- الفاعلون السياسيون ومحترفو الاتصال ينزعون دوما الى محاولة السيطرة على العملية الاتصالية وفق منطق التحكم الاتصالي - رسم ملامح نموذج سياسي رابع للاتصال السياسي - هل فصلت وسائل الاتصال الجماهيري بين الباث والمتلقي لإرساء أحادية اتجاه الاتصال بينهما؟ صدر هذه الايام عن مركز النشر الجامعي ضمن سلسلة علوم انسانية واجتماعية ودينية كتاب للدكتور شوقي العلوي اختار له عنوان «الاتصال السياسي النظريات والنماذج والوسائط» حلل فيه الأرضية الابستيمولوجية التي يرتكز عليها حقل الاتصال السياسي والروافد التي تلتقي فيه ليتمكن من اجراء مسح اولي لهذا الحقل المعرفي الحديث نسبيا والذي لم يتم التطرق اليه من قبل بالقدر المطلوب سواء في البحوث التونسية او العربية. وقد استعرض الدكتور شوقي العلوي النماذج الكلاسيكية للاتصال السياسي وهي النموذج الدعائي والنموذج الحواري والنموذج التسويقي وطرحها للنقاش وأثراها استنادا الى روافد علمية ونظرية ثم حلل ما فعلته وسائل الاتصال الجماهيري وخاصة التلفزيون بالعلاقة بين الباث والمتلقي وما آل إليه وضعها من «مشهدة السياسة» وحشر المتلقي في زاوية «المتفرج السلبي». توسع حقل الاتصال السياسي إلى مزيد من الاشكاليات وقدم الدكتور عرضا تأليفيا للمثلث النظري الذي تشكلت منه القاعدة التنظيرية لوعود تجديد الاتصال السياسي بواسطة الانترنيت بين الباث والمتلقي. ورسم من أضلع هذا المثلث - وهي خطاب «مجتمع المعلومات»ومقولة الديمقراطية الالكترونية» ومسالة «تفاعلية الاتصال بواسطة شبكة الانترنيت» - ملامح نموذج سياسي رابع للاتصال السياسي اضافه الى نماذج الباحث الفرنسي جيل اشاش الثلاثة باعتباره النموذج الذي يصاحب ظهور شبكة الانترنيت خصوصا مع جيلها الثاني المعروف ب»الواب الاجتماعي». وبين الدكتور شوقي العلوي في نهاية كتابه ان الاتصال السياسي حقل معرفي متداخل الاختصاصات وتلتقي فيه التيارات النظرية الليبرالية والنقدية التي تشق العلوم الاجتماعية والإنسانية عامة وانه ايضا حقل تتجاذبه علوم الاعلام والاتصال وعلم السياسة باعتبار مكونيه الاتصالي والسياسي. ولاحظ توسع حقل الاتصال السياسي الى مزيد من الاشكاليات مثل الاهتمام بالمنظمات الاعلامية وعلاقاتها الداخلية والخارجية مع المحيط والتحول الى الانشغال بمسالة التلقي واعتبار المعنى نتيجة للتفاعل بين الذات والمحيط الاجتماعي ودراسة الابعاد الثقافية والرمزية والاقتصادية للعملية الاتصالية ودراسة الاتصال في بعده الدولي في علاقة بظاهرة العولمة وغيرها من المسائل الأخرى.. التلفزيون أداة تلاعب وخداع وتفقير للخطاب السياسي ورأى الدكتور شوقي العلوي ان صحافة الرأي وإن رافقت وساعدت في تشكل مقومات النموذج الحواري المبني على نظرية الفضاء العمومي وتوسعه وانتشار قيمه وأفكاره، وأن الإذاعة لم تكن الاداة الاتصالية التي خلقت النموذج الدعائي الذي عرف اوجه مع الدعاية النازية والفاشية والأنظمة الكليانية اذ ان الأمر لا يتعلق بطبيعة هذه التقنية الاتصالية بقدر ما يتعلق باستخداماتها في سياق تاريخي محدد، وان التلفزيون حتى وان تم اعتباره من اكثر وسائل الاعلام اثارة للجدل اذ يعتبره البعض أداة لحمة اجتماعية وتعزيز للمشاركة الديمقراطية وتوسيع للفضاء العمومي ويرى البعض الاخر انه أداة تلاعب وخداع وتفقير للخطاب السياسي وسبب من اسباب ازمة التمثيل الديمقراطي والعزوف عن السياسة، فان ما يمكن استخلاصه هو ان وسائل الاتصال الجماهيري صحافة مكتوبة، إذاعة وتلفزيونا، فصلت بين الباث والمتلقي بإدخالها وساطة تقنية في العملية الاتصالية التي كانت مباشرة في «الريتوريقا»، الشكل التاريخي الأبرز للاتصال السياسي. كما ارست وسائل الاتصال الجماهيري وفي مقدمتها التلفزيون احادية اتجاه الاتصال بين الباث والمتلقي الذي كان ثنائي الاتجاه وتفاعليا في الاتصال البين- شخصي. وقد كرس التلفزيون «مشهدة السياسة» بفعل خصائصه المبسطة والمشخصنة والممسرحة والترفيهية والقائمة على قدرات الصورة الابهارية والاغوائية للمتلقي. لذا كان التلفزيون هو الركيزة الاساسية لنموذج التسويق السياسي في مجال الاتصال السياسي. بروز ظواهر مهددة لروح الديمقراطية ورأى الدكتور العلوي ان جملة هذه العوامل تتسبب في ظهور رجل السياسة الشبيه بمحترف التسويق الذي لم يعد يمثل لا الشرائح الاجتماعية ولا الاحزاب ولا الافكار ولا البرامج السياسية بقدر ما يتبارى مع الغير في تسويق صورة تلفزيونية مغرية وهو ما أدى حسب كاتب «الاتصال السياسي النظريات والنماذج والوسائط» إلى بروز ظواهر مهددة لروح الديمقراطية تختصر تحت عنوان أزمة السياسة المتجسدة في البلدان الغربية بالخصوص في نسب الاقبال الضعيفة على صناديق الاقتراع وفي عزوف المواطنين عن العمل السياسي وعن الانخراط في الاحزاب والمنظمات. اما ظهور شبكة الانترنيت وتبشيرها بمجتمع المعلومات وباستعادة حرارة التفاعلية بين الباث والمتلقي فلم تحدث تفاعلات جذرية في هذه العلاقة حيث تم تطويع الانترنيت لمواصلة الممارسات القائمة على النموذج الدعائي او العمودي بالمعنى العام اي نشر المعلومات من الباث إلى المتلقي. وبالنسبة للنموذج التشاركي ورغم الجدل القائم حول عمق التغييرات التي أحدثها الواب في طبيعة العلاقة بين الفاعل السياسي والمستخدمين يمكن حسب ما كتبه الدكتور العلوي القول: «في تقديرنا ان الواب 02 شكل تقدما تفاعليا نسبيا مقارنة ب»واب الجيل الأول» الذي اتسمت الممارسات الاتصالية للفاعلين السياسيين فيه بمواصلة ممارسة «السياسة كالمعتاد» أي اعتماد النموذج الاتصالي العمودي بقطع النظر عن الإمكانات التفاعلية للشبكة .» ص436 . إرادة قوية لاستثمار قدرات الانترنيت التفاعلية والتشاركية ورأى الكاتب ايضا ان الامر لا يتعلق بقصور تفاعلي او تشاركي للشبكة في جيلها الأول (الواب الكلاسيكيى) والثاني (الواب الاجتماعي) بقدر ما يتعلق بإرادة الفاعلين السياسيين في استثمار قدرات الانترنيت التفاعلية والتشاركية من اجل إرساء حوار حقيقي بين الساسة والمواطنين وتشريكهم في اتخاذ القرارات السياسية. وقال: «كما لا يمكن الجزم بقصور الشبكات الاجتماعية عن تحقيق المشاركة السياسية المنشودة وذلك لان تملكها من قبل الفاعلين السياسيين مسار اجتماعي وثقافي يحتاج مرور زمن أطول.» ص 437. ورجح الكاتب في نهاية كتابه أن التحولات الحقيقية في مجال المشاركة السياسية قد تحدث أكثر من ناحية « التمكين «الذي تمنحه الشبكات الاجتماعية للمستخدمين في النفاذ المباشر الى الفضاء العمومي والإدلاء بدلوهم فيه، على صفحاتهم ومدوناتهم الخاصة وفي التبادلات في ما بينهم بعيدا عن «غرابيل «- «حراس البوابة «اذ تشير البحوث الميدانية الى ان الفاعلين السياسيين ومحترفي الاتصال ينزعون دوما الى محاولة السيطرة على العملية الاتصالية وفق منطق التحكم الاتصالي». خدمة لاستراتيجياتهم وأهدافهم ويسعون في الغالب الى توظيف قدرات الشبكة التعبوية والإبلاغية الواسعة دون كبير اكتراث بإمكاناتها التفاعلية والتشاركية في مواقعهم وصفحاتهم.