلاح النووي.و قد رأينا مؤخرا كيف أن واشنطن و تل أبيب تخوضان الحرب النفسية ضد طهران. فإيران تريد امتلاك التكنولوجيا النووية ، رغم أن قادة طهران أكدوا للمجتمع الدولي مرارا و تكرارا أن هدفهم من وراء تخصيب اليورانيوم ، يتمثل في توظيف التكنولوجيا النووية لخدمة الأغراض السلمية، و أن نزاهتهم في هذا الشأن لا يجوز أن يرقى إليها شك من جانب الحكومات الغربية. وتكمن المسألة في معرفة « ماهو غير مقبول » حقا، من وجهة نظر أوروبية و أمريكية. لأنه لا يوجد أي حزب سياسي إيراني ، و لا حتى المعارضة الملكية الموالية للشاه و القريبة جدا من واشنطن ، تعارض إمتلاك إيران التكنولوجيا النووية.و هناك شبه إجماع في المشهد السياسي الإيراني- الذي ليس هو أحاديا- على هذه القضية المركزية . -أرسل الى الوسط التونسية بواسطة الكاتب التونسي توفيق المديني.