يبدو أن هناك بوادر لإعادة ترتيب الأوراق والأولويات باتجاه البحث عن خروج آمن من الأزمة السياسية الحالية التي تسببت في شلل للبلاد ولمؤسسات الدولة، كما أساءت لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس عبر الترويج لصورة الصراع بين رأسي السلطة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة. ولم يكن تزامن تحرك رئيس الجمهورية عبر الاجتماع بكتلة النداء مقابل تحرك ساكن القصبة في الوقت ذاته عبر الإدلاء بحوار لوكالة تونس إفريقيا للأنباء اعتباطيا أو غير مدروس بل لعله خطوة إلى الأمام من الطرفين سعيا لأرضية مشتركة لإذابة الجليد صلب حزب نداء تونس الذي تحول إلى عبء يؤرق لا الندائيين بمفردهم لكنه يلقى بظلاله السلبية على كامل المشهد العام في البلاد. وبالنظر إلى فحوى اجتماع الباجي قائد السبسي بكتلة النداء وما تضمنه حوار رئيس الحكومة من رسائل وفي انتظار اتضاح الرؤية أكثر في الأيام القادمة قد يكون الانحياز إلى البحث عن الاستقرار هو الخيار الأسلم لضمان استمرار مسار الانتقال دون أن يعني ذلك الانتصار لشق أو لشخص فالمصلحة العليا للوطن يجب أن تكون فوق الجميع. ورغم أن الصراعات صلب النداء طابعها حزبي داخلي إلا أن اعتبارات عديدة تجعلها تتجاوز محيط الندائيين وفي مقدمتها تواصل البحث عن استعادة التوازن على الساحة السياسية لا سيما بعد تأكد الحاجة إلى ذلك أكثر فأكثر بعد نتائج الانتخابات البلدية، حيث حصدت النهضة النصيب الأوفر من رئاسة البلديات ما يجعلها في طريق مفتوح للهيمنة في المواعيد الانتخابية القادمة. وفي ظل فشل بقية الأحزاب بكل أطيافها التقدمية واليسارية والديمقراطية الاجتماعية في خلق بديل حقيقي أو خط ثالث قادر على المنافسة وعجزها عن إقناع الناخب التونسي بذلك، ونتائجها في الانتخابات البلدية خير دليل، يصر كثيرون على التشبث بحزب النداء لتحقيق التوازن على الساحة السياسية متى التزم الندائيون بخيار الإصلاح صلب الحزب وبالمؤتمر الديمقراطي للتنافس بين الجميع ويبدو هذا ضمنيا ما تم الاتفاق بشأنه ما لم تتغير المعطيات والمستجدات. إن الرهان الحقيقي الذي يتعين على الطبقة السياسية والأحزاب العمل على أساسه مع اقتراب العد التنازلي لموعد 2019 هو التقييم الموضوعي للفترة السابقة والانكباب على دراسة النتائج الأخيرة في الانتخابات البلدية دراسة عميقة بحثا عن الهنات والأخطاء لتجاوزها وأيضا للغوص في ما أفرزه المشهد من تغييرات وفي مقدمتها صعود المستقلين الذين كانوا ملاذا للناخبين بعد انعدام الثقة في خيارات الأحزاب على امتداد الفترة الانتقالية. لكن إن شكل المستقلون بديلا في مرحلة ما فإنهم قطعا لن يكونوا البديل الطبيعي والدائم في الديمقراطية التي نحلم بها، فدون أحزاب قوية ومتماسكة ومستقرة لا يستقيم الحديث عن نظام ديمقراطي .