لا يزال رئيس الحكومة يوسف الشاهد يعتمد أسلوب المناورة في تعاطيه مع مسألة الذهاب إلى البرلمان. فإذا ما افترضنا جدلا كسب الشاهد للجبهة الخارجية من خلال الدعم الذي لاقاه من جهات أوروبية، فان جبهة الداخل مازالت منقسمة على ذاتها بين مؤيد له ورافض وبين داع لضرورة انضباط الشاهد لمخرجات الاجتماع الأخير للموقعين على وثيقة قرطاج والالتزام بالنقاط 63 الواردة بالوثيقة وأهمها عدم ترشحه وأعضاء الحكومة لانتخابات 2019. وتبدو مراوغات الشاهد واضحة في هذا الخصوص فهو لم يقدم إلى حد الآن أي موقف واضح بشان ترشحه أو عدم ترشحه للانتخابات السنة القادمة، حتى ان آخر ظهور إعلامي له قبل عدة أسابيع جاء ليكشف بروز شق جديد داخل النداء مناهض لسياسة المدير التنفيذي الذي لم يدخر جهدا في تفتيت الحزب وتقسيم الكتلة النيابية. وكان يوسف الشاهد قد اتهم في خطاب تلفزي بث بتاريخ 29 ماي 2018 المدير التنفيذي لحزب نداء تونس حافظ قائد السبسي بتدمير الحزب وقال: «المدير التنفيذي للحزب والمحيطون به دمروا النداء وقادوه إلى هزائم متتالية آخرها الانتخابات البلدية التي خسر فيها الحزب مليون صوت من رصيده الانتخابي إضافة إلى الانتخابات الجزئية بألمانيا». وأضاف الشاهد في كلمة توجه بها إلى التونسيين بثتها القناة الوطنية الأولى». حان الوقت لمسار إصلاحي داخل الحزب يعيد له فاعليته على الساحة السياسية لأن تواصل الوضع على ما هو عليه يهدد التوازن السياسي». موقف الشاهد رفضه النداء شكلا ومضمونًا وهو ما كشفه رئيس الكتلة السابق فاضل بن عمران الذي اعتبر في مداخلة إذاعية ان «يوسف الشاهد انحدر لمستوى السب والشتم وهذا لا يليق برئيس حكومة». واصفا خطوته هذه «بسياسة الهروب إلى الأمام» مؤكدا على «ان الفشل موش عيب ويوسف الشاهد فاشل»، على حد وصفه. ولم تتوقف الخلافات في مستوى التصريحات لتنتقل إلى البرلمان وفِي ذات السياق علمت «الصباح» ان 14 نائبا من كتلة مشروع تونس من أصل 20 يدعمون بقاء الشاهد على رأس الحكومة ولَم تكن بقية الأحزاب بمنأى عن واقع الخلافات بعد أن انقسمت كتلة نداء تونس إلى مؤيد للشاهد ورافض له لينجح رئيس الحكومة في استقطاب أكثر من 2/3 الكتلة بعد أن نجح في النفاذ إلى النواب و«تحويل وجهة» نظر 37 نائبا من أصل 56 بما فيهم رئيس الكتلة سفيان طوبال. ويأتي اختراق الشاهد للكتلة وهي ثاني كتلة بعد حركة النهضة 68 اثر إقناع الندائيين بضرورة تقييم الحكومة قبل إصدار أحكام مسبقة، مع ضرورة الاطلاع عن «انجازاتها» وأخذ مسافة من الحياد، هكذا مواقف عجلت بظهور اللجنة المؤقتة المكلفة بتقييم عمل أعضاء الحكومة، ولَم تكن هذه اللجنة سوى قناة لتقريب وجهات النظر بين الشاهد وأعضاء الكتلة، في حين تراها مجموعة المدير التنفيذي حافظ قائد السبسي عملية «براكاج» للكتلة الأمر الذي دفع بالناطق الرسمي للنداء منجي الحرباوي إلى الدعوة بحل اللجنة التي لم تعد تعبر عن قرارات الحزب حسب رأيه. وقد تحول موضوع اللجنة وما أحيط بها من جدل داخل الحزب إلى سجال بين الحرباوي وطوبال من جهة وبين الحرباوي ونواب من الكتلة من جهة ليصل الأمر لاعتبار خطته كناطق رسمي للنداء إنما هي خطة مسقطة نتيجة ولاءات الحرباوي للمدير التنفيذي. وإذا ما نجح الشاهد في تحصين حكومته من «مقصلة» البرلمان فان إعلان فوزه على خصومه السياسيين مازال مبكرا خاصة وان تمرير أي حكومة سواء كانت للشاهد أو لغيره يمر بالضرورة عبر كتلة حركة النهضة التي رفضت مبدئيا الإمضاء على عريضة سحب الثقة التي وقع تمريرها ولَم يتجاوز عدد الممضين فيها 50 إمضاء بالإضافة إلى سحب عدد من نواب نداء تونس للإمضاءات بسبب غياب رئيس الكتلة سفيان طوبال الذي يشارك في أشغال البرلمان العربي بمصر. وقد برر نواب من النهضة عدم إمضائهم على عريضة سحب الثقة انضباطا لموقف الحزب الداعي إلى الاستقرار، استقرار يتطلب في مقابل التزام الشاهد بإنجاح ما ورد في مخرجات اللجنة المنبثقة عن اجتماع قرطاج. ومازالت حركة النهضة في انتظار الرد النهائي على مطلب رئيس الحركة راشد الغنوشي والذي دعا فيه الشاهد وأعضاء حكومته بعدم الترشح للانتخابات القادمة والتركيز على نقاط الوثيقة التي كانت محل توافق واسع بين زعماء وثيقة قرطاج بما في ذلك نقطة 2019 ، غير ان الشاهد يسعى لمراوغة «شيخ مونبلزير» عبر ربح الوقت وفرض تحالفات نيابية جديدة استعدادا للمرحلة القادمة. فهل يلتزم الشاهد بمسودة وثيقة قرطاج كاملة؟، أم سيدفع بالنهضة لمعاداته والانتصار لموقف الاتحاد العام التونسي للشغل والقاضي بالتحوير الشامل؟