إنها بلا شك عودة فرنسية إلى الشرق الأوسط بنسق سريع وأكثركثافة،، فمن كان يتصور أن تفتح أبواب الإليزي في عهد ساركوزي صديق إسرائيل الأكثر التزاما أمام الرئيس السوري بعد أن شهدت العلاقات بين سوريا وفرنسا توترات شديدة بسبب الأزمة اللبنانية..؟ ومن كان يتكهن بأن يؤدي الرئيس الفرنسي زيارة إلى دمشق بعد بضعة أسابيع من زيارة الأسد؟ لم يعد خافيا أن الديبلوماسية الفرنسية بصدد إجراء عملية تجميل واسعة النطاق خصوصا فيما يتعلق بالشرق الاوسط بما يعطي ساركوزي مظهرا جديدا يحد مما رسب في الأذهان حول ولائه لإسرائيل ويفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة لتكتسب تلك الديبولوماسية روحا ديغولية بغطاء «ساركوزي» بحت يعكس شخصية الرئيس الفرنسي الذي لا يضع للمسائل حدودا ينتهي عندها كل شئ . لقد قرأ ساركوزي الوضع الدولي الراهن قراءة صحيحة على الأقل في هذه المرحلة المتسمة بانغماس أمريكي في الانتخابات الرئاسية وتدهور وضع أولمرت السياسي وتواصل الغرق الأمريكي في المستنقعين العراقي والأفغاني ومن الطبيعي أن يبحث الرئيس الفرنسي عن دور دولي يترجم عن مكانة فرنسا على الساحة الدولية. ويدرك الرئيس الفرنسي أن جانبا كبيرا من ثوابت السياسة الفرنسية في الشرق الوسط يتطلب التعامل مع سوريا وليس عزلها كما يرغب بوش أو بعض العواصم العربية الفاعلة ولقد اكتشف ساركوزي أهمية دور سوريا في ظرف لا يتحمل مزيد التصعيد ..خاصة فيما يتعلق باستقرار لبنان وإمكانية تحقيق تقدم في المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا. ويبدو أن محور باريس دمشق بصدد التشكل وقد يتوسع إلى أعضاء آخرين وهو محور من شأنه تخفيف الضغط على محاور أخرى في المنطقة بما في ذلك المحور السوري الإيرانيففرنسا قد تستفيد بمجرد التوصل إلى حل للملف النووي الإيراني حيث يبقى الدور السوري هاما في أية مفاوضات مع إيران وبالتالي تضمن ترسيخ مكانتها «التاريخية» في لبنان . أما سوريا فيكفيها أنها تصبح وجهة ثالثة في المنطقة بعد الرياض والقاهرة وهو ما يعني أنها معنية مقابل ذلك بالتخلي عن «الرفض والصمود والتصدي» وهي شعارات لم تعد تضمن أي شيء بما في ذلك استقرار الأنظمة . بين فرنسا وسوريا أسباب عديدة للتقارب غير أن المسألة لا يجب أن تشكل محورا آخر ينضاف إلى محاور أخرى ولا بد من توظيف هذا التقارب لما فيه مصلحة المنطقة وتحديدا إقناع إسرئيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية وترك الشعب الفلسطيني يصنع مصيره بأيدي ابنائه.