استياء.. تذمر.. وسخط كبير... هكذا حال شق كبير من طلبة الهندسة اليوم وغيرهم من المسجلين في بقية الاختصاصات العلمية الأخرى ممن يشتكون من «الحضور الصوري» لبعض الأساتذة الجامعيين داخل القسم بالنظر إلى أن بعض الإطارات الجامعية تعتمد -على حد «تشخيصهم»- على سياسة الإلقاء في مواد يفترض أن تدرس بجدية وبإطناب على غرار مادتي الرياضيات والفيزياء الأمر الذي يدفع بهم قسرا نحو الدروس الخصوصية بما أن ضوارب هذه المواد مرتفعة للغاية وتساهم بشكل كبير في نجاح الطالب من عدمه. من هذا المنطلق وجد غالبية الطلبة اليوم المسجلين بالشعب العلمية لا سيّما أولئك المرسّمين بالمعاهد التحضيرية للدراسات الهندسية ضالتهم في الدروس الخصوصية لا سيّما في المواد الرئيسية على غرار مادتي الرياضيات والفيزياء والإعلامية رغم تكاليفها المٌشطة بما أن الهاجس الأساسي للطالب كما الولي هو إنقاذ السنة الجامعية من «شبح» الرسوب كلفه ذلك ما كلف. من هذا المنطلق جدير بالذكر ان غالبية الطلبة الذين تحدثت إليهم «الصباح» رفضوا الإفصاح عن هويّاتهم أو حتى اسم الجامعات التي يدرسون فيها خشية من تفطن أساتذتهم إليهم على حد تأكيد البعض منهم لكن الإجماع كان حاصلا لديهم عما وصفوه «بمعاناتهم» داخل مدارج الجامعة جراء عدم إطناب بعض الأساتذة في شرح الدرس حتى ان البعض منهم طالب سلطة الأشراف بان تعتمد على آليات رقابية لردع الظاهرة. من جهة أخرى وبالتوازي مع طلبة المعاهد التحضيرية للدراسات الهندسية اشتكى طلبة آخرون ممن يدرسون في اختصاصات علمية أخرى من نفس الممارسات، بما ان بعض الإطارات الجامعية لا تؤدي رسالتها على الوجه المطلوب لاسيما في بعض المواد على غرار مادة الإعلامية التي تتطلب شرحا مفصلا نظرا لمفاهيمها الدقيقة. ومع ذلك يكتفي بعض الأساتذة بفتح كتاب الإعلامية وإلقاء الدرس وسط ذهول ودهشة الطلبة على حد تأكيد البعض منهم. قد تكون مشاغل الحياة وضغوطاتها من الأسباب التي تدفع «بتراخي» بعض الإطارات التربوية داخل قاعات الدرس لكن يتعين على هذه الإطارات ان تفقه جيدا وان تضع نصب أعينها ان الأولياء يتكبدون عناء تامين مصاريف ومستلزمات سنة جامعية خاصة أن التكلفة الجامعية للطالب الواحد تبلغ 1002 د، منها 185 دينارا للسكن و96 دينارا للترسيم و312 دينارا للأدوات و410 دينارات تخصص لمصاريف أخرى على غرار النقل وفقا لاستبيان صادر عن منظمة الدفاع عن المستهلك. في تفاعلها مع هذه المسالة أكدّت عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس نسرين الجواني في تصريح ل»الصباح» وجود الظاهرة مؤكدة انتشارها في جل الاختصاصات. وفسرت في هذا الإطار انه عادة ما يلتجئ الطلبة الى دعوة الأساتذة لشرح الدرس مجددا. وفي تفسيرها للأسباب التي تدفع ببعض الإطارات الجامعية إلى «التقاعس أو التراخي» داخل قاعات الدرس أوردت عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام لطلبة تونس أن المفاهيم تغيرت اليوم حيث أنه لم يعد هاجس بعض الأساتذة التدريس وتبليغ المعلومة والاستماتة في إيصالها إلى الطلبة وهو ما وصفته المتحدثة ب»النقص في الحس الوطني لدى بعض الأساتذة الجامعيين»، على حد قولها. وفي معرض حديثها عن تراجع دور الأستاذ الجامعي مقارنة بالدور الريادي الذي كان يضطلع به سابقا أشارت المتحدثة إلى أن الأستاذ الجامعي كان هاجسه الأساسي في السابق بناء ونحت أجيال المستقبل لكن للآسف تغيرت اليوم المفاهيم وأضحت عقلية «مسمار في حيط» هي المهيمنة اليوم داخل الحرم الجامعي مؤكدة في المقابل أن هذا الطرح لا ينسحب على غالبية الأساتذة بما انه لا يجوز وضع الجميع في نفس السلة على اعتبار ان هناك خيرة من الأساتذة الجامعيين ممن «يتفننون» في أداء رسالتهم التربوية على الوجه المطلوب. في هذا الخضم ولأن الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه، من الضروري التأكيد على أن الجامعات التونسية تمتلك خيرة من الأساتذة الأكفاء الذين يبقى هاجسهم الأساسي نحت جيل فاعل ومتميز. كما انه يتعين القول بان الهدف من هذه المساحة ليس التشهير بممارسات بعض الإطارات الجامعية بقدر ما يبقى الهاجس الأساسي هو التعديل والإصلاح إذ لا يستقيم الحديث عن نمو أو تطور دون الارتقاء بالتعليم في كافة مستوياته لا سيما الجامعي منه. كما انه من الضروري اليوم أن يلتقي جميع الفاعلين في المنظومة الجامعية للبحث في الإشكاليات والعلل بما في ذلك مسالة تكوين المدرسين حتى لا تصبح الدروس الخصوصية بمثابة «الداء» الذي يصعب استئصاله من المنظومة الجامعية.