أنين وحنين .... لوعة قلب ودمعة عين ساخنة تتدحرج على وجهها الشّاحب وحزن دفين يدمّر أحاسيس قلبها .... ينتابك شعور قاص رهيب يمتزج بالألم والحسرة وأنت تحاور أمّا ثانية من ولاية جندوبة وهي تحدّثك عن الأوجاع والآلام وآهات المحروميين ودماء المعذبين . ليلها دامس بارد كغرفة الإيقاف وبذاءات المباحث يقطع سكونه الموحش بين الحين والآخر وقع أقدام البوليس ونباح الكلاب المسعورة . ترتسم على وجهها علامات الحزن والخوف وفي عينيها نداء استغاثة يائسة تشكّل عالما غريبا يوحي بالمرارة والحرمان وبين هذا وذاك أحلام من الأماني والآمال .... ليس لها من أمنيّة في الحياة بعد أن قطعت أكثر من خمسة عشرة سنة تتجرّع عذاب المآسي والأحزان إلاّ أن تعانق ابنها بعد طول فراق فهو وحده الذي يستطيع أن يزيح عن عينيها أشباح الماضي الأليم .... حلمها كحلم الوطن الجريح تبحث عن من يخفّف عنها الآلام ويشفي الجراح.... نبرات صوتها توحي بشعور قاص رهيب وكلّ أجزاء جسمها ينبض بالألم والحزن .... تمتمت بصوت جريح لكنّه يوحي بالثّقة والصبر ورضاء بقضاء اللّه وقدره لتقول : نحن يا ولدي قلب الأمّة النّابض في زمن الأعاصير والشّاهد الحيّ على جرائم العصر ودماء المعذبين قاطعتها بلطف وأنا أدرك أنّ للقمع زبانيّة مجرّدون من الضمير يمارسون أبشع أنواع الفنون الوحشيّة ولسان حالي يقول : إنّنا اليوم يا أمّاه نحتاج إلى الصّبر والمعاناة فإمّا أن نضحّي بأنفسنا على مذابح الحقّ والعدالة أو ننصاع لرغبة الجلاّد .... فإمّا أن نكون أو لا نكون ردّت وهي تشعر بمرارة وقبضة هائلة تعتصر قلبها في قسوة وكأنّ هموم الدّنيا كلّها قد تكالبت عليها لتقول : نحن يا ولدي رمز البطولة والفداء فالجبن عندنا عار والخيانة جريمة والوقوف على الرّبوة مسلك الضّعفاء والمهزومين .... سنظلّ شمعة تضيئ الظلمات للنّاس ولا يهم أنّها تحترق وحيدة تقاوم القهر حتّى يلد الفجر ضياء من رحم المعاناة ثمّ سكتت قليلا بعدما اغرورقت عيناها بالدّموع لتضيف : اعلم يا ولدي برغم العذاب ودماء الضحايا سنظلّ نقاوم آلام الجرح النّازف وقسوة البوليس وعصى الجلاّد ثمّ أنشدت تقول يالاّ يا ولاد المحنة يا خيرة شباب اليوم غدوة تنقشع الظلمة وحكم الجلاّد يزول وتنكشف على الشّعب الغمّة ظلم الطّاغوت ما يدوم ويحتفل بلدنا بنصره ويفرح معانا الكون ونغنّي معا ونردّد : حبّ الوطن عبادة حبّ الوطن جنون أعادت بي كلماتها إلى ما احتوته الذاكرة من وقائع الأيّام السّود وما ارتسم في ذهني من صور مرعبة مخيفة عن أيّام الإعتقال ومداهمات البوليس وفظاعة التّعذيب . صور بحجم الزّلازل والبراكين مازلت أخفيها ولم أستطع لحد الآن استيعاب أحداثها ومع ذلك يراودني حلم جميل .... حلم ينبئ بسكون الأمواج وقدوم فصل جديد . فهل تهبّ علينا رياح التّغيير لنعيد رسم واقعنا ضمن صياغة جديدة تنقلنا من واقع القهر والإستبداد إلى عالم الحريّة وشاطئ الأمان ؟؟؟ نورالدين الخميري بون ألمانيا 2006.04.13